الأربعاء 04 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

اعتذار واجب للوزير الفنان فاروق حسني!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا أدرى ما إذا كانت طباعنا نحن المصريين هى المسئول الأول عن غياب الحقيقة لفترات طويلة فى كثير من الأمور، ولا تتكشف إلا عندما يأتى الزمن بظروف وأشخاص وأحداث مناقضة، حتى نتبين جهلنا وعشقنا اللامحدود للتشويش والإثارة والانسياق وراء الشعارات الجوفاء.
ولا فرق فى هذه الحالة بين شخص عادى من أحاد الناس، ومثقف أو عالم أو صحفى، كلنا يعشق ما يُسمى بلغة الصحافة «التسخين»، دون أن نفكر للحظة فى مدى صدق نوايا المسخناتى.
٦ سنوات مضت على مغادرة الفنان فاروق حسنى منصب وزير الثقافة، لنكتشف جميعًا حجم ما كان يقوم به من إنجاز، كمًا وكيفًا، على مستوى قطاعات الوزارة المختلفة، ولندرك أنه كان يتحرك كوزير ومسئول فى الدولة بحسه الفنى الرقيق والراقى، على الأقل هذا ما تكشف بالنسبة لى ولكثيرين غيرى.
لكنها تسعة عشر عامًا كاملة مضت حتى يتضح لى كذب وافتراء ما نشرته ضد هذا الفنان الكبير، فقط لأننى اكتفيت بما حصلت عليه من مستندات ووثائق تدعمها آراء أساتذة بكلية الآثار ومسئولين داخل الهيئة، ولم أكلف نفسى عناء بضع خطوات إلى شارع شجرة الدر بحى الزمالك، حيث مقر الوزارة لأسأل، ولو سكرتير المكتب الإعلامى، عن حقيقة مشروع فندق باب العزب بالقلعة، ومدى صدق ما لدىّ من أوراق، تشير إلى أنه سيقوم ببناء فندق سياحى بمنطقة باب العزب الأثرية!
ما نشرته لم يكن مجرد كذب وافتراء، وإنما جريمة فى حق القارئ ومستقبل الآثار والسياحة والثقافة، قبل أن يكون جريمة تشويه فى حق الوزير الفنان فاروق حسنى.
لم أكن وحدى فى تلك الحملة؛ فمعظم الصحفيين فى صحف المعارضة حصلوا على نفس المستندات، وشارك فيها مثقفون كبار ممن يُشار إليهم بالبنان، بخلاف الباحثين فى كلية الآثار. كنت فى منتصف العشرينيات، وتلك الأسماء الكبيرة كان بريق لمعانها يشكل غشاوة على عقلى، إذ كيف أجرؤ على مجرد التفكير فى التحقق من معلومة بناء فندق سياحى داخل منطقة أثرية، يؤكدها باحثون يسمون علماء، أو كتاب وأدباء ذكرهم ملئ السمع والأبصار.
النتيجة النهائية انتصارنا بعد صدور حكم المحكمة الإدارية العليا بوقف تنفيذ المشروع، أو هكذا تصورنا.
الوثائق كانت تشير بالفعل إلى وجود فندق فى مشروع تطوير باب العزب وسوقه. صوره المغرضون كمشروع لبناء وتشييد فندق سياحى جديد، سيؤدى إلى تشويه المنطقة، بل وتهديد بقائها، ونجحت أقلام الكبار فى التشويش على الحقيقة التى علمتها قبل أسابيع، وهي أن الفندق كان سيتم تجهيزه داخل مبنى أثرى بالمنطقة كان مخصصًا لمبيت الجنود؛ حيث ستتم تهيئته ليصبح جاهزًا لاستقبال السياح والراغبين فى قضاء ليلة فى أحضان التاريخ القديم، وأن الأمر لا يتعلق ببناء حديث، علاوة على خلق منطقة سياحية تراثية مشابهة لخان الخليلى، وكل ذلك لم يكن سيكلف الدولة أكثر من ٢ إلى ٣ ملايين جنيه لاستثمار بهاء وعظمة أثر بحجم القلعة، ليس فقط للترويج السياحى، وإنما لتسويق مصر ثقافيًا وحضاريًا.
بالمناسبة، معظم الدول الأوروبية تقوم بإعادة تهيئة بعض القصور والمبانى الأثرية القديمة لتكون فنادق يرتادها السياح الذين يهوون التقاط لحظات من الماضى بقضاء ليلة فى مثل تلك الأماكن.
لو أرادت وزارة الآثار اليوم تنفيذ ذات المشروع بمنطقة باب العزب فسيكلفها أكثر من ١٠٠ مليون جنيه، وذلك حتى ينقل محرك البحث «جوجل» الحديث عن باب العزب من مستوى أنه مرتع للمجرمين والباحثين عن مكان مهجور لتعاطى المخدرات وقضاء حاجتهم إلى مستوى المناطق الأثرية المحترمة التى يفخر بها كل مصرى.
من يعمل كثيرًا يخطئ كثيرًا لكن أخطاءه تظل صغيرة ويمكن تداركها، غير أن المغرض والفاسد لا يلبث أن يلتقط خطأ ليصنع منه خطيئة، والوزير الفنان فاروق حسنى كان كثير العمل والإنجاز، ومبادراته لم تكن تتوقف، وهذه السطور أعجز من أن توفيه حقه فى الاعتذار الواجب، لكنها تبقى مجرد محاولة للتذكرة بأخطاء فى حق القارئ، وأننى لست سوى خادم فى بلاط صاحبة الجلالة، مهمته البحث عن الخبر الصحيح عند كل أطرافه، فنحن لسنا خدامًا سوى لقارئنا ولو كان شخصًا واحدًا.