بعيدًا عن نظريات المنطق والمعقول، وفي محاولةٍ منها للتعايش السلمي في مناخ دافئ فقدته بفقدان الأسرة والأبناء.. جلست بالقرب من نافذة تطل على سوق كبير لا بداية لها ولا انتهاء.. كل ما لفت انتباهها ونظرها الضعيف هو وجود سيدة مُسنة في نفس عمرها.. جلست بصحبة قفص خشبي امتلأ بعشرات الكتاكيت، وهنا التقطت أطراف الخيط وجاءتها الفكرة.
هي الحاجة سناء، امرأة بلغت الستين من عمرها، شاخت ملامحها وشبّت أفكارها، هجرها أولادها الثلاثة: محمد ومصطفى وطارق، تزوجوا وانشغلوا بزحام الدنيا ولقمة العيش، وفارقها رفيق الحياة منذ ١٠ سنوات.
وحيدة متعايشة مع سجادة صلاة وتلفاز قديم وجيران أولاد حلال، على حد وصفها، يُداومون في السؤال عنها، في الحي الشعبي بمنطقة شبرا الخيمة.
"ضاقت عليا الدنيا واتسعت أرجاء منزلها الكبير، لا يوجد زائر ولا مُطلّ، والشقة كبيرة والوحدة موت بالبطيء، محتاجة ونَس، صوت، نفَس حواليا، ففكرت أربي كتاكيت طالما تربية الأولاد لم تفلح، هكذا قالت، ثم أتبعت الحديث بابتسامة قائلة: الكتاكيت كلها خير وغيّرت مجرى حياتي.
25 كتكوتًا هي صغارها، لكل كتكوت علامة تميزه خصَّصت لها غرفة في مسكنها، وضعت بها كل ما يتعلق بمأكلها ومشربها، مراوح للتهوية، مساقٍ، أطباق للطعام وصيدلية للدواء، حتى تحولت وكأنها منتجع.
تظل دورة النمو قرابة ٣ شهور، وتتحول الكتاكيت الصغيرة بعدها إلى ديوك ودجاج مكتمل النمو، وهو ما يتسبب في فرحة عارمة للعجوز التي تشعر أنها نجحت في تخريج أول دفعة.
تُهادِي مَن تُهادِي، وتأكل بعضها، وتبيع الآخر للجيران، ومن ثم أصبح هناك دخل إضافي للعجوز بعيدًا عن المعاش وهزيمته.
فرحة أول بيضة ذكَّرتها بميلاد الابن الأكبر، الذي جاء بعد "شوقة"، حسب تعبيرها.
ما زالت الحاجة سناء تحتفظ بأول بيضات لأول دفعة كتاكيت، وها هي الآن تبدأ في الدفعة الثانية والدورة الجديدة لفوج مكوَّن من ٣٠ كتكوتًا.
الشتاء والمطر من أهم المشكلات التي تواجه السيدة؛ لأن الكتاكيت لا تتحمل البرد وأمراض الموسم.
وتابعت: أنا مبسوطة وسعيدة وسط كتاكيتي، وحاسّة إني صِغرت عشرين سنة، وبضحكة عالية علّقت: دا أنا هكتبهم في الوصية وأحرم ولادي من الميراث.