ربما كان الاعتذار فضيلة من الفضائل المنسية والضائعة بين رذائل التكبر والتجبر، يخطئ الكثيرون بسبب جهلهم أو عدم وعيهم بالموضوعات محل البحث والقرار، ودائما ما نلتمس لهؤلاء العذر نظرا لتفهمنا لغياب بعض المعطيات والمدخلات أمامهم وقت اتخاذ القرار، بيد أن هؤلاء وعندما يتوافر لديهم كل المعلومات وكل المعطيات وتتكشف أمامهم كل الأسرار والخبايا، يصبح لزاما عليهم الاعتراف بخطئهم وتقديم الاعتذار غير المشروط عن هذه الأخطاء، تلك الأخطاء التى قد تكون أخطاء فى حق أشخاص أو خطايا فى حق أمم وشعوب ودول وأوطان، لكن الملاحظ أن هؤلاء الذين أخطأوا لم ولن يعترفوا بأنهم قد أخطأوا وبالتالى لا يجب أن ننتظر منهم اعتذارا، عموما أنا لا أتحدث فى المطلق ولكننى أتحدث عن وقائع محددة فى جعبة الذاكرة عن أشخاص قدروا فأساءوا التقدير فكان الخطأ وكان العناد بالاستمرار فى نفس المربع ليس ذلك فحسب بل الدفاع عن موقفهم وأخطائهم والغُلو الشديد فى السير فى هذا المنحى وشيطنة الآخر وكل من يختلف معه. أخطأ من وقف مدافعا عن الإخوان وتراجع من تراجع وبقى من بقى فالذين استمروا فى تعاطفهم مع الإخوان استبد بهم الجهل على العلم وشخصنوا المسألة وباتت معركتهم شخصية بعيدا عن المصلحة العليا الوطن.. أجلس إلى أحدهم وأناقشه فيعترف أمامى اعترافات لا لَبْس فيها بأنه قد أخطأ وأنه يحاول أن يبرر سبب خطئه بغياب المعلومة وضبابية المشهد، هذا الاعتراف يجب أن يتبعه تطهر واعتذار حتى يتعلم الآخرون فضيلة الاعتذار ونخرج جميعا من تلك الدائرة الخبيثة من التشكيك فى الآخر وشيطنته إلى أقصى مدى، لكنى أفاجأ تماما برد الفعل المعلن لدى هؤلاء المخطئين المعترفين فى السر والمعاندين فى العلن.. وجدت هؤلاء يصرون على خطئهم على خلاف قناعاتهم ويكيلون الاتهامات لمن اختلف معهم فى الأمر.
على صعيد آخر هناك أخطاء تصيب أمة ووطنا فى مقتل، فعلى سبيل المثال أخطأت الجامعة العربية عندما جمدت عضوية سوريا فى الجامعة وجعلت مقعد سوريا خاليا خاويا من ممثلى سوريا، لقد وصل الأمر بالقائمين على أمر الجامعة فى هذا الوقت إلى مجاملة المعارضة المدعومة سعوديا وقطريا وتركيا على حساب الدولة والشعب والجيش والوطن السورى، الأمم المتحدة ومجلس الأمن لم يجرؤ على ذلك، فعلتها الجامعة العربية بأوامر قطرية.. واليوم وبعد مرور ست سنوات على شيطنة النظام السورى بعد عسكرة المعارضة.. بدأ الجميع يبحث عن آلية مقبولة لإعادة سوريا إلى شغل مقعدها فى الجامعة مرة أخرى.
المعلومات التى تناقلتها وسائل الإعلام أن توجها مصريا بدت تتضح ملامحه بضرورة مشاركة سوريا فى القمة القادمة فى عمان، وأن اتصالات مصرية أردنية جارية فى هذا الإطار، وبصرف النظر عن نجاح هذه المحاولات من عدمه.. تبقي الحقيقة المؤكدة أن من حرم سوريا من مقعدها قد أخطأ وأجرم فى حق الدولة السورية وعليه أن يعتذر.
فهل نجد من يكسر القاعدة ويعتذر؟
هل هناك من يملك الجرأة.. جرأة الحق.. ويعتذر؟
ظنى وبعض الظن إثم أن أحدا لا يفكر فى الاعتذار بل قد نجد أن هؤلاء الذين أخطأوا يدافعون عن أخطائهم وينصبون مشانق لأولئك الذين يريدون تصويب الخطأ الآن.
والآن ماذا سيكتب التاريخ عن هؤلاء؟ هل يمكن أن ينصف التاريخ هؤلاء من مقصلته؟ أم سيذهب بهم التاريخ إلى صفحاته السوداء؟
لذلك ما زلت أنتظر اعتذارا أظنه لن يأتى من هؤلاء.