الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

نار التنين الصيني تحرق الغرب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إن الدول ذات الموروث الحضارى الضخم يصعب إخضاعها أو كسر إرادة شعوبها، هذه الحقيقة تتمثل دائما أمام أى باحث سياسى، والأسباب كثيرة، فخذ مثلا النموذج المصرى أو حتى النموذج السورى أو العراقى، فشعوب تلك الأمم تستطيع توظيف إرثها الحضارى وشعورها بالعزة الوطنية فى استعادته أمجادها.
كما أن هناك فى أقصى بقاع الأرض فى الشرق الصين هذا المارد الكبير كنموذج متفرد بحكم خصائصها الديموغرافية والاستراتيجية والثقافية ونظام حكمها الذى يرتكز عبر ٥ آلاف عام من المركزية، بما أكسبها هذا الطابع الاستثنائى وأضفى عليها تلك الخصوصية ورشحها فى ذات الوقت للعب دور مهم فى إعادة صياغة النظام العالمي الجديد بعيدا عن الغرب بما تملك الصين من مقومات مؤهلة لها لتهيمن على الإمبراطورية الأمريكية التى بان عليها الهرم والعجز، بعد أن أقحمت أمريكا نفسها فى حروب وصراعات خارجية وتنامى حالة اليأس داخل المجتمع الأمريكى من الإصلاح وإن حاول هذا المجتمع النهوض عبر انتخاب دونالد ترامب «كرئيس مخلص».
ثمة دلائل تشير إلى أن ظاهرة صعود الصين ستستمر بالرغم من اختلافها عن النموذج الغربى الذى بدأ مع الثورة الصناعية، حيث إن الشعور القوى بالسيادة الوطنية المتجذر فى تاريخ الصين العريق ظهر مجددا فى صين القرن الواحد والعشرين، فى ظل مجتمع صينى تسوده القيم الحضارية ولا يعانى من العنصرية، بالإضافة إلى عدم تعثر معدلات النمو عن ٨٪ منذ سنوات طويلة بالإضافة إلى الانطلاقة الصينية المتنامية ستجعل من الصين صاحب أول نظرية سياسية فى العالم وفق معادلة صعبة مفادها «الانفتاح: نعم، الديمقراطية: لا»، بينما سعى كل قادة الصين إلى سياسة براغماتية محددة المعالم ظهرت فى مقولة الرئيس الصينى دينغ شياو بينغ المشهورة «لايهم إن كان الفأر أسود أم أبيض لأقول إنه فأر جيد المهم إنه قادر على اصطياد الفئران»، وهو ما يعنى أن الأساس فى المجتمع الصينى الحديث أن يكون المرء منتجا بصرف النظر عن كونه شيوعيا أو رأسماليا.
ظلت الولايات المتحدة الأمريكية مهيمنة على العالم فى القرن الماضى فبعد نهاية الحرب العالمية الثانية ١٩٤٥ كانت المحرك الأساسي فى تأسيس المؤسسات الدولية والمؤسسات المتعددة الجنسية مثل الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولى والبنك الدولى وحلف شمال الأطلس «الناتو».. إلخ، كما أصبح الدولار العملة الأكثر تداولا فى العالم، كما أدى انهيار «الاتحاد السوفيتى» عام ١٩٩١ إلى تعزيز مكانة أمريكا فى العالم وأصبحت تتمتع أيضا بنفوذ عسكرى مباشر فى كل أجزاء العالم، وبدأ الأمر فى الألفية الجديدة كما لو أن مكانة أمريكا العالمية غير قابلة للاهتزاز، وأصبح أيضا مصطلح «الأحادية القطبية»، أو «القوة العظمى» الوصف الشائع الجديد لهذه القوى التى لا مثيل لها، ولكن سرعان ما بدأت عورة هذه الدولة تظهر بعد خسارتها لحرب العراق، وما تبعها من أزمة مالية عام ٢٠٠٨ وانهيار المؤسسات المالية الضخمة فى وول ستريت.
هنا ظهرت الصين لتقديم يد العون للاقتصاد الأمريكى أكبر المدنيين لها والذى أوشك على الانهيار ليس بهدف إنقاذه، وإنما لتضمن الصين قدرة أمريكا على سداد ديونها الضخمة للصين والتى تقدر بنحو ٣٠٠ تريليون دولار حسب تقديرات غير رسمية، لكنها قريبة من الواقع، بينما زادت معدلات الاحتياطيات النقدية فى الصين خلال السنوات العشر الأخيرة إلى نحو ٥٥٪، بينما تراجعت الاحتياطات الأمريكية لتصل ٢٢٪ فى نفس الفترة الزمينة، وفى معدلات النمو ما زالت الصين هى الأعلى حتى الآن وظلت المنتجات الصناعية الصينية تتفوق على مثيلاتها الأمريكية بنسبة ١ إلى ٦ بالمائة سنويا، أما الناتج المحلى «GDP» فى الصين فإنه سيبلغ عام ٢٠٢٥ مثيله الأمريكى، والمفارقة أنه سيكون الضعف عام ٢٠٥٠ إذا ما استمر النمو الاقتصادى الصينى بهذه المعدلات من ٧ إلى ٨٪، كما أنه ما زالت تحافظ الصين على تفوقها فى خفض إنفاقها العسكرى، فبينما تنفق أمريكا ٤٨٪ من ميزانيتها على التسليح «رغم زيادة مبيعاتها للأسلحة» ظلت الصين محافظة على معدل الإنفاق العسكرى ٢٠٪، مع التوقعات بأن ينخفض إلى ١٨٪ خلال السنوات العشر المقبلة ما يعنى توجيه هذا الفائض نحو التعليم والصحة والبنى التحيتية.
إن هناك عاملا داخليا آخر يهدد بانهيار الإمبراطورية الأمريكية لصالح الصين يتمثل فى المجتمع الأمريكى ذاته الذى يعانى من العنصرية وتعدد الأجناس والأعراق والذى ظلت أمريكا تعتبر هذا التعدد كحد سمات أمريكا، لكنه يظل عاملا مستقبليا مهددا لوجودها، بينما تحافظ الصين على مجتمعها المتماسك عرقيا، فأغلب (٩٢ ٪) من الصينيين ينتمون لعرقية (الهان)، وهم ينظرون إلى أنفسهم كحضارة وليس كأمة.
وهكذا فإن العالم سيتغير لصالح الصين التى افتتحت عصرا جديدا مع الدول العربية، ومنها مصر والعراق وسوريا تلك الدول التى عانت كثيرا من غباء السياسية الأمريكية والنظرة الدونية لها كدول صاحبة حضارة وموروث تاريخى ضخم، ولكن علينا التعامل وبحذر مع التنين الصينى، وألا نكرر ذات الأخطاء التى ارتكبناها كعرب فى تعاملنا مع أمريكا، ويجب النظر إلى أن هناك مصالح للصينيين فى بلادنا، وعليهم أن يتعلموا أن الأمم مثلها مثل الإنسان صغيرة تولد ثم تكبر، وتشب ثم تشيخ، وتهرم وتموت والبقاء للتاريخ.