الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

العراق.. بين صراع "الكاوبوي" والملالي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
سؤال مصيرى، بدأ يفرض نفسه بإلحاح مع اقتراب المرحلة الثالثة من معركة تحرير مدينة الموصل، هل يصبح عراق ما بعد التحرير مركز توافق أم صراع أمريكى - إيراني؟.. الصدمة التى أثارتها قرارات ترامب بمنع دخول مهاجرين من ٧ دول- ضمنها إيران والعراق- وفقًا لما جاء فى خطاباته خلال الترشح، تلاها تصاعد عسكرى واقتصادى بين أمريكا وإيران، فى المقابل بادر البرلمان العراقى بالتصديق على قرارات غلب عليها طابع الانفعال بدلًا من النظر إلى واقع الأحداث الحالية على أرض العراق. تبنى البرلمان قرار معاملة أمريكا بالمثل، والذى لا يمكن تطبيقه منطقيًا مع وجود ما يجاوز ٥٠٠٠ عسكرى ومستشار فى العراق ضمن قوات التحالف ضد الإرهاب الذى تقوده أمريكا، وفى توقيت حرب ما زالت قائمة لتحرير مدن العراق من داعش. هذا العدد لا يشمل الشركات الأمريكية وموظفيها، سواء فى شمال العراق أو باقى المدن، وهو ما يشكل تضاربًا صارخ بين القرار السياسى والعسكرى.
المؤكد أن سياسة ترامب ستتبنى تخفيف ارتباط التدخل العسكرى فى دول المنطقة العربية، مقابل تنمية الشق الاقتصادى لهذه العلاقات، ما يشترط بدوره تحقيق قدر كبير من استقرار الأوضاع الأمنية. رجل الأعمال المخضرم ترامب يدرك أن العراق هو أحد أفضل مناطق الاستثمار فى مختلف المجالات الاقتصادية، خصوصًا أن كبرى الشركات الأمريكية تشعر بأنها صاحبة الحق الأول فى الحصول على أكبر نصيب من «كعكة» ثانى أغنى دولة فى المنطقة -بكل مواردها- مثل العراق. تصريحات ترامب عكست المعنى بوضوح، تحديدًا ما ذكره مؤخرًا حول الخطأ الكبير الذى ارتكبته أمريكا فى حربها على العراق هو عدم مبادرتها احتلال حقول البترول وموانيه ومؤسساته النفطية.. بل ذهب لأبعد من ذلك حين أكد إمكانية وجود فرصة لتصحيح هذا الخطأ الكبير. عقيدة المصالح الاقتصادية الغالبة على سياسة إدارة ترامب لا تملك سوى خيارين لإطلاق أذرعها الاقتصادية، ليس فقط فى العراق، بل منطقة الخليج أيضًا. العودة إلى حالة التصعيد العسكرى والسياسى بين أمريكا وإيران لتحجيم نفوذ الأخيرة بما يعطى المجال لترسيخ المصالح الاقتصادية الأمريكية فى المنطقة، وهو ما يتسق مع تصريح ترامب مؤخرًا حول «إيران التى تبتلع مزيدًا من العراق». أمام هذا الاختيار سيعتمد رجل الأعمال ترامب على القوة العسكرية فى فرض مصالح أمريكا الاقتصادية. 
القراءة الأخرى نحو مسار التهدئة والتفاوض تبدو مستبعدة فى ظل اختيار ترامب وزيرًا للدفاع جيمس ماتيس، الذى سبق أن أعلن مواقفه حول إيران بوصفها أكبر داعم للإرهاب وأخطر تهديد للاستقرار والسلام فى الشرق الأوسط، كما حدد خمسة تهديدات إيرانية لأمن المنطقة، أبرزها التدخل العسكرى فى العراق وسوريا.. بل إن إدارة الرئيس السابق أوباما أقصت الجنرال من وظيفته كقائد للقيادة المركزية الأمريكية بسبب اقتراحه توجيه ضربات عسكرية لأهداف داخل إيران. وزير الخارجية الجديد، ريكس تيلرسون، أعلن عن تطابق موقفه بشأن الاتفاق النووى (٥+١) مع موقف ترامب حول ضرورة مراجعة هذا الاتفاق للتحقق من مصداقية والتزام إيران ببنوده، خصوصًا بعد سلسلة انتهاكات إيرانية تتعارض مع قرارات مجلس الأمن.
الدور الأمريكى أمام التحدى القادم ما بعد معركة تحرير باقى مدن العراق فى ضمان حالة أمنية وسياسية تشجع الشركات الأمريكية على اقتحام المزيد من الفرص فى العراق، بات أكثر تعقيدًا، ليس فقط فيما يتعلق بإيران.. إدراك أمريكا أن خروج تركيا عن مسار الديمقراطية الذى طالما حظى بإعجاب أمريكا ودول حلف شمال الأطلسي، وتحولها إلى دكتاتورية نتيجة سياسات أردوغان سيصطدم باحتياج أمريكا إلى القواعد العسكرية فى تركيا -أشهرها قاعدة انجرليك- ويجبرها على التغاضى عن اختفاء مبادئ الديمقراطية من تركيا.
تراجع الحالة السياسية فى العراق مقابل الانتصارات الرائعة التى يحققها الجيش والقوات الأمنية المشاركة فى الحرب على داعش، هو أخطر تحدٍّ يواجه العراق، وهو مازال يخوض هذه الحرب. المراجعة السياسية لمرحلة ما بعد الانتصار تفرض معالجة جريئة وحاسمة تقطع الطرق على عودة التنظيمات الإرهابية. «داعش» هو أحد الأبناء «السفاح» للطائفية، المحاصصة، سوء الإدارة، الفساد. فى حال غياب رؤية شاملة لبناء عملية سياسية جادة لا تقتصر على محاولات هشة للالتفاف على مطالب الشارع العراقي، غالبًا تجدد المخاوف من عودة عدم استقرار الأوضاع فى العراق بين تصاعد طائفى وانتفاضة الشارع، فى غياب كل مظاهر الأمل السياسى. 
العراق بالتأكيد طرف حاضر بقوة فى التصعيد الأمريكي-الإيرانى الذى شهد مؤخرًا عدة إجراءات عسكرية واقتصادية ضد إيران، خصوصًا أن عددًا كبيرًا من قيادات إدارة ترامب -على رأسهم وزير دفاعه- سبق لهم أن خدموا فى العراق، وعلى دراية تامة بالدور الإيرانى فيها.