الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

"ترامب" يدعم خصومه.. وتحالف "موسكو ـ طهران ـ بكين" المستفيد

وجه ضربة لمؤسسات صنع القرار الأمريكية

الرئيس الأمريكي دونالد
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
توقعات بتدبير «الحزب الجمهوري» و«سى آى أيه» انقلابًا دستوريًا على الرئيس الأمريكي
دوبريانسكى: 6 تهديدات تواجه الإدارة الجديدة.. و4 خطوات لمواجهتها 

دراسات المركز العربي 
استمرار لسياسة التعاون بين جريدة "البوابة" والمركز العربي للبحوث والدراسات ننشر دراسة عن سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
اعتقد بعض محللى السياسة الخارجية، أن الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب بمجرد أن يحلف يمين الولاء للولايات المتحدة، والمحافظة على دستورها، وبمجرد أن يدخل مكتبه فى البيت الأبيض، سيتخلى عن وعوده الانتخابية، ومن وجهة نظر هؤلاء، فإن للانتخابات حساباتها، بينما لرئاسة الدولة فى الولايات المتحدة حسابات أخرى، لكن يبدو أن هؤلاء الذين توقعوا تغيرا فى خطاب ترامب السياسى وهو فى كرسى الرئاسة عن خطابه وهو فى ساحات المنافسة الانتخابية كانوا واهمين، وأمطرهم الرئيس الجديد بعدد من الأوامر التنفيذية التى تتسق تمامًا مع وعوده الانتخابية، وتعد «الأوامر التنفيذية» سلاحًا من الأسلحة السياسية التى وفرها الدستور الأمريكى للرئيس، وضمن له أن يمارسها دون العودة إلى البرلمان.
وبدأ الرئيس الأمريكى ترامب سيمفونية «الأوامر الرئيسية التنفيذية» الزاعقة بمجرد توليه الرئاسة فى عدد من القضايا شديدة الحساسية محليًا مثل نظام التأمين الصحى، أو خارجيًا مثل الانسحاب من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادى (Trans-Pacific Partnership) ثم اتبع ذلك بإصدار قانون بمنع دخول مواطنى ست دول عربية هى (العراق، ليبيا، الصومال، السودان، سوريا، اليمن) إضافة لإيران إلى الولايات المتحدة، ما أثار شعورًا عميقًا بالاستياء على مستوى العالم باعتبار أن ذلك القرار يمثل تنفيذًا لشعار انتخابى مستهجن طرحه ترامب خلال حملته الانتخابية يقضى بفرض حظر على دخول المسلمين للولايات المتحدة.
ورد ترامب على اتهامه بأنه يهدر بقراره بخصوص حظر دخول المسلمين واحدة من أهم قيم الديمقراطية الأمريكية والدستور «حظر التمييز» بأنه لم يقصد ذلك أبدا، لكن عمدة نيويورك السابق رودى جوليانى قال على شبكة فوكس نيوز الأمريكية مساء السبت ٢٨ يناير، إن ترامب خشى أن يصدر قرارًا صريحًا بحظر دخول «المسلمين»، ولذلك فإنه شكل لجنة لغرض صياغة أمر رئاسى تنفيذى بطريقة تتفادى عدم الدستورية.
هنا يوجد بما لا يدع مجالًا للشك دليل على أن ترامب سيمارس سياسة تمييز صريحة ضد المسلمين، وأن هذه السياسة ستتخذ أشكالًا مختلفة، وعلى أسس متنوعة وطنية أو دينية أو غيرهما، وعلى هذا فإن القرار يتخفى فقط وراء أسماء الدول الواردة فيه، ومن ثم فإنه قرار يقوم على أساس واضح بالتمييز وإهدار حق حرية التنقل والسفر. 
إن أخطر الشعارات التى طرحها ترامب خلال حملته الانتخابية، بدأت تأخذ طريقها لتصبح سياسة رسمية للولايات المتحدة، وعلى ذلك فإننا نرفض فرضية روج لها بعض المحللين مفادها أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب سيتخلى عن شعاراته الانتخابية، وسيتصرف كرجل دولة يحترم دستور بلاده، والتزاماتها تجاه العالم، الناشئة عن معاهدات أو اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف. إن ترامب يسير فى طريق تأسيس «إدارة سلطوية» داخل البيت الأبيض ستسعى بكل الطرق لابتزاز المؤسسات والنصوص القانونية والدستورية من أجل دفع الولايات المتحدة فى طريق الانعزالية والحماية تحت شعار «أمريكا أولًا». 

