الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بوابة العرب

أبو الغيط يدعو لتعزيز مبدأ عدم التدخل بالشئون الداخلية للدول.. لا نحتاج إلى نظام عربي جديد بل تأكيد مبادئ "ستفاليا".. محاولات إيران لتصدير الثورة تعاظمت خلال السنوات الأخيرة

 أحمد أبو الغيط الأمين
أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
دعا أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، إلى تعزيز مبدأ السيادة، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول في منطقة الشرق الأوسط.

وقال أبو الغيط- في ندوة عُقدت على هامش مؤتمر ميونخ للأمن 2017 بألمانيا تحت عنوان "هل يُمكن تطبيق معاهدة وستفاليا في الشرق الأوسط؟": إن لمعاهدة وستفاليا دلالات متعددة، ويُمكن النظر إليها بوصفها ميلاد مفهوم سيادة الدولة والنظام الحديث للدول، كما أن هذه الاتفاقية وضعت أيضًا مبدأ التسامح الديني في العلاقات الدولية.
وأضاف "أن وستفاليا لها علاقة بالفكرة القائلة بأنه في الإمكان صياغة نظام إقليمي جديد من خلال انخراط أطرافه في مفاوضات مطولة تُعالج المعضلات الأمنية، وتُلبي تطلعاتهم القومية والدينية.
وتابع أن منطق "وستفاليا" يفترض أنه إذا ما تمت مناقشة كل هذه المخاوف ومشاعر انعدام الأمن على طاولة المفاوضات، وبأسلوب مكشوف وشفاف، وبالاستعانة بقدر من الدبلوماسية الحاذقة، فإن بالإمكان التوصل إلى حلول وسط، ومن الممكن كذلك الوصول إلى "صفقة كبرى" شاملة، وبحيث يتولد عن هذه العملية إقامة نظام جديد يتضمن مجموعة من المبادئ والقواعد الحاكمة التي يتوافق عليها الأطراف ذات الصلة.
وتساءل: هل مثل هذا المنطق قابل للتطبيق فيما يتعلق بالنزاعات الدائرة في الشرق الأوسط حاليا، بعبارة أخرى: هل نحتاجُ حقًا إلى نظام جديد في الشرق الأوسط؟ هل نحن في حاجة إلى مجموعة جديدة من القيم والمبادئ التي تحكم العلاقات بين الدول وداخل الدول؟
​وأضاف "أنه رغم الإغراء الذي تنطوي عليه فكرة إقامة نظام إقليمي جديد في المنطقة، إلا أنني أختلف مع هذا الطرح.
​وأردف قائلا "ما نحتاجه اليوم ليس نظامًا جديدًا بشكلٍ كامل بل العودة إلى ذات المبادئ التي تأسس عليها نظام وستفاليا، وهي: الاعتراف المتبادل بالسيادة المتكافئة بين الدول، وعدم التدخل في الشئون الداخلية، والفصل بين الدولة والدين. 
وأضاف "بعبارة أخرى، فإننا لسنا في حاجة إلى "عملية وستفالية"، وإنما نحتاج إلى إعادة ترسيخ مبادئ وستفاليا وفرض الإقرار بها".
​وأشار إلى أنه قد تم صياغة النظام الإقليمي في الشرق الأوسط وفقًا لمبادئ وستفاليا منذ أكثر من مائة عامٍ خلت، حيث جرى إنشاء دول وطنية، ورسم حدود، وظهرت إلى حيز الوجود كيانات سياسية معاصرة، واستدرك قائلا "يقينًا، فقد فُرض هذا النظام على المنطقة بواسطة القوى الاستعمارية، وهو لم يكن بأي حالٍ نظامًا مثاليًا، ولكن رغم كل ما اعتراه من عيوبٍ وثغرات، فقد استمر لما يقرب من مائة عام، حيث ترسخت هويات وطنية جديدة وتعزز وجودها بمرور الوقت. 
