منذ أيام قليلة، وتحديدًا أثناء الاحتفال بعيد الشرطة، طالب الرئيس عبد الفتاح السيسي، بعدم وقوع الطلاق الشفوي، وذلك لحفظ حق الزوجة، وصون كرامتها، فضلًا عن الحفاظ على ترابط الأسر المصرية من التفكك.
ودار حوار بين الرئيس والإمام الأكبر "الشيخ أحمد الطيب"، بشأن هذا الأمر، وسمع الجموع من الجماهير كلمة الرئيس: "تعبتني معاك يا فضيلة الشيخ".
وبعدها ثار جدل كبير، وقوبلت الدعوى بهجوم شديد، فضلًا عن تراشق الآراء، واحتدام الآراء، بعيدًا عن الهدف المنشود، وهو الحرص على استقرار الأسرة المصرية، وظهر انقسام الرأي جليًا بين مؤيد ومعارض، إذ قال بعض رجال الدين: "ما أُخذ بوثيقة لا يُرد إلا بوثيقة"، في حين قال البعض الآخر: "هذا الأمر لا يصح فيه الاجتهاد".
وقالت "مروة.م.ط"، وتبلغ من العمر 37 عامًا، أنها تزوجت منذ 9 سنوات، بموجب عقد زواج شرعي، وأنجبت 4 أطفال، وحدث وأن طلقها زوجها 3 طلقات خلال عام واحد، لتصبح بذلك "أجنبية" عنه، ولأنها لم ترغب الزواج بزوج غيره، لم تهتم بتوثيق الطلاق بأوراق رسمية على يد مأذون، وبمحكمة الأسرة، واكتفت بأن تفارق زوجها وتعود لمنزل أبيها، منذ 3 أعوام، لتفاجئ بدعوى الرئيس عبد الفتاح السيسي بأن "الطلاق الشفهي لا يقع إلا بوثيقة"، وعلى إثره أسرعت هي وطليقها، والسعادة تملأ قلبيهما، متوجهان للجنة الفتوى، لتأخذ الصك الديني بأن عودتها لزوجها حلالًا مباركًا، إلا أن الشيخ قال للزوج: "طالما أوقعت يمين الطلاق بنية الطلاق فهي طالق، ولا تجوز المعاشرة بينكما"، فأصبحا في حيرة من أمرهما.
من ناحيته، قال الدكتور "سعيد صادق"، أستاذ علم الاجتماع، إن الحرص على صلاحية الطلاق الشفهي، يعود للتمسك بالمنهج السلفي، منذ عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكن يختلف الأمر في التوقيت الحالي، عن عهد السلف السابق، حيث إننا نعيش بــ عصر مدني، وكما نوثق شراء العقارات والسيارات لحفظ الحقوق المدنية، علينا حفظ الحقوق للمرأة والأطفال في حالات النسب، قائلًا إن التمسك بشرعية الطلاق الشفهي، يُعتبر "فكر ذكوري أبوي"، مغطى بالدين.
وتابع أن الرجل يستخدم صيغة الطلاق "عليا الطلاق، هتكوني طالق لو....." لقمع المرأة، ولذلك يجب توثيق الطلاق كما يوثق الزواج، متسائلًا: "لماذا لا نعترف بالزواج العرفي غير موثق، ونعترف بالطلاق الشفوي؟".
وقال "صادق" إن الأزهر لا يتبع منهج الاجتهاد والتغيير، وفق مستجدات العصر الحديث، حيث يعتبر العصر المدني الدولة "دولة مستندات".
وأكمل: خير مثال، الدول الإسلامية إندونسيا، والجزائر، وبنجلاديش، وتركيا، والمغرب، ففي هذه الدول الطلاق والزواج لا يُعتد به، إلا من خلال وثيقة.
وقال "الشيخ محمد أبو المعاطي"، عضو لجنة الفتوى: إن ما أُخذ بوثيقة، لا يُرد إلا بوثيقة، أي كما تزوجت المرأة بعقد مكتوب، يجب أن تُطلق بعقد مكتوب، متابعًا: "ونحن في عهد خربت فيه الذمم، فكان لابد من التوثيق، حيث لاحظنا انتشار قضايا النسب بالمحاكم، وضياع حقوق الأطفال".
فيما قالت الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، إن الهدف الأول وراء "وضع ضوابط للطلاق الشفهي"، هو السعي لوضع الأسرة في دائرة الحلال، وصون كرامة المرأة، حيث جعل الله للرجل رخصة مرتين، كما قال الحق: "الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ"، ووضع الرجل في دائرة الانضباط، والذي بيده "عقدة النكاح"، وهذا بطريقة تتوازن مع تراثنا الإسلامي.
وتابعت: "لكن من المؤسف القضية خرجت عن مسارها المنشود، وبدلًا من البحث والاجتهاد، ضاع الهدف النبيل الذي نسعى إليه، بتحقيق أسرة مستقرة، تعيش بالحلال، لتتحول لمعركة حادة وتراشق بالآراء".
وأشارت إلى لومها الشديد للمرأة، حيث "رخصت نفسها"، وتركت المساحة مفتوحة أمام الرجل ليطلقها ويسترجعها وقتما رغب، دون التقيد بالدين الحنيف، وهو لم يكن كريمًا ولا أبيًا، ولو علم الزوج أنها تحرص على أن تحيا في كنف الحلال، وفي رضاء الله، لمسك لسانه وتحكم في انفعالاته.
وطالبت "نصير" المؤسسة الدينية بعلاج السبب وليس العرض، وذلك من خلال تنظيم محاضرات مفتوحة لكل فئات المجتمع، على أن تناقش وتدرس جميع العلوم الإنسانية، مع مراعاة الحوار المصلح.