شكل الوقت على مدار آلاف السنين، نقطة اهتمام وشغف العديد من العلماء والفلاسفة، الساعين للوصول إلى طرق لفهمه وإدراكه، وصدر حديثا كتاب بعنوان "لماذا يمر الوقت بسرعة الريح: تحقيق شبه علمي في المقام الأول"، للكاتب آلان بورديك، يتحدث فيه عن رحلة بحثه عن الوقت.
ويوضح الكاتب في كتابه، كيف تغيرت أفكاره عن الوقت بعد أن رُزق بطفلين توأم، وكيف أوضحت اكتشافات جديدة لعلم الأعصاب أن أجسامنا مليئة بالساعات.
ومن المفارقات أن الكاتب الذي يؤلف كتابا حول الوقت رفض لسنوات عديدة، أن يلبس ساعة، مبرراً ذلك بكيفية تغير مفهومه عن الوقت في نهاية المطاف.
ويقول بورديك، بدأت هذا الكتاب منذ بعض الوقت، عندما كان تفكيري مختلفاً، حيث كان تفكيري يتركز حول التخلص من الوقت، وكان جزء من السبب وراء ذلك هو تفكيري في الموت، وكان ارتدائي لساعة في معصمي اعترافاً بأني أصبحت شخصاً بالغاً وأنني أتقدم في السن، وكان ذلك يعني البدء في الانغماس في كل الأمور التي تتطلب وقتاً، مثل الوصول في الوقت المحدد للعمل.
ويوضح بورديك "لقد تغيرت الكثير من الأشياء في حياتي وأصبحت رب أسرة وأب لولدين توأم، يبلغان عشر سنوات من العمر أجبراني على أن التزم بالوقت وأن أنجز أموراً أكثر مما اعتدت على إنجازه من قبل، كما أنني كلما ازددت معرفة بموضوع الوقت، كلما أصبحت أكثر تقديراً لمدى وجود الوقت في كل جانب من جوانب حياتنا الاجتماعية".
ويجيب الكتاب عن تساؤل حول سبب مرور الوقت سريعاً عندما يقضي الإنسان وقتاً ممتعاً، مفسراً ذلك تعميم، فعندما يستمتع الإنسان بوقته لا ينظر في ساعته أو لا يلتفت إلى الوقت، وعلى النقيض من ذلك، عندما ينتابه الملل ولا يجد لديه شيء آخر للقيام به، يفكر في الوقت.
كما يجيب أيضاً عن تساؤل "لماذا يمر الوقت سريعاً كلما تقدمنا في العمر؟"، يقول بورديك في كتابه "أن جميع المؤشرات تشير إلى أن الوقت لا يمر بسرعة، والتفسير هو أنه كلما كبر الإنسان في العمر، يصبح أكثر وعياً أنه لم يبق له في الحياة سوى القليل من الوقت، وبالتالي يزداد شعوره بقيمة الوقت".
ويتضمن الكتاب الكثير من الأبحاث، والتجارب ومنها تمضية المؤلف أسبوعين في محطة الأبحاث البيولوجية على المنحدر الشمالي في ألاسكا، فوق الدائرة القطبية الشمالية مباشرة، حيث يقول "كنا في نهار مستمر ولم أخض تجربة مماثلة لذلك من قبل. كانت تجربة مدهشة ومنهكة للأعصاب في نفس الوقت. فمثل جميع البشر، كنت معتادا على التفكير في النوم على أنه يمثل الحدود الفاصلة بين نهاية يوم وبداية يوم آخر. ولكن عندما تكون الشمس ساطعة دائما، يمكن للمرء النوم لمدة 8 ساعات، و يبدو له ذلك الوقت كأنه قيلولة. كما أن فترة الأسبوعين بدت كأنها يوم واحد طويل".
ويقول بورديك، "الأمر الذي أدهشني هو فكرة أن الزمن بمثابة الغراء الاجتماعي، وكأنه لغة مشتركة، وأنه أمر أساسي لجميع التفاعلات الاجتماعية، والبشر لا يمكن أن يتفاعلوا ولا أن تكون لهم حياة اجتماعية دونه، وما نقوم به ككائنات اجتماعية هو المشاركة في الوقت، وهو تقريبا تعريف الكائن الاجتماعي"، وتابع "بمجرد أن أدركت ذلك، شعرت فجأة بأهمية أن أرتدي ساعة، وأن عدم ارتداء ساعة يعد سلوكاً غير اجتماعي".
ويخلص الكتاب إلى أنه "حتى لو أستلقى الإنسان على سريره في الليل وليس معه ساعة أو منبه، فإنه لديه ساعات في كل خلية من خلايا جسمه، وكل تلك الساعات معا تصنع ساعة رئيسية؛ لا يمكن للإنسان أن يفلت من الوقت، ولكن يمكنه فقط أن يخدع نفسه لفترة وجيزة، ولكنه لن يستطيع الصمود طويلا، لأن أجسام البشر مليئة بالساعات".