وتساءل "لماذا استمر النظام القائم في الشرق الأوسط طوال هذه الفترة؟، وأردف قائلا: "في ظني أن السر يكمن في الالتزام بمبادئ وستفاليا "السحرية" ؛ ألا وهي السيادة وعدم التدخل في الشئون الداخلية. 
وأضاف إننا عادة ما نعتبر هذه المبادئ أمرًا مفروغًا منه، ونتناسى مدى أهميتها لاستقرار النظم الإقليمية، ولا نُقر بأهمية هذه المبادئ فقط في حالة خرقها!.
وقال "ليس معنى ما سبق أن هذا النظام الإقليمي لم يتعرض لتحديات، فقد جرى توظيف القومية العربية من جانب بعض البلدان في عقودٍ سابقة من أجل تبرير مساعيها للسيطرة. 
وأشار إلى أنً التحالف الدولي ضد صدام حسين في 1991، والذي ضم الدول العربية الرئيسية، كان مثالًا كلاسيكيًا لاستعادة النظام والدفاع عن مبدأ أساسي من مبادئ وستفاليا وهو السيادة المتكافئة، حتى لأصغر الدول".
​واستدرك قائلا "فضلًا عما سبق، فإن "النظام الوستفالي" في الشرق الأوسط لم يعمل بصورة مثالية بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية.
وتابع " لقد تمثلت إحدى نتائج وستفاليا في أوروبا في البزوغ التدريجي لمبدأ حق تقرير المصير كصيغة مقبولة لتأسيس الدول. وبالنظر للشرق الأوسط، فإن معاناة الفلسطينيين، والفشل في تلبية طموحاتهم المشروعة بإقامة دولة مستقلة لهم، ظلت لوقت طويل مصدرًا للغضب والتوتر، ليس فقط في فلسطين ولكن بطول العالم العربي كله.
 وشدد على أن القضية الفلسطينية تُمثل سببًا جذريًا في البلاء الذي تعرضت له المنطقة خلال الأعوام الستين المُنصرمة، ذلك أنها خلقت شعورًا نفسيًا عميقًا بالظلم لدى العرب.
 وقال "وسوف تظل هذه القضية مصدرًا للمتاعب في المنطقة لسنواتٍ قادمة، ما لم يتم معالجتها بصورة عادلة وشاملة، مضيفا "وكلنا يعلم أن الطريق لتحقيق تلك الغاية هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المُستقلة".
​وأضاف "لقد شكل الإسلام السياسي تحديًا آخر للنظام. إن الجماعات الإسلامية كان يحركها شعور عميق بالإذلال على أيدي الغرب خلال الحقبة الاستعمارية، ووجد الإسلاميون تربة خصبة لتجنيد الشباب لأهدافهم المتطرفة وبهدف نشر أيديولوجيتهم الأصولية، كما استغل الإسلاميون كذلك الشعور السائد بالظلم الذي أفرزته مأساة الفلسطينيين. 
وأكد أن حرب الثلاثين عامًا في أوروبا (والتي انتهت بصُلح وستفاليا) تُعطينا درسًا بأن إشعال فتيل الأصولية الدينية يُمكن أن يصير استراتيجية فعّالة من أجل حشد الناس صالح أغراض سياسية، وقد كان الحل الذي طرحته "وستفاليا" لهذه المعضلة عبقريًا بحق، إذ إن القاعدة الذهبية التي تقول بأن "كل أمير له استقلالية في الشئون الدينية داخل إمارته" تعني الفصل بين الدين والسياسية في الشئون الدولية، كما تهيئ السبيل للتعايش بين أديان وطوائف مختلفة داخل الدولة الواحدة. 