بدأ الرئيس الأمريكى الجديد عمله فى البيت الأبيض بخناقات مع أجهزة الإعلام، ومع قيادات المؤسسة العسكرية، ومع قيادات المخابرات المركزية، ومع بعض قيادات الحزب الذى ترشح عنه للرئاسة، وليس من المستبعد أبدًا أن تدبر هذه المؤسسات خلال فترة من الوقت «انقلابًا دستوريًا» على ترامب، مستغلة الكثير من الثغرات المفتوحة التى يمكن من خلالها توجيه السهام القاتلة إلى سلطة الرئيس. 
وفى الوقت الذى يواجه فيه ترامب هجومًا من خصومه فى الخارج، فإن حلفاءه وأصدقاءه لا يجدون مبررات قوية للوقوف فى صفه، ابتداء من حليفته فى ألمانيا إلى صديقه فى الفلبين. وتعتبر سياسة ترامب الخارجية حتى الآن مبررًا قويًا لعدم الثقة فى الإدارة الأمريكية. وإذا استمر انهيار الثقة فى سياسة الإدارة الأمريكية، فإن قيادة الولايات المتحدة للعالم ستصبح محل شك كبير. ليس ذلك فقط، بل إن انهيار الثقة سيدعم من باب خلفى الدور الذى يقوم به خصوم الولايات المتحدة فى الخارج، خصوصًا تحالف «موسكو ـ طهران ـ بكين» النشط عسكريًا واقتصاديًا، وسياسيًا، ويستمد قوة متزايدة من زيادة الشكوك فى سياسة الولايات المتحدة الخارجية على مستوى العالم، وإضافة إلى ذلك فإن بعض هذه السياسات ستتقاطع سلبًا مع أهداف للسياسة الخارجية وضعها دونالد ترامب لنفسه مثل مكافحة الإرهاب، مثل قرار حظر السفر إلى الولايات المتحدة لمواطنى إيران و٦ دول عربية؛ فهذا القرار هو فى حقيقة الأمر بمثابة توقيع عقاب جماعى ضد مواطنى دول مثل العراق وسوريا واليمن، وهى دول محورية فى سياسات مكافحة الإرهاب، وربما يقود ذلك إلى تقليل مستوى التعاون مع الولايات المتحدة أو التعاطف معها.
وربما يكون من المفيد هنا أن نقارن بين سياسات ترامب حتى الآن وبين توصيات واحدة من خبراء السياسة الخارجية المرموقين فى الولايات المتحدة، وهى السيدة بولا دوبريانسكى وكيل وزارة الخارجية الأمريكية لشئون العلاقات الدولية (٢٠٠١-٢٠٠٩)، وقد لخصت دوبريانسكى فى مقال لها فى مجلة «ناشيونال إنتريست» (عدد يناير ـ فبراير ٢٠١٧) التهديدات الاستراتيجية التى تواجه الولايات المتحدة فى العام الحالى ٢٠١٧ فى ٦ تهديدات رئيسية تتعلق بإدارة العلاقات مع كل من كوريا الشمالية والمخاطر النووية التى يطرحها النظام القائم هناك، وتوسع النفوذ الروسى (ضم شبه جزيرة القرم والحرب فى أوكرانيا وسوريا)، والأزمات الاقتصادية والسياسية فى أوروبا بما فى ذلك احتواء مشاكل استيعاب المهاجرين، والتحدى الصينى العسكرى (بحر الصين الجنوبي) والاقتصادى، وتوسع النفوذ الإيرانى فى الشرق الأوسط، وأخيرًا تحدى الجماعات الجهادية الإرهابية. 

