يوجد فى الوطن العربى، وفى العالم، من أوثر أن تطلق عليه تسمية: «الديكتاتور الوطني».. وأحسب أن ذلك ينطبق على «سبعة» ممن حكموا فى الوطن العربى، خلال ما يوصف: بعصر ما بعد جمال عبدالناصر..
عندنا أن هؤلاء السبعة يندرج اسم وحكم كل منهم، تحت هذه التسمية: «الديكتاتور الوطني».. وهم: هوارى بومدين، وعبدالعزيز بوتفليقة «الجزائر» ،صدام حسين «العراق»، معمر القذافى «ليبيا»، حافظ الأسد، وبشار الأسد «سوريا»، زايد آل نهيان «الإمارات».
أما جمال عبدالناصر نفسه، فهو قضية أخرى، تمامًا.. إذ إنه قائد ثورة تاريخية كبرى، وكان يقود البلاد فيما يعرف بـ «مرحلة التحول الثوري»، وهى مرحلة بطبيعتها لا تنطبق عليها مفاهيم «الديموقراطية» و«الديكتاتورية التقليدية»، وحين رحل لم تكن «مرحلة التحول الثورى» قد اكتملت، ولا وصلت إلى «مرفأ» بعد، بحيث تنتقل مما يعرف «بالشرعية الثورية» إلى الشرعية الدستورية المستقرة للدولة، وشأن عبدالناصر فى هذا، مثل «لينين» قائد الثورة والدولة الروسية، و«ماوتسى تونج» قائد الثورة والدولة الصينية، و«هوشى منه» قائد الثورة والدولة الفيتنامية، و«تيتو» قائد حركة التحرر الوطنى والدولة فى يوغوسلافيا.. وغيرهم.
وقد صرح عبدالناصر مرارًا، وبنصوص موثقة معروفة، فى أعقاب عدوان ٥ يونيو ١٩٦٧، بأننا فور إزالة آثار هذا العدوان، سوف ننتهى من مرحلة التحول أو الانتقال الثورى، وسوف نشرع فى إقامة مجتمع الديموقراطية بمفهوم وصيغة التعددية الحزبية «راجع وثائق كل من: عبدالمجيد فريد ود. هدى عبدالناصر.. وغيرهما». مضينا إلى هذا «الاستطراد» لكى نقول فى البداية «وفى مواجهة بعض ما، ومن نتوقع» إن عبدالناصر تحديدًا، هو خارج هذا الموضوع والمقام الذى نتحدث فيه ونعالجه فى هذه السطور والمقال.
إن فكرة، أو تسمية: «الديكتاتور الوطني»، هى وحدها فى تقديرنا ما يفسر نقمة، وهجمة قوى الاستعمار العالمى، ورأسها الأمريكى فى عالمنا، ورأس الحربة والقاعدة الأساسية لها فى منطقتنا وأمتنا «الكيان الصهيونى»، ضد أنظمة حكم بالذات من ذكرنا ضد «صدام حسين، معمر القذافى، حافظ الأسد وبشار الأسد»، أى الشخصيات التى ترأست هذه الأنظمة وجسدتها وقادتها على نحو جلى، وعلى نحو اعتبرته تلك القوى الاستعمارية مستفزًا لها، وخطرًا على مصالحها إلى حد كاف لكى تتربص بها، ولكى تتحين الفرص لإزاحتها عن الطريق، وتتصيد لها أية أخطاء فى الحساب أو فى التقدير، للاستفادة من ذلك فى التعجيل بهذه الإزاحة أو الإطاحة، وحتى لو لم تكن تلك الشخصيات والنظم، قد وقعت فى أى من الأخطاء المغرية أو الموحية بالاستفادة، وباتخاذها كمبرر أو «تكأة» للتخلص والإزاحة، فإن القوى الاستعمارية ما كانت لتتأخر قط عن افتعال الحجج واصطناع المبررات، واختلاق المسببات والذرائع، والمثل الكبير واضح بل صارخ، فى أكاذيب الادعاء بامتلاك القدرة النووية الخطرة «على السلم العالمي» لدى النظام فى العراق الذى يقوده «صدام»، وبالطبع لم يجد دهاقنة الإدارة الاستعمارية الأمريكية، أو البريطانية، لاحقًا، أية غضاضة أو حرجًا، فى التصريح كذبًا وزيفًا، بأنه