التفاؤل شعور بالثقة وإحساس بالقدرة على صناعة المستقبل التفكك الحقيقى لأى مجتمع يحدث حين يفقد الفرد الثقة فى الأسرة منظومة الصحة بأكملها فيها نفس الخلل الرقابى الذى تعانى منه بقية المؤسسات الحكومية
تفاعل المواطن المصرى مع حزمة القرارات الاقتصادية التى اتخذتها الحكومة منذ أشهر، تفاعلًا إيجابيًا واضعًا ثقته فى الخطاب السياسى الشارح والمبرر لحتمية هذه القرارات، فقرر الصبر والتحمل والوقوف فى مواجهة الموجة التضخمية العاتية بصدر عارٍ تقريبا آملًا فى غد أفضل.
ومع الوقت انكشفت عورات الإدارات الرقابية داخل الوزارات والأجهزة المحلية، ما أشاع حالة من الغضب الصامت، لم يصل بعد إلى مستوى اليأس المطلق، ولا ينبغى أن يصل إلى هذه الدرجة. فهل من أدوات جديدة لصناعة الأمل فى مصر؟
الأمل والتفاؤل الجمعى هو شعور بالثقة وإحساس بالقدرة على صناعة المستقبل على نحو أفضل رغم عدم كفاية الإمكانات المطلوبة لتحقيق الأهداف المجتمعية. فى مقابل حالة اليأس والإحباط الجمعى التى تثير لدى الفرد والجماعة توقعات سلبية وأحيانا كارثية تجاه الذات والحاضر والمستقبل. ولا شك أن أى نظام سياسي، يضع على رأس أولوياته مهمة إشاعة حالة الأمل فى أركان المجتمع، عبر استراتيجيات ووسائل وبرامج ينبغى أن تكون واقعية ومنطقية لتحقيق هذه المهمة.
التفكك الحقيقى لأى مجتمع يحدث حين يفقد الفرد الثقة فى الأسرة التى يعيش فيها، أو الطبيب الذى يعالجه، أو المدرسة التى يتعلم فيها أبناؤه، أو حين يتسلط على الفرد جماعة دينية متزمتة أو ساسة يبيعون الوهم، أو اقتصاديون اعتادوا السلب والاستغلال.. إلخ. وحتى لا تمرض المجتمعات وتتفكك وربما تتحلل، فإن البلدان التى تعى خطورة اليأس والخوف من المستقبل، تعمل باستمرار على خلق أدوات جديدة لصناعة الأمل والتفاؤل الحقيقي، من خلال مراكز التفكير الاستراتيجى أو المستقبلي، توفر لها الإمكانات البشرية والمادية، وتتعامل الدول مع ما تنتجه هذه المراكز بالجدية والسرعة المطلوبة.
إذن فصناعة الأمل الحقيقى تحتاج إلى العلم والإبداع والإرادة والشفافية، التى تتيح لنا التعامل بكفاءة مع أربعة متغيرات: (١) الإمكانات المتاحة وحالة المؤسسات القائمة، (٢) المسارات أو الاستراتيجيات الممكنة. (٣) برامج تحقيق المسار الأفضل نحو المستقبل فى جميع المجالات. (٤) اختيار المناصب القيادية المناسبة لتحقيق الأهداف. ونتصور أن القيادة السياسية لم تتغلب حتى الآن على مشكلة اختيار المناصب القيادية خاصة على مستوى الوزراء والمحافظين، كما نتصور أن خطة مصر الاستراتيجية ٢٠٣٠، التى أقرتها الدولة واتخذتها طريقًا للعبور نحو المستقبل، تعانى من مشكلات عدة فى تقدير وقياس المتغيرات الثلاثة المذكورة، ولا يعنى ذلك فقدان الأمل، لكن تصحيح الخطة بات أمرًا حتميًا بناء على ما قدمه الكُتاب والمختصون من نقد لهذه الخطة خلال الفترة الماضية.
