كانت بدايات أم كلثوم عام 1916 حين تعرف والدها على الشيخين زكريا أحمد وأبو العلا محمد، حين أقنعا الأب بالانتقال للقاهرة، وكانت تلك خطوت أم كلثوم الأولى، حيث أحيت ليلة الإسراء والمعراج بقصر عز الدين يكن، وأعطتها سيدة القصر خاتما ذهبيا، وتلقت أم كلثوم ثلاثة جنيهات أجرا لها.
بزغ نجم أم كلثوم عام 1928 حين غنت مونولوج "إن كنت أسامح وأنسى الأسية"، لتحقق الأسطوانة أعلى مبيعات وقتها على الإطلاق.
قدمت أم كلثوم العديد من الأغاني الرومانسية والوطنية، ولكننا اخترنا لكم 5 أغان، كان وراؤهم قصص وأسباب لخروجها، ومنها:
1- أنت عمري
يقول محمد عبدالوهاب في أحد اللقاءات التلفزيونية: أثناء حضوري لاحتفالات الثورة لتقديم التهنئة للرئيس تصادف وجودي مع وجود أم كلثوم، فقال عبد الناصر موجهًا الكلام لي ولأم كلثوم في وجود المشير عامر “ﻟﻥ ﺃﻏﻔﺭ ﻟﻜﻤﺎ ﻋﺩﻡ ﺍﺸﺘﺭﺍﻜﻜﻤﺎ ﻓﻲ ﻋﻤل ﻓﻨﻲ ﻭﺍﺤﺩ ﺃﻴﻥ ﺭﻭﺍﻴﺔ ﻤﺠﻨﻭﻥ ﻟﻴﻠﻰ ﺍﻟﺘﻲ ﺴﻤﻌﺕ ﺃﻨﻙ ﻟﺤﻨﺘﻬﺎ”، فرد المشير عامر، وقال: ﺍﻟﻤﻬﻡ ﺃﻱ ﻋﻤل ﻓﻨﻲ ﻴﺸﺘﺭﻜﺎﻥ ﻓﻴﻪ، فردت أم كلثوم: لا مانع وقلت أنا: أتمنى ذلك وانتهى اللقاء إلى هنا.
وفي يوم من الأيام جاء لي الفنان أحمد الحفناوي، وقال لي إن أم كلثوم على استعداد للغناء من ألحانك، ويحكي مصطفى الضمراني في كتابه “حكايات الأغاني” عن أغنية “أنت عمري” بأن هذه الأغنية في الأصل كانت مكتوبة لكي يغنيها محمد عبد الوهاب، لكنه فضل أم كلثوم على نفسه لكي تغنيها وتصبح أول عمل فني يجمع بينهم، لكن ظل هذا السر بين أحمد شفيق كامل الذي كتب كلمات هذه الأغنية وعبد الوهاب، ولم تعرف أم كلثوم بذلك لأنها كانت ترفض أن تغني أي أغنية كانت مكتوبة لأي شخص غيرها، وقد شهدت هذه الأغنية بعضًا من التعديلات لأم كلثوم على سبيل المثال كانت بداية الأغنية “ﺸﻭﻗﻭﻨﻲ ﻋينيك”، فقامت أم كلثوم بتغييرها لتصبح “ﺭﺠﻌﻭﻨﻲ ﻋﻴﻨﻴﻙ”.
2- مصر التي في خاطري
بعد ثورة يوليو 1952 تم إقصاء كل من كان له علاقة مع النظام السابق، وكانت أم كلثوم من أوائل الأشخاص الذين تم إقصاؤهم وقد منعت أغانيها من الإذاعة، بالإضافة لعزلها من منصب “نقيب الموسيقيين”، لأنها غنت للنظام السابق، وبسبب حصولها على وسام الكمال من الملك فاروق، ورغم أن أم كلثوم قد غنت للجيش في الفالوجا أثناء حرب فلسطين أغنية غلبت أصالح في روحي، إلا أن هذا لم يغفر لها، وكان قرار منع أم كلثوم قرارًا فرديًّا من أحد الضباط المسئولين عن الإذاعة، وعندما علم عبد الناصر بهذا الأمر قام بإلغاء هذا القرار، وكانت عودتها في أكتوبر 1952 بأغنية “مصر التي في خاطري” التي غنتها لثورة يوليو، من كلمات أحمد رامي وألحان رياض السنباطي، وأقيم الحفل في سينما ريفولي بوسط القاهرة.
3- الأطلال
كتب إبراهيم ناجي قصيدة الأطلال في حبيبته، التي كان يحبها في صباه وتركها لكي يدرس الطب، وعندما عاد وجدها قد تزوجت، وفي ليلة من الليالي دق جرس الباب رجلٌ يطلب مساعدته لأن زوجته في حالة ولادة صعبة، وعندما ذهب وجد أن هذه المرأة هي حبيبته، وتعددت الروايات عن سبب كتابة الأطلال، ولا نعرف أي الروايات أدق.
