كانت الحركات الاحتجاجية بمثابة العامل المساعد الذى ساهم بدوره فى تحريك حالة الركود السياسى التى كان يشهدها الشارع المصرى، فمما لا شك فيه أن الحركات الاحتجاجية التى نشأت وأسست لحق التظاهر فى الشوارع، وأبرزها حركة «كفاية»، التى كان مؤسسوها خليطا من الشيوخ والكهول أصحاب الخبرات النضالية السابقة، بالإضافة إلى عناصر الشباب القادمين حديثًا إلى مجال العمل السياسى، فقد نشأت حركات شبابية خالصة أبرزها حركة شباب ٦ إبريل، التى وقفت إلى جانب إضراب عمال المحلة الكبرى.
غير أن النقد الاجتماعى العنيف والحركات الاحتجاجية الجماهيرية لم تكن هى فقط من أسباب اختمار الثورة، ولكن أضيف إليها الحركات المطلبية للموظفين والعمال، والذين قاموا باعتصامات علنية فى الشوارع المحيطة بمجلس الوزراء ومجلسي الشعب والشورى، حيث ارتفعت صيحات الجماهير المدوية ضد سياسات النظام.
وقد حدث الانشقاق السياسى فى السنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق «مبارك»، وقد عبرت عنه المظاهرات الجماهيرية والحركات الاحتجاجية السياسية، ومن أبرزها حركة «كفاية» الذى تجاسر أعضاؤها على النزول إلى الشوارع هاتفين «يسقط يسقط حسنى مبارك»، وكان ذلك فى الواقع إرهاصًا مبكرًا بثورة ٢٥ يناير.
والواقع أن تردى الأوضاع الاقتصادية لغالبية الشعب المصرى وبخاصة للطبقات الفقيرة والمتوسطة كان أحد أسباب التحام فئات الشعب المختلفة بالانتفاضة الثورية لشباب الثورة، مما حولها إلى ثورة شعبية فى الواقع. ومعنى ذلك أن الثورة نجحت فى مواجهة تحديات الدعوة للانتفاضة ضد النظام القديم، ونجحت أيضًا فى حشد الملايين فى القاهرة وغيرها من عواصم البلاد ليكونوا فى صف الثورة، مما أدى فى النهاية إلى إسقاط النظام، وذلك بإعلان الرئيس السابق تخليه عن السلطة فى ١١ فبراير ٢٠١١ وتسليمها للمجلس الأعلى للقوات المسلحة.
لحظة اندلاع الثورة
لا شك أن أحد العوامل الهامة التى ساعدت على قيام عصر العولمة هو الثورة الاتصالية الكبرى، والتى أبرز آلياتها البث التليفزيونى الفضائى الذى جعل البشرية جمعاء تعيش أحداث العالم السياسية والاقتصادية والثقافية فى الزمن الواقعى لها real time، مما ساعد على تخليق وعى عالمى أصبح أحد العوامل الهامة فى صياغة ثقافة كونية، أصبحت بقيمها الإنسانية تؤثر على اتجاهات وقيم وسلوك البشر فى كل مكان. وخصوصًا فى مجال خرق حقوق الشعوب وأبرزها قاطبة العدوان الإسرائيلى المستمر على الشعب الفلسطينى، ومعاداة العنصرية، والوقوف ضد الحرب باعتبارها وسيلة لحل المشكلات الدولية.
غير أن شبكة الإنترنت التى ترمز إلى قيام فضاء عام لأول مرة فى تاريخ الإنسانية هو «الفضاء المعلوماتى Cyber Space»، أحدثت انقلابًا فى الحياة الإنسانية المعاصرة. فقد استحدثت أدوات جديدة مثل البريد الإلكترونى والمدونات والفيس بوك والتويتر، والتى أصبحت جميعًا من الوسائل الفعالة فى الاتصالات بين بنى البشر، بالرغم من تعدد وتنوع الثقافات.
وأصبحت هذه الوسائل الحديثة فى الاتصال أدوات فعالة فى تبادل المعلومات وتداول الأفكار ونشر الدعوات الإيديولوجية، بل وحشد الجماهير بمئات الألوف وراء قضية مركزية واحدة.
ولعل ثورة ٢٥ يناير تعد النموذج الأمثل لفعالية الفيس بوك كآلية للتعبئة الثورية والحشد الجماهيرى، مما أدى- بعد التحام جماهير الشعب المصرى بكل فئاته بالثورة- إلى النجاح فى إسقاط النظام السياسى السلطوى المصرى، وإجبار الرئيس السابق محمد حسنى مبارك على التخلى عن منصبه.
وفى تقديرنا أنه يكمن فى الإنترنت أو ما يطلق عليه «مانويل كاستلز» أكبر منظر معاصر للفضاء المعلوماتى «مجتمع الشبكة»، تفسير لماذا ثورة ٢٥ يناير بغير قيادة.
وقد صاغ «كاستلز» نظرية متكاملة حاول أن يفسر بها القوانين التى تحكم مجتمع الشبكة.
وفى رأيه أنه تنتظم مجتمعاتنا على نحو متزايد حول التضاد بين قطبين رئيسيين: الشبكة والذات.
والشبكة هنا ترمز إلى التكوينات التنظيمية الجديدة التى تقوم على الاستخدام الواسع لوسائط الاتصال المشبكة، وخصوصًا من قبل الشركات عالية التنافسية، وأهم من ذلك من جانب الجماعات والحركات الاجتماعية.
وفى المقابل ترمز «الذات» إلى النشاطات التى يحاول الناس من خلالها أن يعيدوا التأكيد على هوياتهم السياسية أو الثقافية. وهذا يفسر طبيعة التفاعل بين آليات الاتصال المستحدثة «المدونات والفيس بوك والتويتر» والبشر الذين يستخدمونها لأغراض التعبئة الثورية، أو الحشد الجماهيرى كما حدث فى ثورة ٢٥ يناير.
ونصل بعد هذا العرض الوجيز لطبيعة التفاعلات فى الفضاء المعلوماتى إلى تفسير الحقيقة التى مؤداها أن ثورة ٢٥ يناير بلا قيادة.
ويكمن هذا التفسير فى أن التفاعل فى مجتمع شبكة الإنترنت أفقى وليس رأسيًا. بعبارة أخرى الشبكة لا رئيس لها، والمتعاملون فى رحابها لا يتلقون تعليمات أو توجيهات من أحد، كما أنهم- بشكل عام- لا يخضعون للرقابة المباشرة من قبل أى جهة. هم أحرار تمامًا يمارسون حريتهم فى التعبير عن أنفسهم، كما هو الحال فى المدونات والفيس بوك والتويتر.
eyassin@ahram.org.eg