فتِّش عن معدل النمو إذا أردتَ أن تطمئن على الأداء الاقتصادي. على كل حال بوادر أمل طرأت على الساحة بعد تحرك مؤشره مؤخرًا وقفز نسبته إلى 3.4% مع توصيات من جانب خبراء اقتصاديين بأن إصدار قانون الاستثمار وتشجيع الاستثمار الأجنبى وتعديل السياسات الاقتصادية وفتح المصانع المغلقة، ترفع معدلاته.
وأكدت تقارير صادرة عن وزارة التخطيط أن معدل النمو الاقتصادى بلغ 3.4%، وأن هناك تحسنًا فى النمو، وأن أعلى قطاعين حققا نموًّا هما: قطاع الاتصالات بلغ 11.2%، والتشييد والبناء بنسبة 8.2%، إضافة إلى نمو بالسالب فى قطاع السياحة بنسبة 37% أثَّر بالسلب على ميزان المدفوعات، وأن هناك انخفاضًا واضحًا فى الواردات بلغ 13.9 مليار دولار.
في المقابل تصريحات متناقضة من جانب وزير المالية عمرو الجارحى، ذكر فى تصريح، نهاية ديسمبر الماضي، أن مصر تستهدف رفع معدلات النمو الاقتصادي إلى 5%، وخفض معدلات البطالة إلى 11.5% فى العام المالي الجديد 2017، إلا أنه عاد وصرَّح في يناير الماضي أنه يتوقع قفز معدل النمو إلى 4% خلال العام الحالي.
على عكس تقرير مهم لـ"المرصد الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، إحدى الجهات التابعة للبنك الدولي، أكد تراجع النمو في مصر إلى 3.3% خلال العام المالي 2016 بسبب نقص النقد الأجنبي الذي قيّد الإنتاج، رغم أنه كان 4.2% خلال السنة المالية 2015 نتيجة استعادة الاستقرار، وتحسُّن الثقة، ومرونة الاستهلاك الخاص، والاستثمارات العامة للحكومة التي بدأت تجتذب الاستثمارات الخاصة.
هنا يقول الدكتور هاني الشامي، أستاذ الاقتصاد فى جامعة طنطا: إن انخفاض معدل النمو الاقتصادي يرجع لأسبابٍ كثيرة، أهمُّها انخفاض حجم الإنتاج المحلي الإجمالي، وهو عبارة عن قيمة السلع والخدمات التى تنتج خلال العام، والنمو فيها ليس بالقدر المطلوب، كما أن هناك عددًا كبيرًا من المصانع توقَّف عن الإنتاج، والاستثمار الأجنبى المباشر فى مصر انخفض لمعدلات متدنية جدًّا الفترة الأخيرة، فبعد 2011 لم تكن هناك أي استثمارات، وفى الفترة الأخيرة بدأت الاستثمارات لكن النمو فيها قليل، مضيفًا أن الاستثمار المحلي مرتبط بالمشروعات القائمة أو المشروعات الجديدة، وهناك مشروعات أغلقت، والجديدة انخفضت جدًّا نتيجة طبيعية يترتب عليها أن معدل النمو سيقلُّ.
وأضاف الشامي أن معدل النمو عام 2010 وصل إلى 8%، وهى أعلى معدلات نمو تحققت في مصر، مؤكدًا أن معدل النمو الحالى بمصر ما بين 2 و3% على أقصى تقدير، موضحًا أنه لزيادة معدل النمو الاقتصادى لا بد من معالجة الأسباب التى أدّت لانخفاضه، ومنها تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر؛ لأنه هو الذى يزيد الإنتاج، بالإضافة إلى مساعدة الشركات التى أفلست طوال السنوات الماضية وأغلقت نشاطها؛ لأنه ليس معقولًا طلب مستثمرين جدد، ولدينا مستثمرون أفلسوا وأغلقوا مصانعهم، فلدينا شركة مصر للغزل والنسيج متوقفة، وهى تابعة للقطاع العام وغيرها من الشركات الحكومية والخاصة لزيادة معدل النمو، وهذا سيَحلّ مشكلة البطالة فى الوقت نفسه، والإنفاق على الصحة والتعليم أيضًا منه.
بينما أكد الدكتور جمال صيام، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن معدل النمو الحالى لا يزيد على 2.5%، موضحًا أن أبرز أسباب انخفاض معدل النمو الاقتصادى نقص الاستثمار والتقدم التكنولوجي، فلدينا مشكلة كبيرة فى الاستثمار، ولدينا سياسات انكماشية، وارتفاع معدل الفائدة فى البنوك حتى وصل من 16% إلى 20%، وهذا معوِّق أيضًا للاستثمار، ما أدى لحالة ركود، وليس هناك طلب على السلع نتيجة انخفاض الدخول الحقيقية، ونحن الآن أمام مُعضلتي الركود والتضخم فى الوقت نفسه.
وأضاف صيام أن آخِر رقم رسمي أعلن عن الاستثمارات الأجنبية كان فوق الواحد مليار دولار بقليل، وهو رقمٌ هزيل، كما أن مصادر النمو غير موجودة، والسياسات متناقضة مع بعضها فنحن نريد تشجيع الاستثمار، وفى الوقت نفسع نعوق النمو بسياسات اقتصادية خاطئة، موضحًا أن التقدم التكنولوجي موجود بنسبة ضعيفة، ونسبته المخصَّصة فى الدستور لا تُنفَّذ على أرض الواقع، مؤكدًا أن الاقتصاد يسير حاليًّا بالدفع الذاتي، ولا توجد محرِّكات قاطرة النمو، إضافة إلى وجود أجنحة سقطت منا وهي قطاع السياحة، مضيفًا أن السياسات الاقتصادية الحالية معوِّقة للنمو، وأن قطاعي الزراعة والصناعة الرؤية غير واضحة فيهما، إضافة إلى وجود مصانع كثيرة مغلقة، مؤكدًا أن حركة الاقتصاد تسير فى الاتجاه غير الصحيح.
