بعض ما جاء فى الحوار الذى أجرته جريدة «الخبر» الجزائرية منذ خمسة أيام تحديدا ٢٨ يناير مع راشد الغنوشي، رئيس حركة «النهضة»، حمل جملة من المغالطات دأب الإسلاميون على ترديدها بوعي، منطلقين من أنها حقائق علينا التسليم بها والترويج لها والدفاع عنها، نذكر منها هنا اثنتين، على النحو التالي:
أولا- توصيف الحالات والظواهر وحركة الأفعال الفردية والجماعية ذات الطابع السلبى داخل مجتمعاتنا العربية، بأنها ذات بعد ديني، وإعطاء مبررات لظهور الإرهاب فى أبشع صوره، من ذلك قوله: إن هناك ما يعرف بـ«الإسلام الغاضب».. وهو «تعبير مأخوذ من علم الاجتماع، وأن هذا مثل الإسلام الاقتصادى والإسلام الصوفى.. وأن السنّة فى العراق فى حالة غضب وتعمّق لديها الشعور بالهامشية والإقصاء، ولذلك وُلد (داعش) فى العراق من هذا الغضب.. ومَن أراد أن يقضى على (داعش)، عليه أن يقضى على ينبوع الغضب لدى سنّة العراق والسنّة فى سوريا، ويعطى للناس حقهم، وهى عملية تفسيرية وليست عملية تبرير».
هذا الكلام مردود عليه، لأنه لا يوجد إطار مرجعى للدين يقول بالإسلام الغاضب، إنما يمكن القول بوجود مسلمين غاضبين، وهم فى كل مكان وزمان، ولكن هذا لا يعطيهم الحق فى قتل البشر وتحطيم الدول، وتفسير السلوك بالطريقة التى وضحها الغنوشي، يُبَرّر الفعل الإجرامى مع أنه قال بعكس ذلك.
ثانيًا- طرح راشد الغنوشى مصطلحا جديدا يكشف عن التخبط تارة، وعن الانتهازية تارة أخرى، كما يفضح الخطاب البراجماتى للأحزاب الدينية حين تصل إلى السلطة، وهو مصطلح «الإسلام الديمقراطي»، وقال: «إنه وصف للتمييز والتمايز عن الإسلام السياسي..»، وأضاف: «نحن نقصد بالإسلام الديمقراطى أن نتفرغ للعمل السياسى من أجل الوصول للدولة سبيلا لإصلاح أوضاع المجتمع التعليمية والثقافية والصحية والاجتماعية والاقتصادية.. ونريد به التمايز عن العنف، لأن الإسلام السياسى مصطلح أطلقه مستشرقون على العاملين فى الحقل الإسلامى ووصفهم بالمتعصبين والعنيفين».
يصعب التسليم بالرأى السابق لسببين، الأول: أن تيارات وحركات وجماعات الإسلام السياسي، هاجمت الأنظمة الحاكمة، ودخلت معها فى صدامات مباشرة، وورَّطت المجتمعات فى سنوات من الدم، رافضة الصيغ التى طُرحت من أجل إقامة دولة عصرية مع المحافظة على التراث الديني، فكيف لها اليوم تسير على نفس الطريق من خلال طرح الغنوشى نظريا وعمليا ما سمّاه «الإسلام الديمقراطي»؟
والسبب الثاني: أن محاولة تطويع الإسلام للديمقراطية أو العكس لا يمكن تحقيقه، والصعوبة تكمن فى التداخل بينهما، فهل أحكام الإسلام ستخضع لشروط الديمقراطية، أم الديمقراطية هى التى ستخضع مبادئها للتصور الإسلامى للعلاقات وللوجود ولنمط الحكم.
هنا يطرح السؤال التالي: إلى من يتوجه راشد الغنوشى بخطابه هذا وهو يدرك أن هذا الخلط سيؤدى إلى مزيد من الإرهاب فى المجتمع نتيجة رفض المتطرفين للديمقراطية، كما سيعيد قراءة هذا النوع من الخطاب من صناع القرار والنخب، والشك فى محتواه بناء على تجارب سابقة؟ تأتى الإجابة من الغنوشى على النحو التالي: «.. نرى أن الإسلام الديمقراطى هو أن نكون جزءا من هذا العالم ونخاطبه بمفاهيمه ولغته وأدواته التى يؤمن بها، نحن نريد أن نعطى رسالة للعالم أن الإسلام فيه حرية وديمقراطية ومدنية وحقوق الإنسان، نريد أن ندخل إلى العقل الحديث من خلال نفس القنوات التى يفهمها ونرسل من خلالها أن هناك ديمقراطية إسلامية، مثلما هناك ديمقراطية مسيحية مثلا، فلماذا لا ندخل من هذه البوابات إلى العقل الحديث؟». هذه محاولة واعية لمخاطبة الغرب على حساب الدين والسلم الاجتماعي، وهنا مكمن الخطر.
نقلا عن الاتحاد الإماراتى