قال الكاتب الريطاني ديفيد جاردنر إن تركيا رغم ما تتلقاه من ضربات
إرهابية وما يعانيه اقتصادها من تراجع ورغم انخراط جيشها في سوريا، إلا أنها
منشغلة رغم كل ذلك بحملة تستهدف تغيير الدستور وتخويل الرئيس رجب طيب أردوغان ما
يتمتع به نظيره الروسي فلاديمير بوتين من سلطات.
وأضاف جاردنر في مقال له بصحيفة الـفاينانشيال تايمز أن أحدا لا
يمكنه الجزم بفوز أردوغان في الاستفتاء المزمع إجراؤه في أبريل على الرغم من
إحكام قبضته على السلطة وتضييق الخناق على الإعلام.
ورأى الكاتب أن وراء هذا الواقع الدرامي الذي تعيشه تركيا، ثمة أسئلة
كبرى حول مستقبل البلد العضو في حلف الـناتو والمرشح للاتحاد الأوروبي، البلد
الذي كَفّ منذ وقت طويل عن تمثيل دعامة الاستقرار في شرق أوسطي يشهد تداعيات، كما
كَفّ أيضا عن أن يكون شريكا يمكن للقوى الغربية أن تعتمد عليه.
وقال جاردنر إن تركيا تباشر توجهها الاستراتيجي الآن؛ إن المستر أردوغان
مصمم على تحطيم القيود الدستورية الرقيقة في ممارسة سلطته المتراكمة، بينما هو
الآن محاصر بين نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب رغم إعجابه
بكليهما كرَجُلين قويين.
وأضاف جاردنر بالإشارة إلى أن العلاقات بين تركيا والاتحاد
الأوروبي الذي لا ينوي جادا أن يعترف بأنقرة هي علاقات تتسم بالتبادلية؛ فإن
بروكسل تحاول منع تركيا من التوجه صوب الشرق عبر دعم الاتحاد الجمركي ذي العشرين
عاما كتعويض جزئي عن عشرة أعوام من الإحباط في مفاوضات بشأن دخول تركيا للاتحاد
الأوروبي.
وعلى الصعيد الروسي، رصد الكاتب رغبة أردوغان في الاقتراب من
الكرملين وذلك بعد إصلاح العلاقات مع بوتين في أعقاب الانقلاب الفاشل في يوليو
الماضي؛ فبغير ضوء أخضر من روسيا التي قلبت ميزان الحرب الأهلية السورية – بغير
هذا الضوء الأخضر لا تستطيع تركيا منع الأكراد السوريين من توحيد مناطقهم إلى
كيان ذاتيّ الحُكم مرتبط بالتمرد الكردي داخل تركيا والذي عاود الاشتعال.
من جهة أخرى، رأى صاحب المقال أن نظرة بوتين للعلاقة مع تركيا قد
تبدو تبادلية هي الأخرى: فهي مفيدة في تشكيل قوى ثلاثية مع إيران في سوريا، إضافة
إلى اعتبار تركيا بمثابة ركن قوي في المحور الأوروبي الآسيوي الذي هو بالأساس أحد
مشاريع بوتين.
وعلى الصعيد الأمريكي، رجح جاردنر أن يعمد المستر أردوغان إلى
التودد إلى نظيره الأمريكي دونالد ترامب والذي لقي فوزه في الانتخابات الرئاسية
ترحيبا واسعا من جانب أردوغان وإعلامه الذين يتوقعون أمورا غير واقعية فيما يتعلق
بتسليم الولايات المتحدة للداعية فتح الله كولن الذي يتهمه نظام أردوغان بالتدبير
للانقلاب الفاشل.
ورأى الكاتب أن الأمر الأكثر أهمية هو ما إذا كانت واشنطن ستظل داعمة
لمقاتلي الأكراد السوريين في حملتهم لتحرير مدينة الرقة من تنظيم داعش، إن تركيا
ربما تحتاج إلى توجيه قواتها صوب الرقة شرقي سوريا للحيلولة دون دعم الرئيس
الأمريكي لمقاتلي الأكراد السوريين، غير أن القوات التركية لا تزال منخرطة في
غربي سوريا.
واختتم جاردنر قائلا نقلا - عن أحد الباحثين الاستراتيجيين في إسطنبول: "إذا لم تعلن تركيا التزامها بتحرير الرقة من قبضة داعش، فكيف يمكن لها مهاجمة الولايات المتحدة إذا دعمت الأخيرة الأكراد (السوريين)؟"