لم يكن ما توفر لديهم من معلومات فى هذا الخصوص، على الدقة الكافية، إلى آخر ذاك الهراء والزعم الوضيع، سياسيًا وأخلاقيًا. وقد كانت دائمًا، ولاتزال، أسخف النكات بل أحط الادعاءات، أنهم أى القوى الاستعمارية تهدف أولًا، إلى تخليص الشعوب من «ديكتاتورية واستبداد» هذه الأنظمة والشخصيات، والمفارقة، بل والمقزز فى الحقيقة، أن محاولاتها باستمرار للإطاحة، تكون أولًا وأساسًا عبر «توظيف» واستعانة بحكام ونظم فى الوطن العربى، هم أكثر صور الديكتاتورية والاستبداد جبروتًا، وقمعًا و«بوليسية»، كما شاهدنا على سبيل المثال فى محاولة وجريمة العدوان على العراق، على نحو يفضى هكذا إلى تفكيكه وتحلله، وإرجاعه إلى مستويات قرون بعيدة فى الماضى من الضعف والفوضى، وقد استمروا فى حصاره والعدوان المتكرر عليه لأكثر من عقد من الزمان «١٩٩١ /٢٠٠٣»، وحتى بعد أن انتهت مبكرًا «مسألة وأزمة ضم الكويت»، وبعنف وحسم عسكرى قادته أمريكا ووظفت وجرت من ورائها نظم حكم «ديكتاتورية مستبدة طبعًا»، مثل النظام المصرى وقتها «وأنظمة من مشرق الأمة وخليجها إلى مغربها»، أى حتى بعد أن انتهت أية ذريعة يمكن استغلالها فى هذا الخصوص، لكنهم تذرعوا بواقعة ضرب البرجين فى أمريكا «١١/٩/٢٠٠١»، عند العدوان على العراق، وكأن الذى يحكم العراق، ليس «نظام البعث العلمانى»، وإنما تنظيم «القاعدة» المتستر بالدين والشيخ أسامة بن لادن.
الخلاصة فى هذا: أن الرغبة المحمومة لدى القوى الاستعمارية، وفى مقدمتها الأمريكية-الصهيونية، هى أن تكون كل أنظمة الحكم فى أمتنا وقياداتها، تابعة لها، متعاونة معها «غير وطنية»، وليس يهم أبدًا أن تكون «ديكتاتورية» مستبدة، بل إنها وعلى العكس بالتمام مما تدعى دوامًا، تفضلها أنظمة وشخصيات مستبدة، لتفرض على الشعوب فرضًا، وتنفذ ولو بالحديد والنار الإملاءات والأوامر والنواهى الأمريكية الصهيونية، والتى تعلم يقينًا أن الشعوب لا تقبلها أبدًا، ولذلك فإن إدارات القوى الاستعمارية لا تطالب على الإطلاق تلك الأنظمة بتوفير أى قسط من الديموقراطية أو مراعاة جادة لحقوق الإنسان، كلا! إنها تريدها هكذا، وتريد أن تكون كلها من نمط: «الديكتاتور غير الوطني» وليس الطراز الذى تمقته «الديكتاتور الوطني»، ومن باب أولى الطراز الذى تمقته أكثر «الديموقراطى الوطني». والحق أنها تمقت بشدة وعلى الأخص، كل ديكتاتور وطنى كـ«صدام حسين» بالأمس، و«حافظ الأسد ومن بعده بشار الأسد اليوم»، حينما تجده يتجه جديًا، إلى الشروع فى بناء «قوة ذاتية»، وقدرًا ملحوظًا من التنمية والنهوض الاقتصادى والاجتماعى والثقافى، فهم يجدون أن مثل ذلك يشكل خطرًا على المصالح الاستعمارية فى المنطقة، وعلى قاعدتها وكيانها الصهيونى، لذلك كله كان لا بد أن يحاربوا هؤلاء، وأن يحاولوا دومًا الإطاحة بأنظمة حكم «الديكتاتور الوطني»، لهذين الشقين معًا:
•الأول: حرص هذه الأنظمة على استقلال القرار السياسى، من منطلق «وطنى» حقيقى، بعيدًا عن التبعية والخضوع السائد فى المنطقة للإملاءات الاستعمارية، رغم ومع طبيعة الحكم الديكتاتورية المؤكدة.
