لم يجتمع المصريون على قلب رجلٍ واحد منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١، ولا سيما فى الأيام الثمانية عشر التى سبقت إعلان اللواء الراحل عمر سليمان، والذى كان يشغل وقتها منصب نائب رئيس الجمهورية، عن تنحى الرئيس محمد حسنى مبارك عن الحُكم مساء ذلك الليل البارد فى الحادى عشر من فبراير ٢٠١١، والذى حوله هذا الإعلان إلى أفراحٍ حماسية ملأت شوارع القاهرة وميادين الثورة المصرية فى مختلف أرجاء البلاد دفئًا غير مسبوق حول شتاء القاهرة البارد إلى ربيعٍ أزهرت أوائلَ وَرْدِهِ فى تونس بما عُرِفَ بثورة الياسمين، وتفتحت فى عاصمة المُعز بما عُرِفَ بثورة اللوتس، وهى الثورة التى أبهرت العالم.
بعد هذه الأيام الثمانية عشر التى التحم فيها الشعب والجيش فى ميدان التحرير فى مشهدٍ رائع لا تكاد تميز فيه بين جيش الشعب وشعب الجيش، حيث حمى الجيش الثورة وحمى المتظاهرين، ولم يُطلق طلقةَ رصاصٍ واحدة على الثوار، وساند ثورتهم حتى تنحى مبارك عن الحُكم. ولا زلتُ أذكر أننا كنا نجلس إلى جوار الدبابات والمدرعات، بل وننام فى أمان فوق جنازيرها موقنين أننا فى حِمى قواتنا المسلحة الباسلة، وكنا نشاهد الثوار يعتلون المدرعات والدبابات فى الميدان، وكان الشباب يحمل ضباط القوات المسلحة وجنودها البواسل على الأعناق.. كانت أيامًا تمثل ملحمة رائعة للوطنية المصرية التى تستمد أبياتها من ذلك التوحد بين الجيش وشعبه أو بين الشعب وجيشه، وسوف يسطر التاريخ هذه الملحمة الوطنية بحروفٍ من نور.
ومن الأسف أنه بعد هذه الأيام الثمانية عشر من التلاحم فى الميدان، جاء أهلُ الشر بمخططاتهم الجهنمية لتقسيم الشعب ودق الأسافين بينه وبين الجيش، فكان أول مخطط لهم هو ذلك الطرف الثالث الذى يرتدى الزى العسكرى ليأتى بأفعالٍ للوقيعة بين الشعب والجيش، وبالأحرى بين شباب الثورة والقوات المسلحة، حدث ذلك فى موقعة الجمل وحدث ذلك فى أحداث ماسبيرو، وهو ما أدى إلى أن تقع أعيننا على فسيفساء مصرية فى المليونيات المتتالية بعد تنحى مبارك، فهؤلاء سلفيين وأولئك إخوان وذلكم أقباط والبعض ليبراليون والبعض الآخر عَلمانيون والبعض الثالث شباب ثورة، وتفرقنا شيعًا وفِرقًا وجماعات متنافرة. ولم يكن ذلك محض صدفة، بل كان ذلك مُخططًا له بعناية لكى يعتلى الإخوان المشهد السياسى بعد ذلك، ويمتطوا صهوة جواد الثورة الجامح الذى لم يكن الشباب يمتلكون الخبرة للإمساك بقِيَادتِه.
وبعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وقع مزيدٌ من الانقسام بين الإسلاميين من جهة والشعب والجيش والشرطة من جهةٍ ثانية، كما أفلح أهل الشر فى الوقيعة بين الدولة المصرية وشبابها ببث دعايةٍ سوداء أدت إلى تهميش الشباب وإبعادهم عن المُعادلة والمشاركة السياسية، ولعل بعض الإجراءات التى اتخذتها الحكومات المتعاقبة للسيطرة على حالة السيولة السياسية أدت إلى مزيد من الوقيعة بين الشباب والدولة، ولا سيما بعد إقرار قانون التظاهر والقبض على بعض الشباب ومحاكمتهم محاكمةً عادلة وفقًا لهذا القانون الذى يخضع للتعديل حاليًا بعد الحكم بعدم دستورية بعضِ موادِه.
