أعزائى المديرين التنفيذيين، أكتب إليكم اليوم، لأنه سيصبح واضحًا لكم عما قريب، أنكم ستكونون بحاجة إلى أداء وظيفة لم يخطر على بالكم القيام بها أبدًا من قبل، ألا وهى إنقاذ أمريكا من رئيس لديه رؤية مختلفة، بشأن الكيفية التى يعمل بها العالم، والدور الذى يجب على أمريكا أن تلعبه فيه.
والمجموعة الوحيدة التى يوليها ترامب بعض الاحترام، والتى يمكنها الوصول إليه، وربما يمكنها أن تجابه الغرائز الأيديولوجية لـ«بانون وشركاه» تضم أشخاصًا مثل بيل جيتس، وتيم كوك، وجيف إيميلت، ومارك زوكربيرج، وإريك شميدت، وجامى دياموند، ومايك بلومبيرج، وإيلون ماسك، وأندرا نويى، وجينى روميتى، ودينيس مويلينبيرج، ودوج ماكميلون.
وإذا ما نفذ ترامب وعوده بشأن تخفيف القيود التنظيمية، وتحسين البنية التحتية، والإصلاح الضريبى، فإن الأمر المؤكد هو أن شركاتكم ستشعر بموجة طارئة من النشوة، ولكن إذا ما استمعتم إلى ما يقوله ترامب و«بانون»، فستعرفون أن رؤيتهما لأمريكا والعالم، تختلف عن أى شيء واجهتموه فى حياتكم، كقادة أعمال. فهما يلهوان، ويبدوان سعيدين للتخلص من أنظمة كبرى مثل النافتا، ومنظمة التجارة العالمية، والاتحاد الأوروبي، وهى أنظمة تقود وتتحكم فى حركة جزء كبير من الاقتصاد العالمى. وهم يؤمنون بأشياء يمكن التدليل على خطئها بسهولة، من قبيل أن أغلبية فقد الوظائف فى الولايات المتحدة سببها المكسيكيون والصينيون، فى حين أن سببها الحقيقى هو الاعتماد على الرقائق وأجهزة الكمبيوتر، أو ما يعرف بأدوات تحسين الإنتاجية.
نعم هناك بعض الأشياء صحيحة حتى لو كان ترامب يؤمن بها، ومنها: أن أمريكا نجحت فى إدماج المسلمين فى مجتمعها على نحو أفضل من أى دولة أوروبية، وهو ما يرجع لطبيعة أمريكا ذاتها، كبوتقة انصهار. وجعل المسلمين جزءًا من مجتمعنا فى الوطن، وحلفاء لنا فى الخارج، بدلًا من معاملتهم كغرباء دائمين، جعلنا أكثر أمنًا منذ الحادى عشر من سبتمبر، وتجاهل هذا الأمر ينطوى على خطر جسيم.
وبمناسبة الحديث عن الخطر، قد يكون من الملائم أن نسأل أنفسنا: ما هو سبب تدفق أعداد قياسية من المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، والشرق الأوسط، وأمريكا الوسطى، على أوروبا، وأمريكا؟ هناك سببان لذلك هما: الجفاف، والانفجار السكانى فى الدول الواقعة فى تلك المناطق. ولكن ماذا يقترح ترامب و«بانون» لحل هذه المشكلة؟ إنهما يقترحان تجاهل التغير المناخى، وإيقاف المساعدات التى تقدمها حكومة الولايات المتحدة فى مجال تنظيم الأسرة فى الدول النامية.
ولا غرابة أن يقترحا ذلك، فليس هناك شيء مرتبط بالآخر فى عالمهما، فكل ما هنالك فى نظرهما إما خانة يتعين تسديدها، أو التأشير عليها، أو جدار يتعين بناؤه.
وفى يوم الإثنين الماضى، نقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن «بانون» قوله إنه وجيف سيشن، المرشح لشغل منصب المدعى العام «وزير العدل»، كانا فى المركز من حركة ترامب المسماة «الحركة المؤيدة لأمريكا» ـ وهى حركة فهمت على نحو خاطئ، من قبل النخبة الكوزموبوليتانية فى الميديا الأمريكية ـ وأن ما نشهده الآن ـ حسبما يقول ـ هو ولادة نظام سياسى جديد. وعندما يخبرك شخص ما بأنه يعمل على توليد «نظام سياسى جديد» فى أمريكا، فيجب عليك أن تشعر بالخوف. أقول ذلك لأننى أخشى من «بانون»، ومن احتمال استغلاله لترامب واستدراجه إلى مهمة تبشيرية، أى إقناعه بأن «نظامه السياسى الجديد» لا يتعلق فحسب بالوظائف، وإنما بالثقافة، وبكونه محاولة لإعادة خلق أمريكا الخمسينيات، أى إعادتها للوضع الذى كانت فيه دولة يهيمن عليها المسيحيون البيض «وليس الكوزموبوليتانيون»! دولة لا يتحدث أحد فيها بالإسبانية فى محلات البقالة! دولة لم يكن كبار المديرين التنفيذيين فيها يحملون أسماء مثل «ساتيا» أو «ساندار»! دولة يستطيع كل عامل فيها أن يحصل على وظيفة مرتفعة الأجر، ولا تتطلب سوى مهارات متوسطة! دولة لا تحتاج لإقامة حواجز تجارية، وتتطور فيها عملية التحول إلى التشغيل الأوتوماتيكى، بوتيرة بطيئة، لن تضطروا معها لقضاء عمركم كله فى التعلم!
وإذا كان هذا هو العالم الذى يريد ترامب أن يأخذنا إليه، فإن ذلك يعنى أنه سيأخذنا لمكان مظلم. فالطريقة التى يمكننا بها أن نحسن من أحوال العمال الأمريكيين، لا تكون من خلال بناء جدران أكثر ارتفاعًا، وإنما بناء مجتمعات أكثر قوة.
ولذلك لا تنخدعوا بما يقوله ترامب، فالأعمال التى تقودونها، أعزائى المديرين التنفيذيين، ستزدهر فقط، عندما تكون أمريكا هى البلد الذى يعد نفسه، ويعد عماله للحياة فى عالم يخلو من الجدران، وليس بلدًا يعمل على بناء مثل تلك الجدران.
نقلًا عن الاتحاد الإماراتى