•والثانى: حرص هذه الأنظمة على بناء قوة ذاتية حقيقية، وتنمية مهمة ونهوض معقول، بجدية وهمة واضحة، فإذا اجتمع هذان الشقان معًا، وذلك كله مما تعتبره الصهيونية خطورة على كيانها، وإذا صاحب ذلك موقف ثابت معلن باستمرار ضد المشروع الاستعمارى وخاصة الصهيونى فى أمتنا كشأن نظم «الديكتاتور الوطنى»، وعلى الخصوص فى «العراق وسوريا وليبيا»، كان ذلك أدعى إلى «محاولة التعجيل الاستعمارى» للإطاحة بها.. ومهما كانت بشاعة وجنون صور الإطاحة أو جرائم العدوان.
■ بعض خواطرى.. فى الدين والدنيا:
■ يقول الإمام على: «توقع خيرًا مهما كثر البلاء»...
وقد حصل «كرّم الله وجهه».. هو نفسه: على الخير كل الخير، خالدًا أبدًا فى الخير والنور ومحبة كل المسلمين أيا كانت تسمياتهم فيما تلى عصره: «سنة» أو «شيعة»، بل ومحبة كل الإنسانية، بينما لم يحصل أعداؤه، «معاوية»، على الرغم من كل لؤمه، وابنه «يزيد»، قاتل الحسين الكريم العظيم.. إلا على اللعنات إلى الأبد. الل هم آت محمدا الوسيلة والفضيلة، والدرجة العالية الرفيعة والمقام المحمود الذى وعدته.. وكرم وجه الصحابة الأجلاء النبلاء، أبى بكر، وعمر وعلى، وأبو عبيدة بن الجراح، وأبى ذر، وحمزة، وابن الوقاص، وخالد، وعمار، والجميع، واغفر لعثمان، وابن عوف، وطلحة، والزبير بن العوام، وابن العاص، أما الذين قتلوا عليًا والحسن والحسين، فلن يسامحهم عاقل سوى. وإن سلاطين التوريث فى الإمبراطورية الجديدة بتأسيس معاوية، الذين كانوا يلعنون عليًا وبنيه فى الجوامع، إلى أن منعهم الخليفة الراشد النبيل عمر بن عبدالعزيز.. فكل هؤلاء عليهم اللعنات وغضب الله والناس أبدا.
إن الشعوب.. وأمتنا لا تنسى أبدًا من أحبوها بصدق، ومن فهموا الدين والدنيا كمحبة ورحمة وعدل اجتماعى حقيقى وكرامة إنسانية وحرية حقة «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا».. من أبى بكر وعلى والعمرين ابن الخطاب وابن عبدالعزيز.. إلى جمال عبدالناصر. ولسوف تبادل شعوبنا والإنسانية هؤلاء القادة العادلين النبلاء، محبة بمحبة.. إلى أبد الآبدين، وتلعن النماذج المشوهة النقيضة البغيضة، ذات الفهم المغرض المناقض لجوهر الدين.. والتى تجعله ظلمًا وظلاما: منذ أقدم سلطان جائر، إلى أحدث حكام جور وقهر وإفقار فى أمتنا وتاريخنا المعاصر.