قبل أيام قليلة وبالتزامن مع الحديث عن التعديلات الوزارية المرتقبة،
بدأ أغلب الوزراء فى الظهور إعلاميا بكثافة غير مسبوقة للعديد منهم، حتى أن الأمر
يصل إلى أنه يمكن أن تجد فى يوم واحد ثلاثة أو أربعة وزراء كل منهم على شاشات
التلفزيون المختلفة بمساحة زمنية طويلة، وبدا السادة الوزراء وكأنهم يدافعون عن
أنفسهم مرة، ومرة أخرى يطرحون المشكلات التى تواجههم على الرأى العام بمنطق مشاركة
المواطنين فى تحمل المسئولية، يطرحون زوايا جديدة ومختلفة للتحديات التى تواجهها
الحكومة لم يكن يتم تناولها إعلاميا أو يطلع عليها المواطن البسيط، ورغم ما رسمه
هؤلاء الوزراء من صورة إيجابية فى هذا الأسبوع، وكيف بدا الإعلام المصرى قوميا
ومؤثرا وله أهمية باعتباره إحدى أدوات المشاركة المجتمعية كمراقب وناقد، وكيف ظهر
الوزراء يمارسون الشفافية والإفصاح وإطلاع المواطن على تفاصيل إدارتهم للملفات
الهامة، ويستعرضون محاولاتهم فى السيطرة على الأزمات الأخيرة بصدق.
إلا أن المتابع البسيط يعلم علم اليقين أن هذا المشهد لم يكن ليخرج
بهذه الصورة إلا بسبب الحديث عن التغييرات الوزارية، فبعض هؤلاء الوزراء لم يصدر
عنه بيان صحفي واحد ذو قيمة منذ توليه حقيبته الوزارية، وبعضهم رفض التعامل مع
وسائل الإعلام أو الإفصاح عن المشكلات التى تواجههم، رغم أنه حق مكتسب للإعلام
بناء على حق المواطن العادى فى المعرفة والإطلاع.
تذكر السادة الوزراء أن هناك مواطنا من حقه أن يعلم حقيقة ما يمر به
وطنه، وإن كان سلبيا، وأن هناك أدوات للتواصل مع المواطنين على رأسها الإعلام،
وهنا يجب أن نوضح أننا نتحدث عن وسائل الإعلام الجادة والمهنية، ولا شك أن هذا
التجاهل وعدم الشفافية يعد أحد أهم الأسباب فى حالة الضيق المنتشرة بين المواطنين
من جميع الطبقات من أداء الحكومة الحالية.
لقد تسبب غياب هؤلاء الوزراء فى انتشار عدد من الشائعات وزيادتها بما
وضع أجهزة الدولة في العديد من الأزمات دون سبب وهو الأمر الذي أدى إلى توريط
أجهزة الدولة في البحث عن كيفية نفي هذه الشائعات وتقليل الآثار السلبية وطرح
المعلومات الصحيحة وإعادة نشرها للمواطنين، وفى أغلب الأحيان تكون تلك الشائعات قد
انتشرت وأصبحت واقعا ملموسا لا تستطيع بيانات النفي والتصحيح القضاء عليها أو
وأدها ذلك لأن من المتعارف عليه أن بيانات التصحيح والنفي لا تحقق نفس الانتشار
ولا يتوصل إليها إلا من يرغب فى البحث عن حقيقة الشائعة والتأكد من صحتها وهم
قليلون، وفى المقابل فإن هناك عددا آخر من الوزراء كان أداؤه على العكس تماما،
وكان ظهورهم في وسائل الإعلام بكثافة شديدة من البيانات والتصريحات الصحفية التي
كانت سمتها الأساسية عرضا للمؤشرات الإيجابية واستعراض إنجازاتهم فقط ولجأ هؤلاء
إلى تذكير الإعلام أكثر من مرة بنفس الإنجاز وبنفس العبارات، حتى فقدت كلمة إنجاز
وقعها على أذن المواطن الذى لم يشعر بأثر هذا الإنجاز فى يومه، وبدت ملفات هؤلاء
الوزراء وكأنها إيجابيات وإنجازات فقط دون أى سلبيات أو مشكلات تواجههم، وكأنهم فى
معزل عن باقى الحكومة والأزمة الاقتصادية.
لا شك أن كلا النموذجين غير واقعى ومرفوض ويسبب المشكلات ويصدر صورة
سلبية عن أداء الحكومة وقدرتها على إدارة ملفاتها، خاصة فى فترة بها العديد من
التحديات العنيفة لبناء الدولة المصرية الحديثة.
إن المقصود هنا هو فكر الاحترافية وإدارة ملف التسويق الإعلام واستخدام
وسائل الإعلام في المساعدة على تحفيز المجتمع وعرض الحقائق على المواطنين ليكونوا
شركاء فى تحقيق الإنجازات وتحمل المسئولية كما أنه أيضا أداة هامة لإشراك المواطن
في التعامل مع الأزمات التي يتعرض لها الوطن.
إن للظهور الإعلامي قواعد منظمة فهو علم ورؤية وليس استعراضا وأحاديث
وتصريحات عنترية كي لا يصاب المجتمع بصدمات عنيفة عندما تطفو الأزمات فجأة على أرض
الواقع.