ورأى أحمد الدريملى، القيادي البارز بـ"المصريين الأحرار"، أن زيادة معدل النمو تحتاج وبسرعة لإصدار قانون الاستثمار ولائحته التنفيذية، وتقديم تسهيلات وتعزيزات للمستثمرين؛ لطمأنتهم حتى يبدءوا العمل والإنتاج، إضافة إلى تشغيل المصانع المتوقفة والوقوف بجانب المستثمرين الخاسرين بعد الأزمة الاقتصادية بسبب تحرير سعر الصرف وتأثرهم بشدة.
وأضاف الدريملى أنه على الحكومة المعدلة سرعة إصدار قانون العمل الذى يخدم وينظم العمالة فى القطاع الخاص، والذى يُعَدّ همزة الوصل بين العامل والمستثمر، مؤكدًا أن سعي الحكومة لتعديل السياسات الاقتصادية يسهم كثيرًا فى زيادة معدل النمو وجذب الاستثمار الأجنبي والذى يؤدي للقضاء على البطالة بالتأكيد.
ورأى محمد أبو الفتوح نعمة الله، مدير مركز وادي النيل للدراسات الاستراتيجية، أن الحكومة أهملت التحرك الصحيح نحو النمو والاقتصاد الصحيح، ولم تتحرك إلا لطرح حلول مالية ومصرفية قاصرة، بدلًا من السعى لتطوير الصناعة المحلية ووسائل وآليات الإنتاج والتمويل وإقرار سياسات اقتصادية فاعلة، سواء للإحلال محل الواردات، أو لتشجيع وتطوير الصناعات التصديرية، ولم نجد أي سياسة حكومية لتشجيع المشروعات الصغيرة أو الإنتاج المحلي رغم أن المشتريات الحكومية ضخمة، وأن إعطاء مزايا تفضيلية ضريبية وجمركية للبديل المحلي هي إجراءات من صميم السياسات الحكومية والاقتصادية فى مختلف دول العالم، ورغم أن ذلك كان أحد الحلول العاجلة للتخفيف من حدة قرارات تخفيض سعر الصرف لكن الحكومة لم تطبق أيَّا من ذلك ولا أي سياسات أخرى للحد من آثار التضخم الذى يخشى أن يصير جامحًا خلال الشهور المقبلة.
وأضاف نعمة الله أن الحكومة لم تضع أي سياسات حقيقية فعّالة لزيادة الإنتاج المحلي، والإحلال محلّ الواردات بدلًا من ضغط الاستهلاك واتباع سياسات انكماشية حادة ولم تراعِ ما حذَّرنا منه من انخفاض المرونة الإنتاجية فى الاقتصاد المصري، ولم تسعَ لفرض رقابة حقيقية فعّالة على الأسواق وفرض منظومة شاملة لمكافحة الفساد، فنجد الكثير من سياسات الإصلاح تم تفريغها من مضمونها فقروض تطوير المشروعات الصغيرة من احتياطي البنوك بفائدة 5% تُمنح لكبار التجار لتُوضَع كودائعَ بالبنوك ليستفيدوا من فارق الفائدة، وهناك مشروعات قومية تُطرح دون دراسة كافية وتعاني تهديد استمرارها ونجد محاذير مستقبلية فى مشروعات أخرى لم تُؤخذ فى الحسبان رغم أنها تهدد اقتصادات تلك المشروعات، وقد تؤدي لخسائر فادحة وتمثل استنزافًا لموارد نادرة، ولا شك أن كل ذلك يؤدى لتفاقم وزيادة معاناة المصريين، فى الوقت الذي يعاني القطاع الإنتاجي مشاكل جامعة تهدد بتقلُّص الإنتاج المحلي وانكماش الاقتصاد الحقيقي وزيادة معدلات ارتفاع الأسعار؛ لنقص المعروض والمخزون السلعي.
وتابع نعمة الله أن زراعة شواطئ البحيرات الشمالية يمكن أن توفر خلال شهور إنتاجًا يُغنينا عن زراعة 4 ملايين فدان من الأراضى القديمة التى تُستخدم لزراعة محاصيل الأعلاف والمحاصيل الزيتية، ولدينا محاصيل تحتوى بذورها على نحو 30% من الزيوت، ونحو 20% من السكر، وبها أكثر من 40% من الكربوهيدرات، وتصل إنتاجية الفدان منها لما يزيد على 6 أطنان من البذور، بخلاف الأعلاف الخضراء، وباستخدام مياه البحر، مضيفًا أن لدينا محاصيل يمكن أن تحقق اكتفاءً ذاتيًّا من كل المجموعات السلعية الرئيسية، وباستخدام مياه البحر دون تحلية، كذلك لدينا عشرات المحاصيل الاقتصادية والإستراتيجية التى يمكن زراعتها فى الأراضى القديمة لتضاعف إنتاجية القطاع الزراعي بمصر وتحويلها لإنتاج محاصيل تصديرية واقتصادية أكثر عائدًا ومردودًا، ولدينا عشرات المحاصيل غير المعروفة فى مصر، والتى يمكن أن تحقق طفرة فى القطاع الزراعي بمصر وتسهم فى تطويرها اقتصاديًّا وإدخال صناعات جديدة تطور الاقتصاد المصري.