الثلاثاء 22 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

أزمة الباحثين في شئون الحركة الإسلامية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news


يكاد البحث في شئون الحركات الإسلامية ينتحر في مصر؛ بعد عزوف معظم الباحثين الجادين عنه إلى الصحافة والقنوات الفضائية.. فهي أكثر ربحًا وطلبًا وأقل متاعب.. فمصر لا تكاد تهتم بالباحث المدقق، ومعظم الإسلاميين يعادون الباحثين في شأن الحركات الإسلامية.. ويعتبرونه عدوًّا وخصمًا لهم.. لأنه في العادة ينقدها، أو على الأقل يبحث في أصول وجذور القضايا ولا يرضى بتسطيحها ولا تغليفها بغلاف جميل يطمس إشكالياتها وعثراتها.. وقد يعتبره بعض عوام المتدينين معاديًا للمشروع الإسلامي، دون أن يفرقوا بين المشروع البشري غير المعصوم والنبع الرباني المعصوم.
فالباحث يعاني الويلات؛ فهو لا يجد مركزًا بحثيًّا علميًّا مصريًّا أو عربيًّا مستقلًا، و“,”غير مؤدلج بطريقة مع أو ضد“,”، وليست له أي تحيزات فكرية أو سياسية مسبقة.
كما يعاني الباحث الصادق من أزمة تمويل أبحاثه مع أزمة “,” الأدلجة“,”؛ فهو لا يجد عادة من يتبناه ويدعم أبحاثه وينشرها.. وهو إن كان “,”مع“,” فقَدَ مصداقيته وحياديته.. وإن كان “,”ضد“,” فقدها أيضًا مع حرب ضروس قد تطال سمعته ودينه ورزقه.
لقد ابتلي هذا الميدان بالكثير ممن لا يعرفون أبجديات العمل البحثي كعلم رصين دقيق له قواعده وأصوله.. فضلًا عن عدم معرفتهم بأبجديات التيار الإسلامي العريض ونشأته وتاريخه والخطوط الفاصلة بين جماعاته ودعاته وروافده المختلفة.
لقد حدث خلط خطير لدينا بين مفهوم الصحفي والباحث في شئون الحركات الإسلامية.. فالأول يهتم بالخبر اليومي ويقدمه على غيره، مع اهتمامه بالعموميات والقشور التي تنشر بضاعته.
أما الباحث فيهتم بفكر الحركات، ومكنون الشخصيات التي قادتها، وكيف كانت مسيرة تكوينها الإنساني والفكري والنفسي.. فضلًا عن كل الزوايا الإنسانية والاقتصادية والسياسية والتربوية للحركة.. فضلًا عن جوهر المشاكل والخلافات والتوافقات والتباينات مع الآخرين من الإسلاميين وغيرهم، والمراحل التي مرت بها.
الباحث يهتم بما تحت السطح.. والصحفي يهتم بما يطفو فوقه.. ونحن جميعًا نحب “,”زبد البحر“,”.. ولا صبر لنا لسبر أغوار المحيط والقاع.. وهذه عادة مصرية أصيلة تتمثل في نظريتي “,”التخشينة“,” و“,”النواية التي تسند الزير“,”.
كما يعاني الباحث “,”الأمرّين والويلات“,” وهو يريد أن يستخرج تاريخ الحركات الإسلامية بدقة أو تاريخ أي داعية أو قائد إسلامي.. حيث تعتبر الحركة الإسلامية أن أسرارها هي قدس الأقداس التي لا تخرج لأحد.. حتى لو مضى عليها أكثر من خمسين عامًا.
ويلقى أي باحث في الحركة الإسلامية عنتًا في تلقي إجابات دقيقة على أسئلته التي تذكر دومًا الدعاة وقادة التيار الإسلامي بأسئلة النيابة والمباحث.
وهناك شك دائم في هؤلاء الباحثين من القادة والدعاة.. فما زالت الوساوس الأمنية تطاردهم وكأنهم لم يصلوا بعد إلى الحكم أو يقودوا البلاد ويديروا دفتها.
إن الخلفية الأمنية ونظرية المؤامرة ما زالت تعشش في ذهنية الكثيرين، وتحرم البحث العلمي الرصين والدقيق من التاريخ الدقيق والأمين للحركة الإسلامية.
وقد قال لي أكثر من باحث مصري في شئون الحركات الإسلامية إنهم يحتاجون دومًا إلي توثيق من عدة قيادات من أي حركة لمجرد الحديث مع واحد منهم، وبعد القبول والسفر والبهدلة ترفض الأسئلة برمتها.
أما المراكز البحثية التي تقيمها الحركات الإسلامية فهي في الحقيقة لا تهتم بالبحث المجرد الذي يذكر الصواب والخطأ والحق والباطل.. أو يناقش القرارات السابقة أو الحالية علميًّا.. ولكنها تهتم فقط بتسويق فكر الحركة للآخرين، ولا تعطي أية أهمية لترشيده أو نقده أو تقويمه وتصويبه.. كما أن معظم أبحاثها تكون غير منشورة خارج الحركة.. كما أن بعض الحركات الإسلامية ترى أن نقد تاريخها أو حاضرها يشوه المشروع الإسلامي أو ينتقص منه أو يعطي الآخرين فرصة لضربه.
وهذا قد يحدث فعلاً، وهو من سلبيات النقد .. ولكن عليها أيضًا أن تنظر إلى إيجابيات كتابة ودراسة تاريخ الحركات الإسلامية دون تزييف أو مونتاج مع نقد الخطأ وتثمين الصواب.. مما سيعطي للأجيال الجديدة من الإسلاميين فرصة متجددة للتصويب والمعالجة والتطوير وعدم تكرار الأخطاء.
وللحديث بقية إن شاء الله...