لم تغن أم كلثوم هذه القصيدة في حياة ناجي حيث قد عرضها عليها، لكن اندلاع ثورة يوليو أوقف هذا العمل، لكنها قامت بغنائها بعد وفاته بـ13عامًا، وقد غاب العود عن موسيقى هذا اللحن حيث رحل محمد القصبجى.
وللأطلال قصة غريبة بعد أن أخذ السنباطي القصيدة، وانتهى من ألحانها وجاء وقت تدريب أم كلثوم على الأغنية، وفي المقطع الأخير من القصيدة وهو “لا تقل شئنا- فإن الحظ شاء”، طلبت أم كلثوم من السنباطي تغيير القفلة، في هذا المقطع من العالية إلى القفلة الهادئة، لكن السنباطي رفض وغادر المكان.
وتوقفت الأطلال لمدة 4 سنوات رفض فيها السنباطي وأم كلثوم تغيير رأيهما؛ ولكن تدخل بعض الأصدقاء للصلح، وبالفعل وافقت أم كلثوم على عدم تعديل القفلة ووافق السنباطي بعد ذلك، وخرجت الأطلال إلى النور في عام 1966 وعند غناء أم كلثوم للمقطع الأخير الذي كان سببًا في الخلاف مع السنباطي، اشتعل المسرح بالتصفيق المدوي والمتواصل، وبعد الانتهاء من الحفلة لم تذهب أم كلثوم لبيتها كما تعودت، بل ذهبت لبيت السنباطي، وهي تبكي وتعلن عن أسفها في أنها كانت سببًا في عدم خروج الأطلال للنور منذ 4 سنوات.
4- جددت حبك ليه
قام أحمد رامي بتأليف هذه القصيدة “جددت حبك ليه”، وذهب كالعادة لكي يسمع أم كلثوم، ولكن لم يخبر زوجته بهذه القصيدة، وفوجئت الزوجة بأم كلثوم تغني هذه القصيدة فشعرت بالغيرة، وأحست بأن زوجها عاد يحب أم كلثوم مرة ثانية بعد انقطاع 20 عامًا، وتضايقت زوجته من ذلك وحاول أن يخبرها بأن هذا عمل أدبي ليس له أساس من الواقع، لكنها لم تصدق ذلك. هناك العديد من القصائد التي يرجح أن رامي قد كتبها في أم كلثوم، على سبيل المثال أغنية "ياللى كان يشجيك أنينى كل ما أشكى لك أسايا"، وأغنية “شرف حبيب القلب بعد طول الغياب”، وغيرها من الأغاني. وأول عمل جمع بينهما هي قصيدة الصب تفضحه عيونه.
5- حب إيه اللي أنت جاي تقول عليه
لعبت الصدفة دورًا كبيرًا في أول تعاون يجمع بين أم كلثوم وبليغ حمدي، حيث قام الفنان محمد فوزي بدعوة بليغ حمدي إلى سهرة في بيت الدكتور زكي سويدان، وأخبره بأن أم كلثوم ستكون هناك وكانت أم كلثوم قد سمعت بعضًا من الأغاني التي كان بليغ حمدي قد لحنها لبعض المطربين، ولعل من أشهر هذه الأغاني التي أعجبت بها أم كلثوم هي أغنية “تخونوه” لعبد الحليم حافظ.
ويقول بليغ حمدي: أثناء السهرة طلب أحد الأشخاص الموجودين أن تغني أم كلثوم، فنظرت إلى أنور منسي وطلبت منه العزف على كمانه، وطلبت عودًا وأعطته لي وقالت أسمعنا شيئًا من ألحانك فطلب مني على الفور محمد فوزي أغنية “حب إيه” وأعجبت أم كلثوم بالأغنية، وسألتني عن سبب عدم اكتمال لحن هذه الأغنية، فقلت لها لا يوجد سبب للإسراع في لحنها فطلبت مني أن أذهب إليها غدًا، وبالفعل ذهبت لها في اليوم التالي، وطلبت مني أن أسمعها لحن أغنية أمس، وقالت لي هل تحفظ بقية كلمات الأغنية؟ قلت لا، لكنني سأتصل بصديقي عبد الوهاب محمد الذي كتب هذه الكلمات، وجاء عبد الوهاب لبيت أم كلثوم، وقام بإلقاء بقية الكلمات وأعجبت بها، وقررت أن تغنيها ولم أكن أتصور أنني سأقوم بتلحين هذه الأغنية لها، بالإضافة لأغان أخرى، وقد انتهينا من هذه الأغنية في خلال 10 أيام.