نبدأ فى مطالعة تحليل رفيق جبور للوضع فى مصر. والتى يحدد فيها دور حزب العمال والفلاحين، ومسألة ضرورة وجوده، وكيفية تأسيسه وممن يتكون. وعن السؤال الأول يجيب قائلًا: لا يخفى أن الاستعمار يقوى شيئًا فشيئًا الآن، لا فى مصر فقط، بل فى جميع العالم. وأقدام المستعمرين أكثر رسوخًا فى مستعمراتهم اليوم مما كانت عليه فى أى وقت مضى بعد الحرب العظمى، وذلك لأن الحرب نهبت الضمائر إلى مطالب سياسية واجتماعية كانت الطبقة العاملة غافلة عنها، وأيقظت طبقة طال سباتها، ومن ثم أنتجت الحرب عقب انتهائها حركة فكرية عظمى، وسلسلة ثورات وإضرابات ومظاهرات واعتصامات لم ينس القارئ بعد أمرها، وقد عمّت هذه الحركة جميع أفراد الطبقة العاملة فى كل البلدان، وجميع شعوب المستعمرات، فالاستعمار هوجم بعد الحرب من كل ناحية، وكان مهاجموه أبناء الطبقة العاملة فى المستعمرات، وأبناء جميع شعوب البلدان الاستعمارية، فاهتزت أركان الاستعمار وكاد يسقط، إلا أن هذه الحركة ما لبثت أن همدت، وحدث رد فعل، فأخذ الاستعمار يسترجع قواه ويعود إلى صوابه الذى كاد أن يفقده، ولما قوى بدأ يهاجم مهاجميه السابقين، وأصبح مهاجموه فى موقف الدفاع. لكن هذا النمو فى قواه لا بد له من الاضمحلال، ولهذا الاضمحلال عوامل لا بد أن تؤدى إليه، والى تفكيكه وخلاص العالم منه. ومن هذه العوامل الخلافات العظيمة التى تقوم بين الدول الاستعمارية نفسها، وأيضًا جهاد الطبقة العاملة فى الدول الاستعمارية». ثم يتحدث بعد ذلك عن وضع مصر، وكيف أنه متى آن الأوان المناسب فى القضاء على الاستعمار. ولأن زعماء الحركة الوطنية لم يحسنوا التصرف عندما هبت الأمة المصرية مطالبة باستقلالها وحرياتها، ووضعوا هم أنفسهم على رأس القيادة دون وضع الخطط لاستمرار الجهاد ولا تحديد المطالب الشعبية تحديدًا دقيقًا.. ولم ينفذوا أيًا من المطالب التى وعدوا العمال والفلاحين الذين حملوا عبء النهضة وقذفوا بأنفسهم فى أتون «١٩١٩». ثم يقدم رفيق جبور درسًا قاسيًا قائلًا «إن الشعوب قد تنهض للدفاع عن فكرة مبهجة، وقد تندفع وراء الزعماء ودون أن تحاسبهم عن مطالبهم ومقصدهم ورغباتهم بعد فوزهم، ولكن ذلك لا يدوم طويلًا فلا تلبث النهضة أن تخمد، وذلك التقدم يقف ثم يعود القهقرى، وهذا هو ما حدث فى مصر. وبعد النهضة الوطنية عادت إنجلترا إلى وضع يدها الحديدية على عنق مصر وإلى التحكم فيها كما تريد وكما تشاء، وهكذا فلولا جبن الوفد المصرى وخوفه، ولولا معرفة الإنجليز بجنبه وخوفه، لما تجاسروا قط ولما فكروا قط فى امتهان حقوق مصر. غير أن عمل إنجلترا لم يؤثر إلا على الوفد المصرى الذى كان فى طليعة النهضة المصرية وأساء التصرف، لكن الاستعمار لم يتمكن من قتل روح الشعب الناهض، فلقد استطاع أن يوجه ضربة إلى الوفد قد تكون القاضية، أما روح الحركة الوطنية المصرية والحيلولة بين المصريين ومطالبهم، فهذا ما سيعجز عنه الإنجليز». ثم يأتى رفيق جبور إلى ما يريد تأكيده، فيقول «لقد تقهقرت الحركة الوطنية منذ أن خرجت من يد الطبقة العاملة من عمال وفلاحين وانتزعت قيادتها الطبقة الخاصة من الباشاوات وأرباب الأموال والأراضى، وكأنهم قد انضموا إلى هذه الحركة بدافع مصلحتهم الخاصة، فالبعض خاف نجاحها وانتقام عمالها وفلاحيها منهم، والبعض رأى المشاركة فيها، باحثًا عن مغنم، وطمعًا فى منصب، وبعضهم انساق مع التيار رغم أنفه، ولكن لم يكن لأى من هذه الأحزاب غاية قصوى لتحقيق آمال الوطن. إذن فأحزاب مصر اليوم ليست سوى جماعات سياسية تعمل بلا غاية ولا مبدأ، وتتقلب مواقفها مع المصالح التى يستهدفها أشخاصها «هذا هو حال مصر الآن، فهل آن الوقت المناسب لتأليف حزب العمال؟»، ثم يجيب على السؤال الأول «أن الطبقة العاملة من عمال وفلاحين لا يمكنها الانتظار إلى ما شاء الله حتى يقضى حزب على آخر وينتصر الوطنيون الحقيقيون على الوطنيين المزيفين ثم يتفرغ المنتصرون للنظر فى شئونها وإجابة مطالبها. إن للطبقة العاملة مطالب معروفة محددة، وهى تريد الانضواء تحت راية حزب ينيلها مطالبها ويدافع عنها، وقد تعلمت أن لا فائدة ترجى لها من الأحزاب الحاضرة، فيجب إذن أن تنشئ لنفسها حزبًا خاصًا بها». وهكذا وبعد هذا التحليل العلمى والواقعى وصل رفيق جبور إلى إجابة حاسمة للسؤال الأول. لكنه فى نفس الوقت لم يترك الأمر غامضًا، فقرر أن يلفت النظر إلى أن مثل هذا الحزب لن يكون مثل اتحاد النقابات العام، فيخلط بين الهيئتين لمجرد كون كل منهما مؤلف من العمال، فاتحاد النقابات هيئة اقتصادية لها غايات ومطالب خاصة، وحزب العمال هيئة سياسية لها غايات ومطالب خاصة أخرى.. ولا يجب خلط هذه مع تلك.
وبذلك يأتى رفيق جبور إلى السؤال الثانى، وهو ممن يتكون هذا الحزب؟
ويكون هذا ما سنتكلم عنه فى المقال المقبل.
ونواصل بحثًا عن إجابة هذا السؤال.