■ الشبراوى: ضم أموالها للموازنة العامة يمنع المصريين من التبرع لها
■ الشهاوى: لن نسمح بالسطو على أموالها بزعم احتياج الدولة لها
أموالها بالملايين، حتى وصل الحد إلى تقديرها لما يشبه الأساطير دون أن يعرف عن مصيرها شيء، فمن يراقبها هم أنفسهم المتهمون بالاستيلاء عليها، فى الوقت الذى احتار الخبراء فى إيجاد مصادر جديدة لموازنة الدولة فى ظل أزمتها الطاحنة خلال الفترة الأخيرة، وما بين الفساد والحاجة، تعالت الأصوات للمطالبة بضم أموال صناديق النذور والتبرعات الخاصة بالمساجد والأضرحة للموازنة العامة، كمحاولة للخروج من الأزمة الاقتصادية التى تعانى منها البلاد، من أجل سد عجز الموازنة الذى جعل الحكومة تبحث بشتى الطرق عن مصادر دخل جديدة تستطيع من خلالها الحد من تفاقم الأزمات المتلاحقة، فضلا عن غلق باب العبث والنهب بحصيلة صناديق النذور من الأموال البعيدة عن عيون الرقابة.
ومع اتساع الجدل حول تلك الصناديق ظلت الأسئلة التاريخية حول هذا الملف لا تتغير دون إجابات، أهمها كم حصيلة هذه الصناديق؟ وكم يبلغ عددها؟.. وأين تذهب؟.. والأهم هل هناك رقابة فعلية على تلك الصناديق؟.. وهل تعلم الدولة شيئًا عن الصناديق العشوائية فى النجوع وأطراف القرى والجبانات والأضرحة والمقامات الممتدة من شمال البلاد إلى جنوبها؟
أموال النذور هى تبرعات وصدقات يدفعها المواطنون للمساجد، ليتم الإنفاق منها على إعمارها، أو على احتياجات الفقراء والمحتاجين، وتتولى إدارتها وإنفاقها لجان مشتركة من الأوقاف والطرق الصوفية والداخلية والقائمين على شئون كل مسجد، دون وجود رقابة رسمية حقيقية.
وعن حصيلة الأموال التى تجنيها الصناديق كل عام فهى بالملايين، حيث وصلت فى بعض الأوقات وفق مؤشرات الأوقاف إلى ١٠٠ مليون جنيه.
أما صناديق النذور المعروفة، فهى الموجودة بالمساجد الكبرى التى يتم من خلالها جمع ملايين الجنيهات، مثل مسجد السيدة زينب الذى تم يتم فتحه بصورة شهرية، حيث وصلت أرباح النذور فى بعض الأوقات إلى ثلاثة ملايين جنيه، ومسجد الإمام الحسين ومسجد القطب الصوفى السيد البدوى فى طنطا، ومسجد إبراهيم الدسوقى بكفر الشيخ، ومسجد العارف بالله فى سوهاج، ومسجد عبدالله القوصى فى أسيوط، ومسجد سيدى عبدالرحيم القناوى فى قنا، ومسجد أبو الحسن الشاذلى فى حميثرة بالبحر الأحمر، ومسجد المرسى أبو العباس فى الإسكندرية، ومسجد سيدى الرفاعى بالقاهرة، ومسجد الدنراوى شيخ الدنراوية الصوفية، والعديد من المساجد الأخرى التى تجنى الكثير من الأموال كل عام.
صناديق النذور ليست فقط الموجودة داخل مساجد الأوقاف، لكن منها أيضا الموجود داخل الأضرحة المنتشرة فى كل ربوع مصر، وتجلب ملايين الجنيهات أيضا، ولكن يسيطر عليها مشايخ الطرق الصوفية دون أدنى رقابة من الدولة، وعلى ذلك تذهب هذه الأموال إلى القائمين عليها بزعم إنفاقها على الخدمات الخاصة بالساحات والطرق، وخاصة فى الصعيد، مثل ساحة الأشراف الأدارسة بأسوان، التى يوجد بها الكثير من صناديق النذور، وساحة الشيخ على بسوهاج، التى توجد صناديق نذور بجوار ضريح جدهم الشيخ على، وساحة سيدى أبوعمرة التى يوجد بها العديد من صناديق النذور خارج سيطرة الأوقاف، بالإضافة إلى الكثير من صناديق النذور الأخرى خارج السيطرة، وتذهب أموالها هباء منثورًا.
من جانبه، طالب الدكتور محمد نجيب، أستاذ العلوم السياسية، بضم التبرعات للموازنة العامة الدولة، قائلا إنه «سيكون أمرا جيدا، خصوصا أنها تشبه الصناديق الخاصة، ولا يعلم عنها أحد أى شيء، وتصل لمليارات الجنيهات كل عام».
وأضاف أن الجهة الوحيدة التى تتعامل مع النذور «هى وزارة الأوقاف، لكن لا رقيب ولا حسيب من الأجهزة الرقابية، لذلك فإن تفكير البرلمان فى ضمها للموازنة خطوة إيجابية»، مطالبا بـ«ضم كل الصناديق الخاصة فى الهيئات والمؤسسات التابعة للدولة، وليس النذور فقط، وخصوصا فى ظل عجز الموازنة الذى تعانى منه البلاد، بسبب قرار تعويم الجنيه»، لكن نجيب أبدى عدم ثقته فى رقابة البرلمان على تلك الصناديق، قائلا إن «البرلمان نفسه فيه شبهة فساد، ومن الأفضل أن تقوم جهات أخرى مستقلة بالرقابة والإشراف على الصناديق الخاصة وأموال النذور».