واقترحت دوبريانسكى على الرئيس الجديد للولايات المتحدة اتخاذ ٤ خطوات رئيسية كأركان لسياسته الخارجية، بغرض النجاح فى مواجهة هذه التهديدات، أولي الخطوات التى اقترحتها تتمثل فى طرح استراتيجية تحدد بصورة واضحة أسس السياسة الخارجية الأمريكية، وتصل إلى إجابات مقبولة على سؤال جوهرى يتعلق بأهمية دور القيادة العالمية الذى تقوم به الولايات المتحدة، حيث أصبح هذا الدور محل شك كبير فى أوساط أمريكية عديدة منها قاعدة الناخبين الذين صوتوا لاختيار دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، والخطوة الثانية، وبناء على هذه الاستراتيجية، فإن الولايات المتحدة يجب أن تمارس دور القيادة الفعلى بالتعاون مع الحلفاء والأصدقاء، وردع الخصوم، وقالت إنه لتحقيق ذلك فإن الرئيس يجب أن يعلن احترامه للمعاهدات الدولية، وأن يؤكد الحرص على تنفيذ التزامات الولايات المتحدة فى هذا الشأن. الخطوة الثالثة التى اقترحتها دوبريانسكى تتمثل فى ضرورة أن تؤكد الولايات المتحدة التزامها بالنظام العالمى القائم على قواعد الحرية، وأن تعمل فى اتجاه المحافظة عليه وتعزيز قوته، مع أهمية إدراك أن قيم العالم الحر لا يجب التساهل فيها ولا يجب فرضها عنوة، أما الخطوة الرابعة والأخيرة فإنها تتمثل فى ضرورة إدراك صانعى السياسة الأمريكية أن قوة الاقتصاد المحلى والقوة الدفاعية هما مفتاح قوة الولايات المتحدة ونفوذها فى العالم، ومن ثم فإن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يجب أن يؤكد على تطويرهما. 
والحقيقة أن ما تناولته دوبريانسكى فى مقالها يشاركها فيه عدد كبير من خبراء السياسة الخارجية فى العالم، لكن الواضح الآن أن الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة دونالد ترامب تسير فى الاتجاه العكسى لتوصيات الخبراء، وهو ما يعكس سيادة الميول الشخصية لدى ترامب، الذى يحاول تبرير سيادة نزعته الشخصية بتوجيه اتهامات مستمرة إلى المؤسسات الأمريكية، بما فيها المؤسسة العسكرية. وهذه الاتهامات فى حد ذاتها ستؤدى إلى إضعاف الأسس المؤسسية لعملية صنع القرار فى الولايات المتحدة، ما سيصب فى نهاية الأمر فى زعزعة استقرار عملية صنع القرار فى عصر شديد الاضطراب، قد ينهار فيه النظام العالمى القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ليفسح المجال لقيام نظام عالمى جديد. وهذا النظام العالمى الجديد يبدو أن ملامحه قد بدأت تتشكل بالفعل خلال العامين الأخيرين منذ تدخل روسيا فى أوكرانيا، وضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، ثم تدخل القوات الروسية فى سوريا بالتحالف مع إيران، إلى جانب الدور المتعاظم الذى تلعبه، الصين فى آسيا وإفريقيا، ومشروعات بكين الطموحة لإحياء طريق الحرير وبناء شبكة عظيمة من مشروعات البنية الأساسية فى آسيا وإفريقيا وأوروبا لزيادة عمق ونطاق الاندماج بين الصين والعالم. 
إن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادى يعنى مباشرة إفساح المجال تمامًا للصين لتوسيع نفوذها فى هذه المنطقة التى تساهم وحدها بما يقرب من ٤٠٪ من الناتج المحلى الإجمالى فى العالم. ولا يقف الأمر بالنسبة للصين عند حدود التوسع الاقتصادى، بل إنه يتخطاه إلى نطاق أوسع، بما فى ذلك المجال العسكرى حيث تنفذ الصين حاليًا، برنامجًا واسع النطاق لتحديث قوتها الدفاعية يقوم على أساس تخفيض القوة العددية للقوات المسلحة إلى ٣.٥ مليون عسكرى فقط، مع زيادة كفاءة القدرات التكنولوجية الدفاعية وتكثيف عمليات تطوير القوات البحرية والقوات الجوية بما فى ذلك القدرات الصاروخية. 
إن أمريكا دونالد ترامب تضع نفسها تدريجيًا فى مواجهة العالم، بما فيه من حلفاء وأصدقاء وخصوم، بدلًا من أن تعيد تأكيد قيادتها للعالم. ومع زيادة انغماسها فى سياسات وأنشطة معادية للقيم الديمقراطية والإنسانية، ولقواعد النظام الدولى القائم حاليًا، فإن حلفاء وأصدقاء الولايات المتحدة سيتحولون عنها بحثًا عن ملاذ جديد لتأمين الاستقرار والأمان للعالم، ولضمان الحد من الصراعات ومخاطر انتشار الحروب والصراعات المسلحة، وعلينا ومن الآن أن نراقب بعناية وبدقة سلوك دول حلف شمال الأطلنطى، خصوصًا ألمانيا فى الأشهر المقبلة.