رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مثقفون وهميون وحكومة على البركة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حكومتنا الرشيدة تبدو تائهة أمام فيضان المشاكل التى تحيطها، فلا تستطيع إلا إعطاء المسكنات وممارسة السكات عن إعلان الحقائق أمام الشعب، وليس أمامهم إلا مصارحة أنفسهم ثم الشعب بكل الظروف والمعوقات، مهما كانت درجة إيلام الحقيقة، وعليهم أن يعلموا أن بداية العلاج فى تشخيص المرض، وهو فقدان «الثقافة»، فكل ما نعيشه ونتنفسه «ثقافة، صحة، زراعة، صناعة، تجارة، اقتصاد». حتى الأحوال الاجتماعية، والدينية، والانتماء والدفاع عن الوطن»، فمن الذى تعتمد عليه الدولة للقيام بهذا الدور؟ هل هناك مثقفون تعول عليهم الحكومة وتحملهم مسئولية التوعية، أم تترك الأمر للمثقفين أنفسهم؟ ومن هم المثقفون؟ فلم نعد نرى إلا فئة محدودة لا نسمع لهم صوتًا إلا عندما تهتز مصالحهم، أو عند تغيير وزير الثقافة، هل رأينا محاولاتهم الأخذ بأيدينا فى تصحيح المفاهيم وعلاج المشكلات التى تهدد أمننا القومى؟ هل كتب أحدهم قصة فيلم مثل «أفواه وأرانب»، للمساهمة فى حل قضية الانفجار السكانى، والذى يلتهم أى محاولة للتنمية أو توفير الاحتياجات الضرورية من صحة وتعليم وفرص عمل؟ هل اهتم السينمائيون بصناعة أفلام تجعل شبابنا ينأون عن رمى أنفسهم فى التهلكة بالهجرة غير الشرعية، وتنوير عقول الحالمين بها وتوعيتهم بخطورة وبشاعة ما يتعرضون له من تجارة أعضاء بشرية إلى اعتداءات جسدية تمس الشرف والكرامة أو افتقاد المأوى الآمن ودفء الأسرة وطعم الوطن وحمايته؟ أو فيلم يصور الأم التى تضحى بأمومتها وترمى ابنًا فى العاشرة من عمره فى بحر المجهول، وهى تعلم أن نسبة النجاة والنجاح ضئيلة، ولكن الطمع فى شراء أرض وبناء بيت يحول قلب الأم الملهوف إلى حجر صوان، فتبيع ما تملك وتستدين لتضيع المال والضنا، هل تلك الصورة البشعة لا تحفزهم على تصويرها بجوار صورة العملاق محمود المليجى وهو يجسد شخصية محمد أبوسويلم فى فيلم الأرض، قصة عبدالرحمن الشرقاوى، وهو يعانى الجوع والحرمان ويناضل من أجل أرضه ويموت مسحولًا وهو يتشبث بتلابيب أرضه ليعلمنا حب الانتماء إلى تراب أرضنا، أين المثقفون من قضية البطالة وغرس حب العمل وإعلاء قيمته بالحكى عن النماذج العظيمة فى بلدنا، ومعظمهم من الطبقات الكادحة أبناء العمال والفلاحين لنرى صور الكفاح والنضال حتى الوصول إلى القمة والارتياح؟ أين هم من السعى لعودة الأخلاق الحميدة، وتعليم الحوار، ولغته، والجوار ودفئه، ونبذ العنف والظواهر السلبية التى ظهرت فى السنوات الأخيرة، كالظاهرة المخجلة لفظًا وفعلًا «التحرش»، أين المثقفون من صناعة الفن؟ وأين الحكومة من تجاهل أهميته؟ هل توقف الإبداع؟ وهل عقمت مصر عن إنجاب مبدعين حقيقيين فى سنواتنا الأخيرة؟ فلا أفلام سينمائية جادة ترتقى بالمجتمع وتظهر مواطن الجمال، وتأخذ بيد الأميين كوسيلة سريعة للثقافة والمعرفة، جعلوا أعيننا وآذاننا تعتاد على القبح وتسللت الشتائم والألفاظ البذيئة من أفلامهم عبر شاشاتنا على القنوات المختلفة، وبالمثل المسرح الذى أصبح أغلب ما يقدم من خلاله أقرب إلى دور مهرجى السيرك، حتى القليل الجيد الذى تقدمه مسارح الدولة بلا دعاية أو إبهار، وبالمثل الفن التشكيلى وكارثة المثالين الذين رزقنا بهم، لنرى العجب العجاب فى تماثيلهم التى من المفترض أنها لتمجيد شخصيات عظيمة كأم كلثوم وزويل وأحمد عرابى وغيرهم، أين المثقفون فى جميع المجالات؟ لم نعد نرى إلا بعض المثقفين على الشاشات فى وصلات تطاول وحقد وغل وتحريض، لا احترام لقوانين أو أحكام ولا تحقيق سلام اجتماعى، كل يريد القبض على الميكروفون والاهتمام فقط بعبارة «ما تقاطعنيش.. الكلام معايا»، علينا أن نواجه أنفسنا أن ما حدث فى البلدان العربية من محاسبات ومحاكمات للحكام، كان ينبغى أن تكون لحاملى شعلة الثقافة والتنوير، فهم سبب كل ما نحن فيه، لم يفطنوا إلى المؤامرات الخارجية، فبأيديهم ضربوا الاقتصاد المصرى بحملات جنون البقر، وإنفلونزا الطيور، والخنازير، حتى دمرت الثروة الحيوانية من مواشٍ وخنازير وطيور، فأصبح الفقر ينهش الفقراء الذين كانوا يعتمدون على تربية الطيور فى منازلهم لتوفير متطلباتهم من لحم الطيور والبيض، كذلك الفلاحين كان اعتمادهم على تربية المواشى التى تحقق لهم ربحًا إلى جانب ما توفره من اللحوم والألبان والزبد والجبن، ولكن الحملات الإعلامية من مثقفى الأمة أجهضت حلم هؤلاء مقابل ضرب الحكومات وإسقاطها، فأصبحنا فريسة فى يد الأعداء، والآن لا نسمع عن تلك الحملات، فقد حققت المطلوب، وهم من ساند الإخوان وصدروهم لنا، باعتبارهم مضطهدون وشرفاء وعلماء، حتى أصبنا بهم، وكادت تضيع بلدنا وزادوا فى التضليل لتبرئة أنفسهم باتهام الدولة أنها كانت تهادنهم وتمنحهم الفرص وليسوا هم من فرضوهم على الدولة وعلينا، يسخرون المواقف طبقا لمصالحهم، ولا يواجهون الفساد إلا إذا تعارض مع مصالحهم، ومع ذلك تخشاهم الدولة لأنهم أصحاب الصوت العالى، فتهادنهم حتى تأمن شرهم لنجدهم يحاصروننا على الشاشات، حتى أصبحنا لا نستمع إلى المثقفين وأصحاب العلم الحقيقيين إلا فيما ندر، وما زال المثقفون الوهميون هم من يسيطرون على المشهد ولا حرف يكتب ولا مشهد عابر نراه إلا حسب الهوى، حتى كدنا أن نصبح أمة ضيعها الهوى.