لست موظفًا عند أحد.. وأمدح فى نبى مرسل من السماء للبشرية كلها
ذاع صيته فى عالم الغناء الشعبى بصفة عامة، وفى مدح الرسول على وجه التحديد، ويمثل حالة نادرة للغاية فى مجال «الموروثات الفلكلورية»، فهو لم يخرج من عباءة الطرق الصوفية ولم يكن حتى مسلما بل قبطيا، ما أتاح له أن ينال حظا وافرا من الشهرة، ويحصل على مكانة لائقة فى دولة المداحين، التى يتربع على عرشها أسماء ملء السمع والبصر مثل الشيخ ياسين التهامى وأمين الدشناوى وغيرهما.
مداحنا هو «مكرم المنياوي» الذى عرفه أبناء محافظات الصعيد ممن يحتفلون فى أفراحهم بمديح خير البرية، وأصبح لديه مكانة مشحونة بالروحانيات فى أوساط البسطاء، وهو ما دفع «البوابة» للالتقاء بـ «المداح القبطي» لنعرف منه: «كيف يذهب للكنيسة نهارا ويمدح الرسول ليلا؟».
يقيم «مكرم المنياوي» فى قرية «بنى أحمد الشرقية»، التى تبعد عن مدينة المنيا نحو ٦ كيلومترات جنوبا، وذلك داخل منزل لا يزال يحتفظ بين جنباته بالطابع الريفى البسيط كحال بقية أهالى الصعيد، والذى توجهنا إليه وسألناه: «كيف أصبح من أشهر مداحى الرسول وهو قبطي؟».
يقول «المنياوي» إنه احترف العمل فى المديح منذ عام ١٩٦٦، وكان الفن الشعبى بالنسبة إليه بمثابة «هواية» أكثر منها احترافا، وبمرور الوقت صارت مهنته والتى يعد أجمل ما فيها «التعرف على الناس».
لا ينفى مواجهته مشكلات وصعوبات كونه قبطيا يمدح الرسول، خاصة فى فترة التسعينيات التى شهدت انتشارا للجماعات المتطرفة خاصة فى الصعيد، مضيفا: «كان شيئا غريبا ونادرا أن تكون مسيحيا وتمدح فى الرسول وتأخد شهرة كبيرة، وكمان تورث ده لأولادك».
وعن المواقف التى واجهها، يشير إلى أن أحد الملتحين اقتحم حفل زفاف كان يحييه وطالبه بوقف المديح فورا، قائلا له: «انت مالك ومال الرسول؟»، واصفا الأمر بأنه «جهل وتأخر»، مضيفا: «هناك من يعتقد أن الدين الإسلامى عافية، وهذا غير صحيح، فهو دين سماحة ورحمة وعطف، والله لم يقل لنا أن نكره»، لافتا إلى أن الإخوان حاولوا إيقافه عن المديح بأى ثمن.
وأقر كذلك بمواجهته متاعب و مشاكل فى الكنيسة بسبب المديح، وقال إن «أى إنسان متعلم يجب أن يفكر قليلا.. المسيحى عندما يجلس لطعامه يقول (بسم الله القوي) والمسلم يقول (بسم الله الرحمن الرحيم)، وفى النهاية القوى والرحمن والرحيم هو الله»، لافتا إلى أن هناك أناسا يعتقدون أن «سعيدة» خاصة بـ «حنا» و«السلام عليكم» خاصة بـ «محمد»، وهذا جهل.
وأضاف «المنياوي»: «لا أكتفى بمديح الرسول فقط، وأحيانا فى الأفراح أقول بعض الكلمات الإسلامية، وكثيرا ما أتدخل للصلح بين العائلات.. عندما أمدح فى النبى فإنى أمدح رسولا مرسلا للبشرية كلها من قبل السماء».
وأشار إلى أنه أخذ المهنة كهواية فى البداية ثم بدأ فى احترافها، مضيفا: «حتى اليوم لم أستعن بمؤلف أو زجال أو ملحن، فأنا أؤدى كل ذلك.. أنا وداخل السهرة لا أحضر لها شيئا، والفنان اللى ملوش فى الارتجالى مش فنان». ونوه إلى أنه اختار المديح باعتباره فنا يجمع بين المسيحى والمسلم، وقال: «أردت طيلة هذه الأعوام إرسال رسالة مفادها أنه لا فرق بين مسلم ومسيحي».
وبسؤاله عن بعض الممارسات التى تشهدها الأفراح والسهرات، ولا تتلاءم أبدا مع الإنشاد الدينى والمديح، مثل شرب الخمر والحشيش، قال: «هناك أشياء فرضها على فن المديح ألتزم بها ولا أخالفها أبدا، فمثلا لا أستطيع أن أمدح الرسول وأنا أشرب سيجارة حشيش أو زجاجة خمرة أو بيرة، لكن ليس لى علاقة بالمتلقى الموجود أمامى فهو حر ويتحمل وزر نفسه». وعما إذا كان يرى أن مهنة الفن الشعبى مهددة بالانقراض، قال: «المديح والفن الشعبى لم ولن ينقرض، عكس الفن الإفرنجى فالمطرب تصعد به أغنية ثم يهبط بعدها وينساه الناس»، لافتا إلى أن لديه ولدين «ماهر» و«هاني»، وهما فنانان ويمدحان فى الرسول.