وأشار إلى أن هذا المبدأ ظل يتراجع في الشرق الأوسط منذ هزيمة 1967، فضلًا عن أنه تآكل بصورة أكبر في أعقاب "الثورة الإسلامية" في إيران في 1979. إن المساعي الإيرانية لتصدير الثورة تعاظمت بصورة لافتة خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة، وساعدها في ذلك التخبط الهائل الذي طبع سياسة القوى الكبرى، وبالتحديد غزو العراق في عام 2003.
​وقال: إن السياسات الإيرانية لم تخلق الفجوة بين السنة والشيعة، فالخلافات العقائدية طالما كانت قائمة داخل الدين الإسلامي، غير أن السياسات الإيرانية استغلت هذه الخلافات وفاقمتها بهدف الدفع بمصالحها الخاصة ومن أجل تعزيز طموحاتها في الهيمنة. 
وأضاف إن حرب الثلاثين عامًا في أوروبا تُظهر لنا كيف أن الحروب داخل الدين الواحد ربما تكون الأكثر دموية وبشاعة، ذلك أنها غالبًا ما تمتزج بأجندات سياسية.
وأشار إلى أن المسائل العقدية والإيمانية لا تُمثِل بأي حالٍ جوهر الخلاف، بل السياسة والسعي للنفوذ هما ما يُشكلان السياق الذي تتحول فيه مسائل العقيدة إلى قنابل موقوتة.
​وقال " إنه إذا كانت إيران تظن أنها ممثلة للشيعة في كل مكان، فإن ذلك يعني أننا نعيش في عالم سابق على وستفاليا حيث تتشكل الولاءات وفقًا للانتماءات الطائفية والدينية، بدلًا من تلك الوطنية والعلمانية.
 وأضاف "كما نشهد اليوم في سوريا والعراق واليمن، فإن العالم الذي تحكمه هذه المبادئ هو عالم قبيح يقتل فيه الناس بعضهم البعض على الهوية والإيمان الديني، وعندما يواجَه الناس بمثل هذه التهديدات، فإنهم غالبًا ما يرتدون إلى هوياتهم الأولية، كما يسقطون فريسة سهلة لأكثر الخطابات تطرفًا وشرًا، وهذا بالتحديد هو ما أفرز لنا داعش وغيرها من المنظمات الإرهابية.
​وقال "إنني أطّلع من حين لآخر على بعض الأفكار لترتيبات جديدة في المنطقة، كتلك التي تتعلق بـ "السيادة المُقيدة"، أو بـ "الضامنين الخارجيين"، وإنني على يقين من أن أيًا من هذه الأطروحات لا يُمكن أن يحوز القبول لدى الشعوب والحكومات في العالم العربي.
وأشار إلى أن ذكريات الحِقبة الاستعمارية لم تُمحَ كُليًا، وطرح مثل هذه الأفكار لن يكون من شأنه سوى استحضار تجارب تاريخية سابقة عن المواجهة الطويلة بين العالمين الإسلامي والمسيحي. وبدلًا من أن تُقدم هذه الأفكار حلولًا، فإنها قد تستفز مشاعر الرفض لدى الشعوب العربية التي تعتز باستقلالها وسيادتها.
​ وقال إن المنطقة ليست بحاجةٍ إلى مبادئ جديدة أو حدود جديدة. والمشكلات الحالية – باستثناء القضية الفلسطينية التي تتوافر لها عناصر مختلفة ولم يعد من المقبول دوليًا استمرارها دون حلٍ عادل- ليس لها صلة كبيرة بالأرض والحدود. 
وأضاف إن المنطقة في حاجة إلى إعادة ترسيخ واحدٍ من أقدم المبادئ في النظام الدولي المعاصر؛ ألا وهو السيادة وعدم التدخل في الشئون الداخلية (وهذا كان بالتحديد جوهر وستفاليا).
وقال إن الحكم الرشيد يُشكِل الوصفة المناسبة للاستقرار على أن الغاية المنشودة ينبغي أن تتمثل في تعزيز الدول الوطنية الحديثة التي تحترم حقوق الإنسان وحكم القانون.