الرئيس الأمريكى يهدد موقع الدولار كعملة احتياط دولية.. وسياساته ستؤدى لرفع الدين العام في بلاده
صادرات مصر ترتفع بسببب «الكويز» إلى 842.4 مليون دولار فى 2015
دراسات المركز العربي
استمرار لسياسة التعاون بين جريدة "البوابة" والمركز العربي للبحوث والدراسات ننشر دراسة عن سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاقتصادية.
شهد منتدى دافوس فى دورته الـ47 لعام 2017، تخوفًا ملموسًا حول إمكانية تنفيذ الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب، تهديداته بتفعيل سياسات «الحمائية الاقتصادية»، والتخلى عن اتفاق التبادل التجارى الحر عبر المحيط الهادى، وإقامة حواجز جمركية مع جيرانه ومع الصين.
ولم يكد ينتهى المنتدى حتى سجل ترامب فور تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة بأجندة الـ«100 يوم رئاسى» قرارًا تنفيذيًا بانسحاب بلاده رسميًا من الاتفاقية، كما وقع قرارًا أيضًا للبدء فى إعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية «نافتا» بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، تمهيدًا لتغيير شروط الاتفاقية كخطوة نحو إعادة هيكلة السياسات الاقتصادية الأمريكية داخليا وخارجيا.
الحمائية الأمريكية وبداية تراجع الإمبريالية الأمريكية:
انغلاق الاقتصاد الأمريكى والحد من تدفقات الاستثمارات، ورءوس الأموال الأمريكية إلى الخارج، وتقييد حركة الدخول والخروج للأسواق، يعرف فى الأدبيات الاقتصادية بالسياسات الحمائية فى مقابل سياسات الانفتاح، والتبادل الحر المرن الذى عمل بالتوازى مع القوة الصلبة الأمريكية على «أمركة» الاقتصاد العالمى، وجعل هذا الأخير فى خدمة المشروع الإمبريالى الأمريكى أو ما عرف بـ«مشروع القرن الأمريكي».
الحمائية الأمريكية تتمثل فى شعار دونالد ترامب الانتخابى «أمريكا أولًا»؛ فوفقًا لسياسة ترامب القومية، فإن اتفاقية التبادل التجارى الحر عبر المحيط الهادى تفتح السوق الأمريكية على المنتجات الأجنبية بكثافة، كما تسمح للصُناع الأمريكيين بالعمل فى الخارج وتوظيف عمالة غير محلية، الأمر الذى وعد ترامب بمقاومته فى أحاديثه خلال الحملة الأمريكية، وبدأ ينفذ ذلك الوعد بأولى الخطوات بالتصديق على الانسحاب من تلك الاتفاقية.
الحقائق البديلة للدبلوماسية التجارية:
على الرغم من إعلان الرئيس المنتخب دونالد ترامب، انسحاب بلاده من اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية «نافتا»، بما يرمى نحو إعادة تعريف الدبلوماسية التجارية من الانفتاح والتمدد إلى الانغلاق على الداخل، إلا أن ترامب وضع مصطلحًا جديدًا فى العلاقات الدولية، وأطلق عليه «الحقائق البديلة»، وإن كان مقتبسًا من رواية جورج أورويل «رواية ١٩٨٤»، إلا أنه يحمل فى مضمونه المسارات المستقبلية، لتكيف السياسة الترامبية، ومنها السياسات الاقتصادية التى بدأها بالانسحاب من النافتا، مقابل تغيير البوصلة الاقتصادية تجاه منطقة الشرق الأوسط بالعديد من التصريحات تكشف عن التخطيط لاتفاقيات تجارة حرة بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول المنطقة الشرق أوسطية.
الدبلوماسية التجارية تعمل فى مضمونها البيني على خلق نوع من التقارب السياسى بين مختلف العواصم، وتعزيز السلام العالمى كحالة اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة «كويز» بين مصر وإسرائيل، التى عقدت برعاية أمريكية عام ٢٠٠٤، بهدف تعزيز عملية السلام بين البلدين، وفقا لإطار اقتصادى، حيث استشهد العديد من الخبراء والمحللين الدولين بتلك الاتفاقية كرمز فعال لنجاح الدبلوماسية التجارية.
اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة «الكويز –QIZ»:
تُعد تلك الاتفاقية امتدادًا لاتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل المُصدق عليها عام ١٩٨٥، وتهدف إلى تفضيل التعامل مع الأسواق الأمريكية للصادرات من مناطق محددة فى مصر، إضافة إلى أن مصر سعت لتفادى الانتكاسات المستقبلية الناجمة عن التغيرات فى نظام الحصص الخاص بالمنسوجات لدى منظمة التجارة العالمية، بالاحتذاء بالنموذج الأردنى فى اتفاقيته الخاصة بالمناطق الصناعية المؤهلة، وضمان اتفاق للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة، كذلك إسرائيل كانت تتطلع بتدشين اتفاقية الكويز إلى إضفاء الشرعية على العلاقات التجارية التى كانت قائمة لسنوات بين كل من مصر وإسرائيل دون اعتراف علنى.
الدبلوماسية التجارية فى إطار بروتوكول الكويز الذى تم التصديق عليه عام ٢٠٠٤ لإنقاذ صناعة الغزل والنسيج فى مصر، فقد كانت «اتفاقية الأنسجة المتعددة» التى ترعى تجارة المنسوجات العالمية قد أوشكت على الانتهاء، ما عنى آنذاك أنها كانت رسوما ستفرض على الصادرات المصرية، وبالتالى تجد مصر صعوبة كبيرة فى منافسة بنجلاديش، والصين، والهند، وباكستان فى السوق الأمريكية، ولكن بعد إنشاء المناطق الصناعية المؤهلة، ارتفعت صادرات الملابس الجاهزة المصرية من ٢٨٨.٣ مليون دولار تقريبا فى عام ٢٠٠٥ إلى ٦٣٦.٢ مليون دولار تقريبا عام ٢٠٠٦ لتصل إلى ٨٤٢.٤ مليون دولار تقريبا فى عام ٢٠١٥، ما دفع الجانب المصرى إلى المطالبة فى إطار الدبلوماسية التجارية بما يلى:
١- توسيع النطاق الجغرافى لبروتوكول الكويز ليشمل مناطق صناعية أخرى خلافا للمناطق الجغرافية المُحددة سلفا، وهى: القاهرة الكبرى، الإسكندرية، وسط الدلتا، قناة السويس، الصعيد «المنيا وبنى سويف».
٢- تخفيض نسبة المكون الإسرائيلى بهدف زيادة الصادرات المصرية إلى السوق الأمريكية، حيث تمثل الصادرات المصرية إلى السوق الأمريكية فى إطار هذا البروتوكول حوالى ٨٠٪ من إجمالى الصادرات المصرية، معظمها صادرات من الملابس الجاهزة والمنسوجات.
٣- إضافة سلع أخرى بخلاف الملابس والمنسوجات تحظى بالإعفاء الجمركى فى إطار بروتوكول الكويز.
هل سيستفيد الاقتصاد المصرى من الحمائية الأمريكية؟
بشكل عام، منذ فوز ترامب فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية فى نوفمبر الماضى قد تراجعت مؤشرات الدولار الأمريكى فى البورصات العالمية بدافع الخوف من هوية خطط الرئيس الجديد وسياساته الاندفاعية، التى صُنفت فى أكثر من حدث بعنصريتها، وافتقادها للمؤسساتية الأمريكية.
بالمقابل، نجد أن قرار ترامب الخاص بانسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية التجارة الحرة عبر المحيط الهادى سيؤدى إلى تراجع الدولار عالميا نظرًا لحالة العزلة والانكفاء الذى سيعيشه الاقتصاد الأمريكى لفترة قد تطول، وبالتالى فإن ذلك الانخفاض فى قيمة الدولار من شأنه أن يحسن من وضع العملات المحلية على مستوى العالم، وفى مقدمتها الجنيه المصرى الذى سجل أسوأ آداء لعملة محلية على مستوى العالم فى العام ٢٠١٦.