وقال النائب ممتاز دسوقى، فى تصريحات خاصة: «الناس يتبرعون بأموالهم لغرض محدد، وهو إعمار المساجد، وليس للحكومة، وهذا سيجعل الناس يمتنعون عن الدفع نهائيا، ووضع الأموال فى هذه الصناديق»، مؤكدا أن أموال النذور لا تنهب، وحققت صناديق النذور بالمساجد التابعة لوزارة الأوقاف إيرادات تقدر بنحو ٧٠ مليون جنيه خلال عام واحد، بحسب بيان لوزارة الأوقاف فى يونيو الماضى، وكان وزير الأوقاف محمد مختار جمعة، نفى بشدة تعرض أموال النذور للنهب أو الإهدار.
وقال إن جمعة أكد فى كلمة له أمام مجلس النواب فى ٤ يناير الماضى، أن اللجنة الدينية بالبرلمان ناقشت مؤخرا تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات، ولم تتم إثارة أى ملاحظة تتعلق بنهب أموال النذور على الإطلاق، مشيرا إلى أن «المبالغ المخصصة للأوقاف من الموازنة العامة للدولة تبلغ ١٤٤ مليون جنيه فقط، وهى لا تغطى موازنة الوزارة البالغة ٤٠٠ مليون جنيه، وهو ما يوضح أنها تعتمد على الموارد الذاتية، ومن أهمها أموال التبرعات والنذور التى يتم استخدامها فى عمارة المساجد، ودفع رواتب الأئمة والقائمين على المساجد»، مشددا على أن «مال الوقف له طبيعة خاصة، وليس مالا عاما، ولا يجب أن يمس مهما حدث».
من جانبه، أكد محمد الشهاوى، أحد مشايخ الصوفية، رفضه الشديد لهذه الخطوة من جانب مجلس النواب، واصفا إياها بالسطو على أموال النذور، مطالبا بالتراجع عن هذه الخطوة التى من الممكن أن تحدث أزمة فى الشارع المصرى، خاصة أن هناك الكثير من الطرق الصوفية التى تريد زيادة حصتها من النذور بدلا من إيقافها بشكل رسمى، لضمها للموازنة العامة للدولة.
فيما حذر عبدالخالق الشبراوى، شيخ الطريقة الشبراوية الصوفية، من ضم صناديق النذور لموازنة الدولة، مؤكدا أن هذا الأمر سيكون خطرا كبيرا، لأن أناسا كثيرين سيفقدون مصدر دخلهم الوحيد، مشيرا إلى أنه «لا يوجد بند فى الموازنة العامة يغطى أجور عمال المساجد والمشايخ ومقيمى الشعائر، كما أن وزارة الأوقاف لا تدفع إلا رواتب الخطباء والأئمة التابعين لها فقط.
وتابع الشبراوى، بأن كثيرا من الصوفيين الذين يقومون على خدمة مساجد آل البيت ليس لهم رواتب ثابتة، لذلك ابتكر المصريون صناديق النذور حتى تغطى نفقاتهم تحت إشراف وزارة الأوقاف، مطالبا بتوفير حل بديل لعلاج العجز فى الموازنة بعيدا عن أموال النذور التى ستشعل غضب الكثيرين من أتباع الصوفية الذين يعلمون أن هذه الأموال تذهب للقائمين على خدمة المساجد والأضرحة. وأضاف أن «القانون ينظم طبيعة صناديق النذور وعملها، وينص على أن صناديق النذور التابعة لوزارة الأوقاف تفتح كل أسبوع أو شهر أو سنة، حسب نظام المسجد، ويفتحها مسئولون من الأوقاف، ويتم توزيع الأموال على المشايخ ومقيمى الشعائر وعمال المساجد»، وهذا ما تقوم به الأوقاف منذ سنين، لأنها لا تملك ميزانية لدفع أجور عمال المساجد أو المشايخ الذين يقومون على خدمة المساجد.
وأوضح الشبراوى أن القانون نص على منح الطرق الصوفية ١٠٪ من أموال الصناديق، لكن وزارة الأوقاف تعطى الصوفية ٥٪ فقط، بعد خصم الرسوم والدمغات، وهذا يؤكد أن الحق لا يصل إلى أصحابه أو مستحقيه.
من جانبه قال الدكتور جابر طايع، رئيس القطاع الدينى بوزارة الأوقاف، أن الوزارة لا تعترض بأى شكل على إدخال صناديق النذور فى الموازنة العامة للدولة، مؤكدا أن توجيه صناديق النذور إلى الموازنة العامة للدولة لا يضر الأوقاف فى شيء، خاصة أن هذا يصب فى مصلحة الدولة، وطالما يقتضى الأمر تعزيز هذا الأمر لصالح الدولة فلا يوجد أى رفض من قبل وزارة الأوقاف أو قياداتها.
واتفق معه الشيخ سلامة عبدالرزاق، وكيل وزارة الأوقاف، مؤكدا أن وزارة الأوقاف كفيلة بالإنفاق على مساجدها من أجل إصلاحها وتجديدها ودفع رواتب الموظفين بها بصفتها قائمة على شئون المساجد، وهى من تتولى تجديد المساجد ودفع رواتب الموظفين والمشايخ، باعتبارها جهة الإشراف عليها، ولن يكون هناك أى خلاف مع مجلس النواب بصفته الجهة المنوط بها التشريع.