قالت الدكتورة نوال سعداوي: إن الفكر الديني قائم على قهر النساء، وأن تجديده يبدأ من تحرير المرأة، مشيرة إلى أن الرجال يمارسون فسادًا أخلاقيًّا تحت سمع القانون، والمجتمع لا يحاسبهم ولا يعاقبهم، فنرى أن الرجل لديه حريات جنسية مطلقة، ودون قيود أخلاقية، ولا يعاقب على الزنا في المجتمع، إنما تعاقب المرأة وتحاسب من جميع الجهات، ولذلك نحن في حاجة إلى تغيير القيم والقوانين.
جاء ذلك خلال اللقاء الفكري الذي عُقد، أمس الخميس، بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، بحضور الباحث مؤمن سلام، وعدد كبير من الجمهور.
وأشارت نوال السعداوى إلى منظومة القهر التي تعاني منها النساء، مؤكدة أن قهر النساء يبدأ منذ طفولتهن، وتربيتهن بشكل خاطئ على القهر والضرب والإهانة، في ظل سلطة أبوية ذكورية، فتتكون لدى بعض النساء ما يُعرَف في علم النفس بالماسوشية، أي استعذاب الألم، أو الرغبة في الإيلام، ومن ثم فإن هذه الشريحة من النساء لا ترى غضاضة في أن تتلقى الضرب من أزواجها، وللأسف هذه الشريحة تنتمي لنفسية العبيد، بسبب طول القهر والظلم الذي وقع عليهم، فلم يتذوقوا طعم الحرية ولم يعرفوها.
وانتقدت الدكتورة نوال سعداوي الطلاق الشفوي، متسائلة كيف يمكن فسخ عقد مكتوب وموثَّق بشهود، بكلمة شفوية يطلقها الرجل على زوجته، معتبرة أن ذلك مهانة وظلم للمرأة، مؤكدة أن قانون الأسرة في مصر من أسوأ القوانين في العالم كله؛ لأن الرجل بهذا القانون يهدد المرأة المثقفة المتعلمة بالطلاق، مشيدة بما طالب به رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي، بتقنين الطلاق الشفوي، وضرورة أن يقع مكتوبًا مثل عقد الزواج.
وأكدت أن الطلاق لا يعيب المرأة في شيء، وليس كما يُشاع أن المرأة المطلقة درجة عاشرة، فالحقيقة أن كلمة الطلاق هي من الهواء الطلق، مشيرة إلى أن المرأة التي تخاف من الطلاق هي في واقع الأمر مقهورة، وليس لها استقلالية اقتصادية بنفسها.
وأشارت إلى أنها انفصلت عن زوجها؛ لأنه خيرها بين كتاباتها وبينه، فاختارت إبداعها وقلمها، قائلة: لا يمكن أن أتنازل عن حقي في الكتابة أو التفكير، من أجل أن أكون زوجة، لكن للأسف المرأة المصرية لم تتربَّ على الجسارة، مؤكدة أن المرأة الحرة كالجبل الوعر لا يمكن صعوده، إنما العبدة يمكن صعودها وخداعها.
ونفت ما يُشاع من أنها ضد الرجل، قائلة: أنا مع الرجل المستنير المتقدم العادل، وضد المرأة المتخلفة التي تضطهد نفسها، مثل النساء اللاتي رفضن تقنين الطلاق الشفوي، فهن بذلك يظلمن أنفسهن، ويكرِّسن للذكورة، ولفكرة السلطة الأبوية.
وتطرقت في حديثها إلى الظاهرة التي عُرفت حديثًا باسم "الأم الوحيدة، أو الأم العزباء"، وقالت إنها ظاهرة انتشرت بين الفتيات المخدوعات من قِبل الرجل، فنرى الفتاة تحمل في رحمها جنينًا، ثم يهرب الرجل، فتصبح الأم كما يُقال "الأم العزباء"، مشيرة إلى أنه في هذه الحالة ينبغى للأم أن تمنح اسمها لابنها، كما يحدث في بلاد العالم، وأن يصبح الطفل شرعيًّا، ويتقيد في شهادة ميلاد رسمية ويمارس حقوقه كالأطفال الحاملين لاسم الأب، مؤكدة أن النساء الباغيات المتمرسات على الرذيلة لا تحملن، لكن الفتيات الأبرياء فقط هن مَن يحملن.
وأشارت نوال السعداوي إلى منظومة التعليم، مؤكدة أن التعليم في العالم كله يندرج تحت نظام رأسمالي متخلف، حتى في دولة مثل أمريكا، لافتة إلى أن النظام الأمريكي سينهار على يد ترامب، وانتقلت من العام إلى الخاص فتحدثت عن التعليم في مصر، قائلة: إن التعليم في مصر متخلف، وأن أغلب المنضمين إلى تنظيم داعش من الأطباء؛ لأنهم درسوا الطب فقط، بمعزل عن العقل والروح والمجتمع، ولم يتعلموا فلسفة، ولم يقرءوا تاريخًا، مطالبة بضرورة ربط التعليم في مصر بالروح والجسد، والعقل والاقتصاد والجنس.
وانتقدت وراثة الدين من الأباء دون تفكير، مشيرة إلى تعدد المدارس الفقهية في الإسلام، ومنها التي تُغلِّب المصلحة على النص، قائلة: إن الدين بالوراثة باطل، مطالبة بتدريس كل الأديان في المدارس؛ حتى يستطيع الطالب أن يختار، إما أن يلغى تدريس الدين نهائيًّا من المدارس، وتدرس الفلسفة بدلًا منه، معتبرة أن التعصب في الدين يضر كل المجتمعات، كما تطرقت في حديثها إلى ضرورة تجديد الفكر كله، وليس الديني فقط، بل الاجتماعي والسياسي والفلسفي والعقلي؛ لأنه لا يوجد فصل بين جميع العلوم، كما أكدت ضرورة فصل الدين عن الدولة.
وفي النهاية أكدت الدكتورة نوال سعداوي أنها تغلبت على تقدم عمرها "86 عامًا"، وصمّمت على حضور لقائها الفكري مع جمهور معرض القاهرة الدولي للكتاب، مؤكدة اهتمامها بالتواصل مع الشباب والتحاور معهم، والإجابة عن أسئلتهم.