مع التصويت النهائي من قبل لجنة الخمسين، على التعديلات الدستورية، تبلورت بشكل واضح مواقف الكتل التصويتية. وبالرغم من تحفظات بعض القوى السياسية والمجتمعية، مثل العمال والفلاحين، والأقباط، وبعض الهيئات القضائية، على التعديلات، إلا أن كل التوقعات تقول بأن نتيجة الاستفتاء على الدستور سوف تأتي بالإيجاب بغض النظر عن نسبة من أدلوا بأصواتهم . وهل زادت عن نظيرتها فى استفتاء ديسمبر 2012 أم لا.
وبالتأكيد فإن الخريطة التصويتية للاستفتاء على الدستور ستكون مغايرة هذه المرة، حيث رسخت نتيجة الاستفتاءات والانتخابات بعد ثورة 25 يناير الفرضية القائلة بأن سكان المدن والمناطق التى تقل فيها التوترات الطائفية، وأبناء الطبقة الوسطى، والأكثر دخلاً وتعليميًا هم أكثر ميلاً للتصويت لصالح التيارات المدنية على حساب التيار الإسلامي، فيما يتزايد نفوذ التيار الإسلامي فى الريف الفقير، وبين أبناء الطبقة الأكثر فقرًا، والشرائح الأقل تعليمًا، وسكان المناطق التي تتزايد فيها حدة التوترات الطائفية. مع الأخذ فى الاعتبار أن البيئة السياسية، وخطاب النخب، القضايا الرئيسة للناخب فى لحظة الانتخابات تؤثر هى الأخرى على السلوك التصويتي.
1-القوى الرافضة للدستور
وأن لم تحدد موقفها من الذهاب إلى صناديق الاقتراع من عدمه، إلا أنه يأتي على رأسها جماعة الإخوان، وقوى الإسلام السياسي، المتحالفة معها "تحالف دعم الشرعية". إضافة إلى بعض أنصار التيار السلفى. وفي هذا الإطار، وبعد الفشل المنقطع النظير من جماعة الإخوان، والتيارات ذات المرجعية الدينية المتحالفة معها، ليس فقط أثناء توليها السلطة، ولكن فى مرحلة ما بعد السلطة وفض اعتصامي رابعة والنهضة، وقيامها بالاستقواء بالخارج، ومحاولة تركيع الدولة المصرية، وممارسة العقاب الجماعي للمصريين، والمشاركة أو على الأقل الضلوع فى سيناريو "الاغتيالات السياسية"، فإن شعبية الجماعة والمؤيدين لها فى انخفاض شديد. وبحسب المشهد السكاني والانتماء السياسي، فيما بعد 30 يونيو، فإن تيار الإسلام السياسي – بشقيه الإخواني والسلفي- لديه جمهور تصويتى محتمل بنحو 25 إلى 30% من الناخبين وهم إجمالي سكان الريف الفقير والمحافظات الحدودية ومناطق التوتر الطائفى فى الصعيد.
2-القوى الداعمة للدستور
نظريًا، تضم أغلب القوى التي أيدت وشاركت فى 30 يونيو (حركة تمرد وجبهة الإنقاذ وتيار الاستقلال وغيرها من الحركات والأحزاب ورجال الأعمال). ويكمن أنصار هذه القوى في الكتل السكانية التي يتوفر لها قدرًا أعلى من التعليم تبتعد فى تصويتها عن الاتجاهات المحافظة. وتقدر هذه الكتلة التصويتية بـ 25 أو 30%، وتتمثل في سكان الحضر والريف الغني وأبناء الطبقة الوسطى.
3- القوى المرجحة
وفي مقابل الكتلتين السابقتين، توجد "الكتلة الحاسمة" أو "الحرجة" أو "المرجحة"، والتى تتراوح ما بين 30 إلى 40%، وهى تضم أيضًا أبناء الريف وسكان الحضر وأبناء الطبقة الوسطى، إضافة إلى ما يعرف إعلاميًا باسم "حزب الكنبة"، والذي تحرك بقوة في 30 يونيو. وتكمن المشكلة الأساسية في الكتلة الحرجة بأنها تميل إلى السلبية، ولا تتحرك إلا حينما تشعر بالخطر على مصالحها وعلى الدولة المصرية. حيث تتميز بقدرة كبيرة على التكيف مع أية ظروف اقتصادية واجتماعية جديدة. وبالتالي فهي بحاجة إلى جهد كبير لدفعها إلى صناديق الاقتراع.
4- النخبة المحركة
وإضافة إلى القوى السابقة، يوجد عدد كبير من المواطنين من مختلف الاتجاهات، والمشارب السياسية، والإعلامية المستقلة سوف تصوت وتقف خلف الحشد للإجابة بنعم على الدستور، وستعلب هذه القوى دور كبير فى تحريك أو أقناع الكتلة الحرجة بضرورة الذهاب للاستفتاء على الدستور. كما سيصوت أبناء المؤسسة العسكرية وأسرهم، اللذين خرجوا من أداء الخدمة، لصالح الدستور.
وفى النهاية، لابد أن يتذكر الجميع بأن عدد الذين ذهبوا للاستفتاء على دستور 2012 بلغ حوالي 17 مليون من جملة 51 مليون لهم حق الاقتراع، منهم 63% قالوا "نعم" وحوالى 38% قالوا "لا"، وبالتالي فإنه يجب إلا يقل عدد الذين سيذهبون إلى صناديق الاقتراع على التعديلات الدستورية عن 25 مليون. وحتى نستطيع القول بأن ثورة 25 يناير بموجاتها المختلفة أثرت في المواطن يجب على الأقل أن يذهب نصف من لهم حق التصويت إلى الاستفتاء على الدستور، لأنه لا يعقل بأن تقوم ثورتان في أقل من ثلاث سنوات وتأتي نسبة المشاركة العامة أقل من 50% من المواطنين. وما أقصده هنا متى سيتحرك المواطن المصري، لحسم مصيره والمشاركة فى صنع غد أفضل.