ومن المعلوم أن حزمة القرارات الاقتصادية التى اتخذتها الحكومة منذ أشهر، تمثل جزءًا أصيلًا من الخطة الاستراتيجية المذكورة، وقد تفاعل المواطن تفاعلًا إيجابيًا مع الخطاب السياسى الشارح والمبرر لحتمية هذه القرارات كما ذكرنا. لكن السؤال الكاشف الآن: هل قامت مؤسسات الدولة بدورها فى التعامل مع السياسات الاقتصادية الجديدة؟ والإجابة بالنفى شبه القاطع، باستثناء هيئة الرقابة الإدارية، فمن الواضح أن الأدوات الرقابية فى مؤسسات الدولة على المستويين الوزارى والمحلي، لم تباشر عملها بالكفاءة والنزاهة المطلوبة، ولم تجد القرارات الجديدة الغطاء الرقابى اللازم الذى يحول دون الانفلات المشهود حاليا. فالعديد من المشكلات أو الأزمات التى ترتبت على القرارات الاقتصادية الأخيرة، أظهرت خللًا مؤسسيًا عميقًا، لم يخفف من وطأته إلا التدخل السريع من الجيش المصري. لكن هذه الحلول المؤقتة لا تبنى الأوطان، ولا تصلح الخلل، ولا تصنع الأمل فى المستقبل.
الوظيفة الرقابية داخل المؤسسات الحكومية المصرية، تسير فى دورة بيروقراطية عقيمة، وتعانى من خلل لا بد من إصلاحه، وتعتمد إجراءات تصاحبها بلا مواربة صور شتى من المحسوبية والفساد. وهى بذلك تمثل إحدي أدوات صناعة اليأس والإحباط فى المجتمع. وليس مقبولًا أن يتحمل المواطن فاتورة القرارات الاقتصادية، مضافا إليها فاتورة جشع واستغلال أصحاب الذمم الخربة وغياب الرقابة الفاعلة. لا بد إذن من تغيير الذهنية الرقابية والبحث عن أدوات رقابية «انعكاسية» جديدة، بدلا من المسارات البيروقراطية التقليدية العقيمة. ونكتفى ببعض الأمثلة التى تكشف الحاجة الملحة لمباشرة العمل الرقابى الانعكاسي.
وفقا للإحصاءات الرسمية، فإن الفاقد من الطاقة الكهربائية نحو ١٧٥٠ ميجا وات. وحتى يستوعب القارئ غير المختص هذا الرقم، فهذا الفاقد يزيد علي إنتاج محطة توليد شبرا الخيمة بالكامل بنحو ٥٠٠ ميجا وات. بمعنى أن إنتاج هذا الحجم من الطاقة المفقودة يحتاج إلى استثمارات ضخمة، ويترتب عليه خسارة كبيرة تبلغ ستة مليارات جنيه سنويا، وفقا لآخر الإحصاءات. الأجهزة الرقابية بوزارة الكهرباء تحاول تقليل هذا الفاقد، بالأسلوب التقليدي، كحملات شرطة الكهرباء الدورية، والتعامل بجدية مع البلاغات الواردة من المواطنين عن سرقات التيار.
هذه الإجراءات التقليدية مطلوبة، ولكنها لن تحل مشكلة الفاقد الذى يزداد عامًا بعد الآخر. والأمر يحتاج إلى أدوات جديدة غير الحملات الدورية، وانتظار الإبلاغ عن حالات سرقة التيار، أسلوب انعكاسى جديد للتعامل مع الظاهرة، على أساس تقدير الطاقة المستهلكة الافتراضية، لكبار المستهلكين الذين يمثلون المصدر الحقيقى لفقد الطاقة، المصانع، نوادى الأفراح، ملاعب كرة القدم المضاءة، المولات والمحلات التجارية، هذا التقدير متاح ويمكن قياسه بنسبة خطأ لا تتجاوز ٥٪ فى أسوأ الأحوال، ثم تأتى الخطوة التالية، وتتمثل فى الفواتير التى يدفعها أصحاب هذه المنشآت فعليًا خلال فترة زمنية سابقة. وسيجد القائم على المراقبة بعد هذه العملية البسيطة أنه أمام أرقام وفجوات كبيرة فى بعض المنشآت، ثم يأتى دور الخطوة الحاسمة، بخضوع المنشآت المشكوك فيها للرقابة المستمرة، حتى يتم تحصيل مستحقات الدولة.
أدوات الإحصاء والرقابة فى مؤسسات تحصيل الضرائب بأنواعها، تحتاج إلى ذات الأدوات الانعكاسية الجديدة، بدلا من دورة المستندات العقيمة التى يتم على أساسها تقدير الضريبة، هل فكرت وزارة المالية فى أدوات جديدة لتقييم ناتج النشاط وعوائده، ومقارنته بالمبالغ التى يدفعها أصحاب هذه الأنشطة كضرائب فى فترة زمنية محددة؟. تغيير الأدوات سيكشف لنا أن الموظف الحكومى هو فقط من يدفع الضرائب المستحقة عليه بانتظام، بينما كبار الشركات، وكبار المحامين والأطباء والمهندسين، ومشاهير الإعلام والفن والرياضة، يتحايلون على الدورة البيروقراطية الضريبية العقيمة بكل أريحية، ما يفقد الدولة أموالا طائلة هى فى مسيس الحاجة إليها لتقليل العجز المالي، وضخ الدماء فى مشروعات التنمية المتنوعة.
