دخلت العلاقات الأمريكية الإيرانية منذ تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد ترامب، منعطفًا جديدًا يتميز بالتوتر، إذ شهد مطلع فبراير الحالي تصاعد نبرة التصريحات والإجراءات الأمريكية ضد إيران بشكل غير مسبوق، الأمر الذي يثير الكثير من علامات الاستفهام بشأن حدود التوتر الحاصل بين واشنطن وطهران، وآفاقه المستقبلية وانعكاساته على علاقات البلدين وخصوصًا مصير الاتفاق النووي بين إيران والدول الستة وعلى مستقبل الأوضاع الإقليمية.
كان ترامب قد غرّد قائلًا "إيران تلعب بالنار، والإيرانيون لا يقدّرون كم كان أوباما طيبًا معهم، أما أنا فلست مثله"، وقبل هذا التصريح،
كانت الحدة قد فرضت نفسها على أجواء العلاقات، تزامنًا مع تجربة إيران لصاروخ باليستي، ثم ارتفعت لتأخذ شكل العقوبات والتهديد العسكري .
هذه التصريحات المتبادلة بين إيران والإدارة الأمريكية الجديدة تُشير إلى انعدام الثقة والود بين الجانبين، فبعد تحذير مستشار الأمن القومي الأمريكي مايكل فلين لإيران إثر تجربتها الصاروخية الأخيرة، انتقد ترامب بشدّة التدخل الإيراني في العراق وتعزيز نفوذها فيه رغم تبديد الولايات المتحدة ثلاثة ترليونات دولارهناك، على حد تعبيره .
وكانت إيران من بين لائحة الدول السبعة التي مُنع حاملو جنسيتها من دخول الولايات المتحدة، وقد أدى ذلك لتعميق التوتر بين الطرفين، إذ بادلت طهران ترامب بمنع مقابل لمواطنيه، رفدت واشنطن التصعيد بفرض عقوبات شملت 25 شخصًا وكيانًا إيرانيًا، عبر تجميد أصولهم ومنعهم من إجراء صفقات مع شركات أمريكية.
وهددت طهران بالرد بالمثل والشكل المناسب على أي خطوة، لا سيما وأن إيران تعتبر العقوبات غير مشروعة، والتجربة الصاروخية التي أجرتها لا تناقض روحية الاتفاق النووي .
لماذا هذا التصعيد؟
ثمة مجموعة من الأسباب وراء التصعيد والتوتر في العلاقات بين واشنطن وطهران، يأتي في مقدمتها: الرغبة الأمريكية لممارسة دورها كقوى عظمى، وعودتها كلاعب مباشر في أحداث المنطقة من دون أجندة سياسية واضحة .
في الوقت الذي ترغب فيه طهران فى القيام بأدوار إقليمية في المنطقة، إذ استفادت إيران كثيرًا من انكفاء أوباما لتعزيز احتلالها عمليًا في كل من العراق وسوريا، كما استفادت من تفادي الصدام المباشر مع الولايات المتحدة، والغرب عمومًا، بتبنيها ما بات يعرف بنهج الحروب بالوكالة في المنطقة، من خلال إنشاء وتسليح ميليشيات تشاركها الأجندة السياسية، وتحارب بالوكالة عنها، وتغطي بالتالي وجودها ونفوذها السياسي حيث تعتمل تلك الحروب.
ثاني الأسباب يكمن في طبيعة المرحلة السياسية التي تشهدها المنطقة بعد عام 2011 والخلل البنيوي الذي أصاب ثوابت الدولة وظهور التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها "داعش" التي أحدثت خللًا في موازين القوى في المنطقة والعالم .
أما ثالث الأسباب فهو طبيعة التجاذبات السياسية العالمية وتطورات المرحلة الراهنة في تسويات الأزمات الإقليمية، فالأولوية لدى واشنطن في سوريا هي إزالة داعش، وإخراج الإيرانيين وحزب الله منها، وليس هناك مشكلة لدى الأمريكيين في التحاور مع الروس والحكومة السورية، بل إن واشنطن تريد اتفاقًا مع الروس يتركز على تقليص النفوذ الإيراني في سوريا حتى مع بقاء بشار الأسد .
ومع غياب تفاهم أمريكي - روسي، يتجه الصدام بين أمريكا وإيران نحو التصعيد في العراق وسوريا، إلا إذا اختارت طهران التهدئة. لكن، كيف يمكنها التهدئة وهي تعرف أن إدارة ترامب تساوي بين خطورة دورها ودور «داعش».
كان أوباما يحارب «داعش» بالتحالف مع ميليشيات إيران في العراق، أما إدارة ترامب الجديدة فتريد أن تضع حدًا لهذه السياسة، وأن تفصل الأسد عن إيران، والأخيرة عن روسيا .
روسيا والوضع الإقليمي
من الواضح إذن أن إيران ستكون مهددة بتوجهات "ترامب" المناوئة، حيث سبق وأعلن أنه سيعمل على إعادة فتح باب التفاوض حول الاتفاق النووي مع طهران لأنه يعتقد أن الاتفاق أعطى لإيران ما لا تستحق. وهو الأمر الذي يعني ضمنًا المساس بجميع الإجراءات والترتيبات التي طالما ارتكزت عليها إيران لبناء الثقة مع المجتمع الدولي فيما يتعلق بسياستها النووية، ما قد يدفعها نحو اتباع سياسة أكثر عدائية مع واشنطن، ولو على الصعيد الدبلوماسي التصريحاتي.
وقد تُعيد إدارة الرئيس "ترامب" التلويح مجددًا بالخيار العسكري المحدود ضد منشآتها النووية، بما يؤثر على تغلغل إيران في عددٍ من الملفات الإقليمية، خاصةً في سوريا واليمن والعراق.
كما أن المحور الروسي- الإيراني ربما يكون على المحك حال وصول العلاقات الأمريكية- الإيرانية إلى طريق مسدود في وقت تحرص فيه روسيا على تضييق مساحات الخلاف مع الإدارة الأمريكية الجديدة، للاستفادة من مساحات التوافق بينهما لتعزيز استراتيجية موسكو في الشرق الأوسط، والتي تعمل في سياق ما يُمكن وصفه بـ"التنافس الإزاحي" المتدرج؛ حيث تهدف روسيا في الأخير إلى إزاحة النفوذ الأمريكي في معاقله التقليدية بالمنطقة لإعادة تشكيل النظام الدولي على أسس جديدة .
وتأسيسًا على ذلك يمكن القول أن مستقبل العلاقات الأمريكية "ترامب" مع روسيا "بوتين" ستحدد آفاق التصعيد وحدوده مع إيران، وكذلك ستحدد طبيعة التسويات للأزمات الإقليمية في سوريا والعراق واليمن .
وبناءً على ذلك تُصبح الإدارة الأمريكية الجديدة عاملًا حاسمًا فيما يتعلق بتحقيق الطموحات الروسية من عدمه، وفقًا لسيناريوهات حركتها الخارجية، لا سيما على صعيد الشرق الأوسط، والتي ستلقي بظلالها، سلبًا وإيجابًا، على السيناريوهات المتوقعة للدور الروسي في المنطقة، وهي إما الانكفاء بما حققته في المنطقة، أو التنافس المحدود، أو التنافس الإزاحي وتصفية كافة الخلافات
الجوهرية، والتأكيد على نقاط التماس المشتركة بين البلدين، وهو ما قد يقود في النهاية إلى إعادة تشكيل النظام الدولي والإقليمي على أسس جديدة تضمن لروسيا وأمريكا الحفاظ على صيغ توافقية لحل النزاعات الإقليمية في العالم .