تغيير الوزراء فى مصر ما زال سرا حربيا... وبرغم طوفان التغييرات التى حدثت فى المجتمع المصرى منذ ٢٥ يناير فإننى ألاحظ مناطق وميادين لم تطلها هذه التغييرات من قريب أو بعيد.
أبرز هذه الميادين التى لم يصلها قطار التغيير هو استبعاد الوزراء واختيار آخرين.. فما زال هذا «السر الحربى» عصيا على التغيير.. وإلا فليخبرنى أى خبير أو مطلع على الشأن العام ما هو المعيار الذى تم على أساسه استبعاد الوزراء فى التغيير السابق وكذلك المعيار الذى تم على أساسه اختيار الوزراء الحاليين؟
التغيير الذى ننشده جميعا يجب أن يشمل كل أوجه الحياة لأن عدم تحقيق ذلك يعنى أن هناك عقبات تعطل تحقيق الأهداف.
اختيار أو استبعاد الوزراء لا نعلم أسبابه أو خلفياته باستثناء بعض سطور وتصريحات لا تخرج عن أنها ديكور متكرر مطلوب والأخطر فى حالة استبعاد الوزير عادة ما نترك الشارع ومن تم استبعاده فريسة لتسريبات مربكة واغتيال معنوى لمستقبل أشخاص لا ذنب لهم سوى أنهم ضحايا سلوك حكومى عقيم.
بدقه أكثر يجب أن نغير هذا السلوك الحكومى، من غير المعقول أن تكون هناك مطالبات من كل الجهات للمواطن أن يتغير ويغير سلوكياته، ولا يطال هذا التغيير قرارات المسئولين أنفسهم.
من المفارقات المضحكة-المبكية أنك لم ولن تسمع عن محاكمة وزير سابق أو محاسبته على عدم تحقيق برنامج عمله الذى التزم به سواء كان برنامجه هو أو مفروضا عليه وأيضا لم ولن تسمع عن التزامات أو المهام الموكلة إلى الوزير الجديد وتحول التغيير الوزارى عندنا إلى ما يشبه رحلة عبثية متكررة: مسئول ييجى ومسئول يروح.. طيب ليه وازاى وما هو المعيار؟.. لم ولن تجد إجابة.
الآن مثلا نحن نسمع ونتابع إشاعات عن التغيير الوزارى المرتقب.. نتفهم أن تلجأ الحكومة للتسريب انتظارا لرد الفعل وقياس التأثير الذى قد ينتج عن تلك الخطوة. فى نفس الوقت نجد أن كل مرشح لترك المنصب يحاول تجييش الدائرة المحيطة به من إعلام أو برلمان أو رجال أعمال أو أصدقاء ووزراء للمساندة.. كل هذا مفهوم ومبرر سواء اتفقنا مع بعضه أو اختلفنا لكن الأمر الغائب تماما عن الجميع هو أن من حقى أن أعرف شيئا عن إخفاق الوزير الراحل وأسباب اختيار وزير جديد.
طبعا واقعنا الحالى يقول إن فشل الوزير يمكن أن يكون نتيجة أسباب لا علاقة له به شخصيا بل مرتبطة بالظروف التى تمر بها البلاد، هل يمكن محاسبة -على سبيل المثال- وزير السياحة على ضعف السياحة ونحن نخوض حربا مع إرهاب جبان.. بالتأكيد إن الوزير هنا لا دخل له بهذا الظرف.. كذلك تعويم الجنيه نتج عنه ارتفاع الأسعار ومن ثم أصبح الكثير من الوزارات التى تقدم خدمات مباشرة للمواطن فى وضع صعب بسبب الظرف العام وليس لضعف أداء.. لكننى أعيد وأؤكد أن كل ذلك ليس مبررا على الإطلاق لأن يتم تغيير وزير واستبقاء آخر دون أن نعرف شيئا،
نريد أن نرسى مبدأ معمولا به فى كل دول العالم هو أن يتحول أداء المسئول فى ميدان الخدمة العامة إلى كتاب مفتوح نعرف خلاله الناجح والفاشل.
ثم إن وجود معايير للنجاح ومعايير للإخفاق يعنى أن كل من يقبل تحمل المسئولية سيعرف أنه إذا فشل فى هذه الملفات سيتم الاستغناء عنه أو سيعتذر من البداية عن قبول المهمة إذا كان يعرف أنه لن يحقق هذه الأمور.
أشرت منذ قليل إلى «الاغتيال المعنوى» لأشخاص لا علاقة لهم بالتغيير الوزارى وأقصد بهم أبناء وأقارب الوزير الذى يتم استبعاده.. عندما تستبعد وزيرا دون إعلان سبب لهذا تصبح أسرة هذا المسئول ضحية تكهنات وشائعات تطلقها وسائل التواصل الاجتماعى وبعض وسائل الإعلام الأخرى.. والسؤال: ما ذنب ابن هذا المسئول الذى قد تحوله السوشيال ميديا إلى نصاب أو حرامى؟.. اعلان سبب الاستبعاد سيضع حدا لمثل هذه الأمور اللا أخلاقية.
تعالوا نتفق أن الظروف الآن والحالة التى نعيشها غير جاذبه للعمل الوزارى وغير مجدية.. زمان كان للمنصب اختصاصات ومكاسب ومكانة للوزير وأهله وهناك لكل وزير حماية ضد أى تجاوزات إعلامية إلا من يتم التضحية به، الآن العمل الوزارى اأصبح بدون ميزة حقيقية ولا يجذب معظم المبدعين، وهذه مسألة تجعلنا أمام وزراء موظفين لا مبدعين.
على م. شريف إسماعيل أن يطلعنا على أسباب تغيير الوزراء ولا يتركنا نغوص فيما لا يفيد، عليه أن يدخل فى حياتنا التغيير ويثبت لى أنه مؤمن به كحقيقة وليس شعارا، والرجل بالتأكيد يتفهم حاجتنا إلى المصالحة ومعرفة الحقيقة، لو فعل ذلك سيوفر وقتنا ويحمى المنصب من الامتهان الذى طاله.
نقطة أخيرة، عند التفكير فى المنطق المتبع فى تغيير الوزراء فى مصر تجد أنه أشبه بما يحدث فى المقاهى التى يمكنها أن تشكل فريقا قوميا قادرا على تحقيق الانتصارات وأيضا هذه المقاهى قادرة على تشكيل فريق وزارى يمكنه أن يحقق خطط بناء البلد.. ما دام أن المسألة كلها اختيار بدون أسس.
الحكومة تطالبنا بالتغيير سلوكا ومنهجا بدون أن تمارس هذا التغيير على سلوكها فى تعيين الوزراء أو الاستغناء عنهم.