الرقابة على الخدمات الصحية الحكومية، منظومة الصحة بأكملها فيها نفس الخلل الرقابى الذى تعانى منه بقية المؤسسات الحكومية، ونقتصر فقط على ذكر نوعين من هذا الخلل، المعامل وأجهزة الأشعة. فى كل مستشفى أميري، توجد معامل تحليل، مجهزة بالأدوات والكوادر البشرية من فنيين وأطباء، ولأن هؤلاء يعملون فى الخارج لحساب معامل التحليل الخاصة، فإن إهمال العمل بالمعامل، وتعطيل أجهزته عملية معتادة، بقصد إجبار المريض غير القادر على إجراء التحاليل خارج المستشفى. وبنفس الأسلوب، فإن أجهزة الأشعة بأنواعها فى المستشفيات الحكومية، والتى تمثل حلقة أساسية فى علاج المرضى، تتعرض للأعطال المستمرة.
نستطيع أن نستمر فى عرض الأمثلة من داخل المؤسسات والمصالح الحكومية إلى ما لا نهاية، ما يعنى أننا أمام ظاهرة ذات أبعاد وأسباب واحدة وطرق علاج متشابهة.
وخلاصة القول: إن قدرة الدولة على التخطيط الاستراتيجى طويل المدى، تمر أولًا عبر التعامل مع الإمكانات المتاحة، وتعظيم الاستفادة منها، ولا يمكن ذلك إلا بتغيير جذرى فى حالة المؤسسات المصرية، وبقاء الحال على ما هو عليه، يعنى نتيجة واحدة هى صناعة اليأس والإحباط فى المجتمع، مع الانتباه إلى أن دور الأجهزة الرقابية القومية، رغم أهميته، يبقى محدود الأثر، ما لم تتغير أدوات الرقابة على المستوى الوزارى والمحلي، هذا هو الرهان الإصلاحى الشامل، فهل نحن فاعلون؟.
تفاعل المواطن المصرى مع حزمة القرارات الاقتصادية التى اتخذتها الحكومة منذ أشهر، تفاعلًا إيجابيًا واضعًا ثقته فى الخطاب السياسى الشارح والمبرر لحتمية هذه القرارات، فقرر الصبر والتحمل والوقوف فى مواجهة الموجة التضخمية العاتية بصدر عارٍ تقريبا آملًا فى غد أفضل.
ومع الوقت انكشفت عورات الإدارات الرقابية داخل الوزارات والأجهزة المحلية، ما أشاع حالة من الغضب الصامت، لم يصل بعد إلى مستوى اليأس المطلق، ولا ينبغى أن يصل إلى هذه الدرجة. فهل من أدوات جديدة لصناعة الأمل فى مصر؟
الأمل والتفاؤل الجمعى هو شعور بالثقة وإحساس بالقدرة على صناعة المستقبل على نحو أفضل رغم عدم كفاية الإمكانات المطلوبة لتحقيق الأهداف المجتمعية. فى مقابل حالة اليأس والإحباط الجمعى التى تثير لدى الفرد والجماعة توقعات سلبية وأحيانا كارثية تجاه الذات والحاضر والمستقبل. ولا شك أن أى نظام سياسي، يضع على رأس أولوياته مهمة إشاعة حالة الأمل فى أركان المجتمع، عبر استراتيجيات ووسائل وبرامج ينبغى أن تكون واقعية ومنطقية لتحقيق هذه المهمة.
التفكك الحقيقى لأى مجتمع يحدث حين يفقد الفرد الثقة فى الأسرة التى يعيش فيها، أو الطبيب الذى يعالجه، أو المدرسة التى يتعلم فيها أبناؤه، أو حين يتسلط على الفرد جماعة دينية متزمتة أو ساسة يبيعون الوهم، أو اقتصاديون اعتادوا السلب والاستغلال.. إلخ. وحتى لا تمرض المجتمعات وتتفكك وربما تتحلل، فإن البلدان التى تعى خطورة اليأس والخوف من المستقبل، تعمل باستمرار على خلق أدوات جديدة لصناعة الأمل والتفاؤل الحقيقي، من خلال مراكز التفكير الاستراتيجى أو المستقبلي، توفر لها الإمكانات البشرية والمادية، وتتعامل الدول مع ما تنتجه هذه المراكز بالجدية والسرعة المطلوبة.