كذلك الاستفادة من علاقة المودة بين الرئيس الأمريكى المنتخب والرئيس عبدالفتاح السيسى، فى دعم العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وزيادة الدعم والاستثمار الأمريكيين بمصر، وزيادة التبادل التجارى بينهما فى إطارى تفعيلى لاتفاقيات التبادل التجارى كالكويز-QIZ ومفاوضات إقرار اتفاقية التيفا-TIFA وغيرهما لتشجيع وزيادة حجم التبادل التجارى، تمهيدا لإقامة منطقة تجارة حرة بين البلدين، فضلا عن أطروحات ترامب حول إقامة منطقة تجارة حرة بين أمريكا ومنطقة الشرق الأوسط بالكامل.
عواقب مستقبلية للداخل الأمريكي:
مما لا شك فيه أن الخطاب الاقتصادى لترامب يفتقر لإدراك آليات صنع القرار فى البيت الأبيض المحكومة بمؤسسات اقتصادية عتيقة وخبراء مال يخططون للاقتصاد المحلى والعالمى، وبالتالى أصبح هناك عدد من العواقب الناتجة عن ذلك الخطاب المُوجه غير الرشيد اقتصاديا ولعل منها:
• السياسات الحمائية التى يطرحها ترامب تهدد موقع الدولار كعملة احتياط دولية، وقد تقود خطط الإنفاق التى يقرها فى سياساته إلى رفع الدين العام فى أمريكا إلى معدلات عالية جدًا قد تنهى جاذبية سندات الخزانة الأمريكية التى تعتمد عليها أمريكا فى تمويل العجز فى الميزانيات فى ظل خفض معدلات الضرائب التى ينوى فعلها.
• السياسات الهجومية بالخطاب الاقتصادى لترامب ستقود تلقائيا إلى نزاع تجارى مع الصين فى آسيا، وربما تكون نتيجة مثل هذا النزاع تخلى الصين عن ربط عملتها بالدولار وانفكاك «البترودولار»، فضلًا عن تراجع دور الدولار فى تسوية الصفقات التجارية فى دول البريكس، ومجموعة دول العالم النامى.
تأسيسا على ذلك..
التنافسية الاقتصادية بالعالم هى فى واقع الحال تتبع القواعد التى وضعتها الولايات المتحدة عقب انتصارها فى الحرب العالمية الثانية وفرضها على العالم سياساتها الاقتصادية «النيو ليبرالية»، لكن بسياساتها الحمائية الجديدة تترك المجال للصين وغيرها من الاقتصاديات الناشئة لإعادة هيكلة النظام الاقتصادى العالمى من الأحادية للتعددية القطبية.
بالمقابل، فالتهديدات الاقتصادية الأمريكية لن تنجح فى استنزاف موارد وقدرات الدول سوى الدول الهشة كدول العالم العربى، أما الدول القوية فهى تمتلك من أوراق الضغط والمناورة ما يمكنها من كبح جماح الإدارة الأمريكية الجديدة ومحاصرتها اقتصاديا وتجاريا عبر نفس الآليات التى اعتمدتها أمريكا فى السابق لتحقيق مشروعها الإمبريالى، فالصين وغيرها من الاقتصاديات الصاعدة، تستطيع استنادا لآليات منظمة التجارة العالمية اتخاذ نفس التدابير الحمائية وفقا لمبدأ المعاملة بالمثل، وسيظل الخاسر الأكبر هو العالم العربى الذى لا يزال يعيش بعصر الفوضى السياسية والهشاشة الاقتصادية.
ومن ثم، فالدبلوماسية التجارية كحقائق بديلة للحمائية الترامبية تهدف لإعادة المسارات الداعمة لعملية السلام الرامية للاستقرار بين الدول، خاصة فى منطقة الشرق الأوسط التى تسيطر عليها الفوضى بشكل ممنهج بداية من ٢٠٠٣ وسقوط العراق، بدعوى «الفوضى الخلاقة»، وصولا ليومنا هذا وسيطرة الفواعل العابرة للقومية، وفى مقدمتها «تنظيم داعش»، على إعادة ترسيم خريطة السلام والاستقرار بالشرق الأوسط، فالدول التى تقوم بينها علاقات تجارية مهما كانت مختلفة فى الاتجاهات والرؤى السياسية، يمكنها تجاوز الخلافات والتواصل بلغة المال والتجارة كبديل فعال عن لغة الحروب والصراعات، حيث تعود تلك اللغة بالنفع اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا على كل أطراف المنطقة.