الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"إمسك".. فزاعة اسمها "عايزين يهدموا البلد"!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عفوًا.. هل سمعتم، بعد إذنكم ودام فضلكم، أن مستثمرًا بريطانيًا «زهق» من الأعباء التى تفرضها عليه حكومته، فقرر أن يغلق مصانعه ويتوجه إلى مطار هيثرو فى عاصمة الضباب، ليغادر بلاده إلى غير رجعة؟ هل نما إلى علمكم أن مستثمرًا فى بلاد إنجيلا ميركل، هاج وماج وأقسم «بالمسيح الحى» ألا يسدد «حق المجتمع»، وركب دماغه و«فلسع» فى جنح الليل من ألمانيا كلها؟. 

مناسبة السؤال الغريب، والعجيب أيضًا، أن كل حضرات السادة، عندنا، والسيدات أيضًا، المسئولين والمسئولات، المستوزرين والمستوزرات، يرفعون فى وجهك شعار: «أنت عايز المستثمر يهرب؟»، وذلك كلما طرحت أى فكرة تؤدى إلى ضخ أموال معتبرة فى خزينة الدولة، تسهم فى تقليل الفجوة إياها التى تعانى منها ميزانية البلد.
نعم.. بمجرد طرح الفكرة، يخرج عليك جيش عرمرم يتهمك بعظائم الأمور والهدم والتخريب.. ومش بعيد عليهم أن يجعلوا منك إخوانيًا وداعشيًا عاشقًا لسفك الدماء وقتل الأبرياء وهدم الأوطان.
كل شىء فى نظر هؤلاء مباح طالما يقتصر على «تقليب» جيوب الناس، ويبتعد تمامًا عن خزائن علية القوم ممن حصلوا على أراضٍ بتراب الفلوس أو بلا أى فلوس أصلًا، وتمتعوا ولا يزالون بالعديد من المزايا التى تفوق الخيال.. وتستمع من هؤلاء إلى حجج واهية تتداعى إلى الهاوية، لو حكمنا العقل وأخضعناها لمناقشة هادئة ومنطقية وتتماشى مع كل القواعد المتبعة فى أوروبا والدول المتقدمة والبلاد التى، عفوًا يعنى، تحترم شعوبها، وتسعى بالفعل وبالقرارات، وليس بالقول والشعارات، لتحقيق «شىء ما» من حاجة اسمها «العدل الاجتماعى». عندنا الأمر مختلف.. خذ عندك مثلًا: من سنة فاتت «يعنى فى فبراير من العام الماضى»، خرجت علينا صحف الصباح والمساء والسهرة، كمان، بمانشيتات: «شريف إسماعيل: محدودو الدخل أبرز أولويات برنامج الحكومة»، ولك عزيزى القارئ أن تراجع كم القرارات والقوانين التى حطت نتائجها على دماغ محدودى الدخل من فبراير اللى فات حتى فبراير الحالى الذى بدأ باصطباحة غير ذكية من وزير التموين برفع سعر الزيت والسكر على البطاقة الذكية، ليسحب بحركة مكشوفة الـ«كام ملطوش» اللى زادوا على البطاقة من حوالى شهرين.. ويا دار ما دخلك شر.
كم من الخطايا تُرتِكب باسمك أيها المحدود.. زيادة رهيبة فى الأسعار، كثافة عالية فى التصريحات الخادعة، نقص حاد فى الإحساس بالبشر.. ولا ندرى قد تفاجأ بقرار جديد يلطش منك ما تبقى فى الجيب لتنتظر ما يأتى به الغيب.
الرأسمالية اخترعت من زمان حاجة اسمها «الضرائب التصاعدية»، وهدفها باختصار أن «الغنى يدفع أكثر»، حتى إن هذه الضريبة وصلت فى الوقت الحالى إلى نسب عالية تجعلك تفح فمك مندهشًا «مسبهلًا»، وتجدها قد تبلغ ٦٠٪ من الربح فى بعض دول أوروبا، وهذا هو سر السؤال المطروح فى بداية هذا الكلام «الفارغ»، وهى ضريبة تنحاز بالأساس إلى فكرة «خلق التوازن الاجتماعى» بما يضمن استقرارًا حقيقيًا، فلا يعانى المجتمع أرقًا أو قلقًا فى أى لحظة من اللحظات، إلا لأسباب أخرى.