إذن فصناعة الأمل الحقيقى تحتاج إلى العلم والإبداع والإرادة والشفافية، التى تتيح لنا التعامل بكفاءة مع أربعة متغيرات: (١) الإمكانات المتاحة وحالة المؤسسات القائمة، (٢) المسارات أو الاستراتيجيات الممكنة. (٣) برامج تحقيق المسار الأفضل نحو المستقبل فى جميع المجالات. (٤) اختيار المناصب القيادية المناسبة لتحقيق الأهداف. ونتصور أن القيادة السياسية لم تتغلب حتى الآن على مشكلة اختيار المناصب القيادية خاصة على مستوى الوزراء والمحافظين، كما نتصور أن خطة مصر الاستراتيجية ٢٠٣٠، التى أقرتها الدولة واتخذتها طريقًا للعبور نحو المستقبل، تعانى من مشكلات عدة فى تقدير وقياس المتغيرات الثلاثة المذكورة، ولا يعنى ذلك فقدان الأمل، لكن تصحيح الخطة بات أمرًا حتميًا بناء على ما قدمه الكُتاب والمختصون من نقد لهذه الخطة خلال الفترة الماضية.
ومن المعلوم أن حزمة القرارات الاقتصادية التى اتخذتها الحكومة منذ أشهر، تمثل جزءًا أصيلًا من الخطة الاستراتيجية المذكورة، وقد تفاعل المواطن تفاعلًا إيجابيًا مع الخطاب السياسى الشارح والمبرر لحتمية هذه القرارات كما ذكرنا. لكن السؤال الكاشف الآن: هل قامت مؤسسات الدولة بدورها فى التعامل مع السياسات الاقتصادية الجديدة؟ والإجابة بالنفى شبه القاطع، باستثناء هيئة الرقابة الإدارية، فمن الواضح أن الأدوات الرقابية فى مؤسسات الدولة على المستويين الوزارى والمحلي، لم تباشر عملها بالكفاءة والنزاهة المطلوبة، ولم تجد القرارات الجديدة الغطاء الرقابى اللازم الذى يحول دون الانفلات المشهود حاليا. فالعديد من المشكلات أو الأزمات التى ترتبت على القرارات الاقتصادية الأخيرة، أظهرت خللًا مؤسسيًا عميقًا، لم يخفف من وطأته إلا التدخل السريع من الجيش المصري. لكن هذه الحلول المؤقتة لا تبنى الأوطان، ولا تصلح الخلل، ولا تصنع الأمل فى المستقبل.
الوظيفة الرقابية داخل المؤسسات الحكومية المصرية، تسير فى دورة بيروقراطية عقيمة، وتعانى من خلل لا بد من إصلاحه، وتعتمد إجراءات تصاحبها بلا مواربة صور شتى من المحسوبية والفساد. وهى بذلك تمثل إحدي أدوات صناعة اليأس والإحباط فى المجتمع. وليس مقبولًا أن يتحمل المواطن فاتورة القرارات الاقتصادية، مضافا إليها فاتورة جشع واستغلال أصحاب الذمم الخربة وغياب الرقابة الفاعلة. لا بد إذن من تغيير الذهنية الرقابية والبحث عن أدوات رقابية «انعكاسية» جديدة، بدلا من المسارات البيروقراطية التقليدية العقيمة. ونكتفى ببعض الأمثلة التى تكشف الحاجة الملحة لمباشرة العمل الرقابى الانعكاسي.
وفقا للإحصاءات الرسمية، فإن الفاقد من الطاقة الكهربائية نحو ١٧٥٠ ميجا وات. وحتى يستوعب القارئ غير المختص هذا الرقم، فهذا الفاقد يزيد علي إنتاج محطة توليد شبرا الخيمة بالكامل بنحو ٥٠٠ ميجا وات. بمعنى أن إنتاج هذا الحجم من الطاقة المفقودة يحتاج إلى استثمارات ضخمة، ويترتب عليه خسارة كبيرة تبلغ ستة مليارات جنيه سنويا، وفقا لآخر الإحصاءات. الأجهزة الرقابية بوزارة الكهرباء تحاول تقليل هذا الفاقد، بالأسلوب التقليدي، كحملات شرطة الكهرباء الدورية، والتعامل بجدية مع البلاغات الواردة من المواطنين عن سرقات التيار.
