"أموت في الانحراف " عنوان كتاب أثارني بمعرض الكتاب، كانت جولتي هادئة مصحوبة بطقس متعة عال، لكن فجأة انقلب هذا الطقس إلى غيوم وظلام حين وقعت عيناي على هذا الكتاب المنحرف، بجواره مباشرة كانت الصدمة الكبرى كتاب آخر عنوانه: "في بيتنا دكر"، دهشتي طالت أمام هذا العنوان، غضبي تصاعد، مؤشر استفزاز قفز إلى أعلى درجاته، سائلة في استنكار: "هو إحنا في معرض الكتاب؟!".
زائر بجواري سمع همسي المتعبة، لاحقني سريعًا بالضحك وقال: "كمِّلي الجولة وهتشوفي الأكتر"، تركت هذا المكان لآخَر لأفاجَأ بالأسخن من الكتب التى لا تُوصف إلا بـ"الهلس"، منها كتاب بعنوان "فضيحتي في بلاد برة"، وكتاب "دكتور لا مؤاخذة"، وكتاب "واي من لوف مزز"، وكتاب: "التجربة الفكرية لروح أمه"، وكتاب: "للمَوكوس وخايب الرجا"، وخذوا "كمان" هذه العناوين الصارخة لكتب الهلس هذا العام: "مزة إنبوكس"، "الستات ما بيعرفوش"، "في بيتنا دكر"، "خمسة خصوصي"، "هاتي خدودك ألعبلك فيها والعبي إنتي في موبايلك"، والأسعار مفاجأة، وتتراوح بين الـ40 و60 جنيهًا، تخيلوا "دي" أسعار الكتب "الهلس" في معرض كتاب هذا العام، الأغرب بحسب زائرين أن هناك إقبالًا عليها في الحركة وفي الشراء، أحد المثقفين يُدعى محمد رافعي "55 عامًا" موظف وزائر منتظم لدورات المعرض، قال معلِّقًا على هذا النوع من الكتب: "وليه الاندهاش، دي ثقافة المرحلة، ولها أتباعها، خدي نفسك وخافي على ضغطك"، ولم أعلِّق على تعليق "رافعي" ونقلت سريعًا حركتى إلى محطة ثقافة أخرى لاكتشف كساد الحركة في سوق بيع الكتب "المحترمة"، وهنا جدَّدتُ سؤالي: "هوه في إيه؟"، وجاءت الإجابة على لساني: "والله ما انا عارفة"، لكن الثابت من هذه الأجواء شعارات المعرض الذي يأتي هذا العام تحت عنوان "الشباب وثقافة المستقبل"، ليترك في ذهني سؤالًا آخر: وهل يقدم المعرض الحالي الثقافة التي يرغبها الشباب، هل يناقش أزمته؟ وللأسف الشديد بحسب ما أجمع عليه البعض أنه لا توجد علاقة بين العنوان والمعرض؛ لأن وزارة الثقافة تختار ما تحب، والناشرون يقدمون للسوق ما يحبون، ليصبح معرض الكتاب الدولي مجرد "يافطة" يحمل عنوانًا للاستهلاك المحلي، وسوقًا لبضاعة فاسدة لكتب أقرب إلى ثقافة ليست بثقافة.
كان من الممكن أن يقدم المعرض الكثير للشباب، أَبسطُها جذبهم عن طريق شراء الكتب العلمية والثقافية والتراثية بتخفيضات وخاصة للطلاب بالجامعات والمدارس كما كان يحدث بالماضي، وأن يهتم بالشباب في كل المجالات، كما في العنوان الذي يحمله المعرض، مثل الاهتمام بالشباب المبدعين بكتابة الشعر والروايات والقصة، ودعمهم.
هنا يعلِّق الدكتور صلاح هاشم، أستاذ التخطيط والتنمية بجامعة الفيوم، ويقول: الكتب الصادرة عن وزارة الثقافة لم تتغير كثيرًا عن العام الماضي، وتابع: كان يجب
على اتحاد الناشرين أن يضع ميثاقًا يُلزم جميع دُور النشر باختيار الموضوعات التي
ترتقي بثقافة المواطن.
واعتبر هاشم "كتب الهلس" نوعًا من الفساد الثقافي،
قائلًا: "كتب لا تقدم إلا ثقافة استفزازية وتُعتبر جريمة في حد ذاتها، معظم
عناويها لا تعبر عن المضمون وتعتمد على الترويج التسويقي فقط".
وأضاف: إذا نظرنا إلى حجم مبيعاتها وجمهورها نراها ليست قليلة
بالمرة، ومقارنة بالمضمون الداخلي لتلك الكتب نراها بلبلة فكرية غير مفيدة على
الإطلاق، مضيفًا: "نحن الآن نعاني انحطاطًا بشتى الطرق، فلدينا انحطاط أخلاقي
بالشوارع، وانحطاط دراما، وحاليًّا بدأت تتنقل في الأعمال الكتابية".
ورأى هاشم أنه على الدولة أن تحافظ على ما تبقَّى من الأدب العربي والتراث الثمين الذي ورثناه عن
الأجداد. وأوضح أن كل ذلك في النهاية يقع على عاتق الجهة المنظِّمة لمعرض الكتاب.
وعقَّب الدكتور جرجس رزق الله،
زائر، قائلًا: إن الكتب المبتذلة أو ما يُعرَف بالكتب الخاصة، ارتفعت أسعارها
بنسبة كبيرة، وذلك يرجع إلى ارتفاع أسعار الورق والطباعة، ولكن مقارنة بالمضمون
الداخلي بعض الكتب يستحق الشراء، والآخر ليس الا مجرد بلبلة فكرية تفتقر إلى المواد
الثقافية، أما عن الكتب الصادرة من وزارة الثقافة فارتفعت أسعارها بنسبة ضئيلة، لكنها ملحوظة عن العام الماضي، وقد احتفظت برونقها وتراثها الفكري وجمهورها،
فالمعرض يعتبر من أقدم المعارض العالمية ولم تتوقف دوراته منذ عام 1969
قائلًا: "نحن الآن نحتاج لتقييم ثقافي موضوعي للكتب التي تُعرَض به؛ حتى نعرف
ما نقدمه، وإلى أين وصلنا، وأين نحن من العالم وليس تقييمًا للعوائد المادية"، مشددًا على
ضرورة تنقية معرض الكتاب من هذا النوع من الكتب التى وصفها بـ"الرديئة".