ورغم ذلك كله، فإن الرئيس عبدالفتاح السيسى كان موقنًا منذ توليه المسئولية أنه لا دولةَ ولا بناءَ ولا تنمية ولا تقدم بدون الشباب، ومن أجل ذلك بذل عديدًا من الجهود ولا يزال لإصلاح ما أفسده الآخرون بين الدولة وشبابها، وعمل على إعادة الشباب لتشغيل تروس الدولة المصرية التى توقفت كثيرًا فى الفترة التى أعقبت ثورة ٢٥ يناير، لقد دعا الرئيس إلى إعداد برنامج متكامل لتأهيل الشباب للقيادة تَخرج فيه مئات الشباب الذين سيتم توزيعهم على مجالات العمل المصرية كافة ليبث فيها روحًا شابة وثابة للإنجاز والتقدم ومؤهلة بأحدث ما توصل إليه العلم فى شتى المجالات.
كما عقد الرئيس عدة مؤتمرات للشباب فى القاهرة، وشرم الشيخ، وأسوان، لمحاورة الشباب فى كل قضايا الوطن للتعرف على رؤيتهم للمستقبل للانطلاق بالوطن وبلوغ هذا المستقبل الذى سيرسم الشباب خارطته برؤاهم وأفكارهم ومقترحاتهم وروحهم الشابة المُحبة لوطنهم، واقتطع الرئيس من برنامجه الأيام والليالى الطِوال ليُقيم قنوات للحوار مع أبنائه الشباب الذين كانوا يُعبرون عن أنفسهم وآرائهم وقناعاتهم بل وانتقاداتهم بكل حرية وديمقراطية.
يكفى أن تشكيل لجنة لبحث الإفراج عن السجناء من الشباب كان أحد مقترحات مؤتمر شرم الشيخ للشباب، وتم بالفعل الإفراج عن مجموعات من هؤلاء الشباب، وهو ما يمثل مصالحة الرئيس مع أبنائه الذين يَمُدُ إليهم يديه لا يفرق بين أحدٍ منهم، ويكفى أن الرئيس فى مؤتمر الشباب بأسوان الشهر الماضى استمع لانتقاد أحد الشباب لمحافظ أسوان فى وجوده، واصطحب الشاب لزيارة مصنع كيما للأسمدة للتحقيق الفورى فى شكوى الشاب وانتقاداته لصرف مخلفات المصنع فى النيل.
ومن الواضح أن حرص الرئيس منذ توليه مهامه على التواصل مع الشباب خلق بينه وبين الشباب كيمياء جديدة غير مسبوقة، وليس أدل على ذلك من حرص الرئيس فى مؤتمر الشباب بأسوان على الذهاب للمدينة قبل انعقاد المؤتمر لكى يرتدى زيه «الكاجيوال» ويذهب فى جولة بالحنطور على نيل أسوان مع السيدة قرينته لمدة ٢٠ دقيقة، ليقوم بعدها بمشاهدة مباراة مصر وغانا فى نهائيات كأس الأمم الإفريقية مع أبنائه من الشباب فى الفندق فى مشهدٍ تشعر فيه بدفء العلاقة بين الأب وأبنائه دون تكلف أو رسميات يفرضها منصبه الرئاسى.
وتسرى الكيمياء الجديدة بين الرئيس والشباب بشكلٍ أعمق عندما حرص الرئيس على مهاتفة أبنائه لاعبى المنتخب الوطنى قبيل خوض المباراة النهائية لكى يهنئهم على أدائهم فى البطولة ويشجعهم ويَشُدُ من أزرهم، واستجابته لأبنائه من الشباب الذين أطلقوا دعواتٍ على «الفيسبوك» لاستقبال الرئيس للاعبى المنتخب فى المطار، لأن اللاعبين يستحقون التكريم، وأن يَشُدُ الرئيس على أيديهم لأنهم قدموا أداءً رائعًا وراقيًا يمثل خيرَ دعاية للدولة المصرية التى عَلِمَ القاصى والدانى أنها عادت من جديد.. ليس فى مجال الرياضة فحسب، بل فى كل المجالات، بعد جهدِ جبار بذلته هذه الدولة فى العامين الأخيرين تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى.
وفى النهاية، نتمنى أن تستمر هذه الكيمياء الجديدة بين الرئيس والشباب، لأن الرئيس يعلم أكثر من غيره أن هؤلاء الشباب هم مَن سيبنون مصر الجديدة القائدة والرائدة.. تحيا مصر.. تحيا مصر.. تحيا مصر برئيسها وشبابها.