هذه الإجراءات التقليدية مطلوبة، ولكنها لن تحل مشكلة الفاقد الذى يزداد عامًا بعد الآخر. والأمر يحتاج إلى أدوات جديدة غير الحملات الدورية، وانتظار الإبلاغ عن حالات سرقة التيار، أسلوب انعكاسى جديد للتعامل مع الظاهرة، على أساس تقدير الطاقة المستهلكة الافتراضية، لكبار المستهلكين الذين يمثلون المصدر الحقيقى لفقد الطاقة، المصانع، نوادى الأفراح، ملاعب كرة القدم المضاءة، المولات والمحلات التجارية، هذا التقدير متاح ويمكن قياسه بنسبة خطأ لا تتجاوز ٥٪ فى أسوأ الأحوال، ثم تأتى الخطوة التالية، وتتمثل فى الفواتير التى يدفعها أصحاب هذه المنشآت فعليًا خلال فترة زمنية سابقة. وسيجد القائم على المراقبة بعد هذه العملية البسيطة أنه أمام أرقام وفجوات كبيرة فى بعض المنشآت، ثم يأتى دور الخطوة الحاسمة، بخضوع المنشآت المشكوك فيها للرقابة المستمرة، حتى يتم تحصيل مستحقات الدولة.
أدوات الإحصاء والرقابة فى مؤسسات تحصيل الضرائب بأنواعها، تحتاج إلى ذات الأدوات الانعكاسية الجديدة، بدلا من دورة المستندات العقيمة التى يتم على أساسها تقدير الضريبة، هل فكرت وزارة المالية فى أدوات جديدة لتقييم ناتج النشاط وعوائده، ومقارنته بالمبالغ التى يدفعها أصحاب هذه الأنشطة كضرائب فى فترة زمنية محددة؟. تغيير الأدوات سيكشف لنا أن الموظف الحكومى هو فقط من يدفع الضرائب المستحقة عليه بانتظام، بينما كبار الشركات، وكبار المحامين والأطباء والمهندسين، ومشاهير الإعلام والفن والرياضة، يتحايلون على الدورة البيروقراطية الضريبية العقيمة بكل أريحية، ما يفقد الدولة أموالا طائلة هى فى مسيس الحاجة إليها لتقليل العجز المالي، وضخ الدماء فى مشروعات التنمية المتنوعة.
الرقابة على الخدمات الصحية الحكومية، منظومة الصحة بأكملها فيها نفس الخلل الرقابى الذى تعانى منه بقية المؤسسات الحكومية، ونقتصر فقط على ذكر نوعين من هذا الخلل، المعامل وأجهزة الأشعة. فى كل مستشفى أميري، توجد معامل تحليل، مجهزة بالأدوات والكوادر البشرية من فنيين وأطباء، ولأن هؤلاء يعملون فى الخارج لحساب معامل التحليل الخاصة، فإن إهمال العمل بالمعامل، وتعطيل أجهزته عملية معتادة، بقصد إجبار المريض غير القادر على إجراء التحاليل خارج المستشفى. وبنفس الأسلوب، فإن أجهزة الأشعة بأنواعها فى المستشفيات الحكومية، والتى تمثل حلقة أساسية فى علاج المرضى، تتعرض للأعطال المستمرة.
نستطيع أن نستمر فى عرض الأمثلة من داخل المؤسسات والمصالح الحكومية إلى ما لا نهاية، ما يعنى أننا أمام ظاهرة ذات أبعاد وأسباب واحدة وطرق علاج متشابهة.
وخلاصة القول: إن قدرة الدولة على التخطيط الاستراتيجى طويل المدى، تمر أولًا عبر التعامل مع الإمكانات المتاحة، وتعظيم الاستفادة منها، ولا يمكن ذلك إلا بتغيير جذرى فى حالة المؤسسات المصرية، وبقاء الحال على ما هو عليه، يعنى نتيجة واحدة هى صناعة اليأس والإحباط فى المجتمع، مع الانتباه إلى أن دور الأجهزة الرقابية القومية، رغم أهميته، يبقى محدود الأثر، ما لم تتغير أدوات الرقابة على المستوى الوزارى والمحلي، هذا هو الرهان الإصلاحى الشامل، فهل نحن فاعلون؟.