لا أعلم على وجه التحديد من هو الخواجه العبقرى «بجد» الذى تفتق ذهنه عن فكرة هذه الضريبة، ولا أعلم أيضًا العام الذى بدأ فيه تطبيقها.. كل ما استطعت التوصل إليه يكمن فى عبارة تتحدث عن المجتمع البريطانى: «عن آثار الضريبة التصاعدية على الدخول الكبيرة وإنفاق الدولة، فى تعديل توزيع الدخل قدر الدكتور «بارنا» أن إعادة توزيع الدخل من الغنى إلى الفقير بلغت ٦.٢٥٪ من مجموع الدخل القومى عام ١٩٣٧».
هذه العبارة وردت عرضًا فى الترجمة العربية لكتاب «الأجور»، الصادرة عام ١٩٥٢ للباحث المدقق ظريف عبدالله، والتى صدرت طبعته الأولى بلغته الأصلية عام ١٩٢٢، ضمن سلسلة «مكتبة جامعة كامبردج الاقتصادية»، لمؤلفه الدكتور موريس ضب، أستاذ الاقتصاد بالجامعة، ونفهم منها أن الضريبة التصاعدية جرى الأخذ بها عام ١٩٣٧، إن لم يكن قبل ذلك.
ما رأيكم «تانى وتالت» هل انهار الاقتصاد البريطانى أم قوى بنيانه؟!.
فلاش باك يعود بنا إلى عام ٢٠١١، فى محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، دعا عمر سليمان «رحمه الله» بصفته نائب رئيس الجمهورية، عددًا من قيادات الأحزاب والقوى السياسية لاجتماع عاجل، كان زاخرًا بالمداولات والمناقشات، وطرحت قيادة حزبية، فيما طرحه كثيرون، أن يعلن عمر سليمان بدء تطبيق الضريبة التصاعدية حتى يشعر الناس أن هناك بصيصًا من الأمل يلوح فى الأفق، ويتجه بالوطن نحو تحقيق «العدالة الاجتماعية» باعتبارها شعارًا من شعارات «٢٥ يناير».
قبل أن تكمل القيادة الحزبية الكلام، انتفض أحدهم يصرخ: «دى فكرة شيوعية.. أنتوا عايزين تطردوا المستثمرين؟» «لاحظ التعبير نفسه لا نزال نسمعه حتى الآن». المهم.. بُهِتَ الذين فى الاجتماع وخيم الوجوم على الجميع، بعدما اكتشفوا أن «الذى صرخ» ينعم بجهلٍ لا مثيل له، فالدول الشيوعية «الله يرحمها» لم تكن تعرف شيئًا اسمه الضريبة التصاعدية، وكانت لها أساليبها الأخرى لخلق التوازن المجتمعى، ولا مجال هنا للدخول فى تفاصيل «عالم انتهى».
دلونى يا سادة عن دولة التزمت بتنفيذ «روشتة الصندوق»، وتعافت تمامًا من أمراضها التى أصيبت بها بفعل فاعل اسمه «السياسات الحكومية».. سمعنا كثيرًا أصواتًا تنادى بالبحث عن حلول تنقذ البلاد والعباد من أزمة اقتصادية خانقة، وصرخ كثيرون مطالبين بأفكار من خارج الصندوق، فإذا بنا ننحشر «جوه الصندوق»!. ولعلم من لا يعلم، فإن الأصوات المنادية بذلك لم تكن تتكلم «حنجورى» ولا تطرح أفكارًا شيطانية، والعياذ بالله، مثل التأميم والمصادرة والكلام البايخ ده.. كانت ولا تزال تنادى بحلول واقعية تؤمن بأنه لا سبيل للنهوض إلا بالتنمية المستقلة. ولا أحد يبنى لشعب آخر مستقبلًا مشرقًا، وبعض هذه الأصوات خرجت من قلب معسكر المستثمرين على لسان رجل يعى الدور الحقيقى للصناع والمستثمرين بأبعاده المختلفة، فلا ينظر إلى زيادة أرصدته البنكية ولو على حساب حق المجتمع والناس.. أما هذا الرجل ورؤيته فنتحدث عنه وعنها عندما نكمل مشوارنا مع «التصاعدية» بعد فاصل قد يطول أسبوعًا.
وسلامًا على الصابرين.