أخذت عهدًا على نفسي أن أكون مدافعًا منافحًا عن الحق وأهله، لا سيما الأزهر الشريف؛ لما له من منزلة في نفوس السواد الأعظم من الأمة، والمكانة التي نالها بين عامتها وخاصتها.
فآليت على نفسي أن لا أترك قلمي نائمًا في مرقده هادئًا مطمئنًا وكذلك لساني، بل لا بد من انبعاثهما دفاعًا عن الحق وأهله .
وكان لا بد من الدفاع عن الأزهر الشريف وإظهار دوره في بناء العقول والأفكار .
فقد خرج علينا أناس في ثوب النصحة وهم في الحقيقة غششة، يظهرون للناس أنهم يدافعون عن الإسلام ومصر وأهلها بانتقادهم للأزهر الشريف .
فمن أنتم أيها المنتقدون، وأي شأن لكم عندنا، وما هي الصلة النفسية التي تجمع بيننا وبينكم، بل أين أقلامكم التي تكتب المداد في خدمة الأزهر الشريف، وما الذي يغرنا بكم وبأمثالكم لنقتدي بكم ونستسلم إليكم.
ما الذي قدمتموه للأزهر الشريف حتى نضع أيدينا في أيديكم ونضع قيادنا وقياد حاضرنا ومستقبلنا.
إننا نعرفكم بأشخاصكم وألقابكم وأعيانكم.
هل تظنون أنكم تستطيعون أن تصلوا بالمخلصين إلى أغراضكم؟!
بل كيف تعتقدون أنكم على صواب، وقد اتخذتم أقلامكم سهامًا مصوبة نحو الأزهر الشريف وشيخه بل وجميع علمائه.
فمن خلال تتبعي لبعض كتابات هؤلاء وجدت أنهم يكتبون بمداد الضغينة وشيء من حظ النفس، ويوجهون سهامًا مسمومة نحو الأزهر الشريف وعلمائه.
فيكفي الأزهر الشريف فخرًا وفضلًا وعلى رأسه الإمام المجدد أحمد الطيب -حفظه الله ورعاه- أن له دورًا فاعًلا ومستحقًا في تعزيز وشائج الأخوة الوطنية الحقيقية، لا المتوهمة والمفتراة، فأسس (بيت العائلة)، والآمال منعقدة عليه، فإن لم تتحقق فيها الآمال اليوم فغدًا بإذن الله تعالى، وأنه نقل الفكرة الوطنية من دور الأماني والأحلام إلى دور الجد والعمل.
إن الأزهر الشريف على مدى تاريخه المجيد العريق يحمل على عاتقه رسالة سامية هي أعظم الرسالات، وإذا أردنا أن نعرف رسالة السماء (الإسلام) فهي رسالة الأزهر الشريف، ولكن الحق يقال: في بعض الأوقات لم يكن الأزهر الشريف متضلعا كما ينبغي برسالته السامية، فربما خفت ضوؤه في بعض الأزمنة والأوقات، لكن وبحمد الله تعالى ما ذهب ضوؤه بالكلية في أي مرحلة زمنية، وإن كان ذلك كذلك فالإنصاف يحتم علينا أن نعترف بأن الغالب الأعم على مدى تاريخ الأزهر الشريف أنه دائمًا في المقدمة ومتضلع برسالته كما ينبغي، وإذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث.
ولقارئ لتاريخ الأزهر يعلم دوره في العصور التي سادها الظلام والفساد في كل مناحي الحياة، ودوره في النهضة الحديثة محوري؛ فهو المؤسس لبنيانها الرافع لأركانها.
كان علماؤه في أول النهضة روادها، والباعثين لها، فكانوا بناة النهضة وطلائع الإصلاح، لقد كان الأزهريون يعملون في كل مجال يخدم دينهم وأمتهم، فحسبنا الإمام محمد عبده، والشيخ حسن العطار، وأحمد أمين، والشيخ الدمنهوري العالم المتفنن، والجبرتي المؤرخ المشهور، وغيرهم كثير .
وما أجمل ما قاله شوقي:
كانوا أجل من الملوك جلالة
وأعز سلطانا وأفخم مظهرا
زمن المخاوف كان فيه جنابهم
حرم الأمان وكان ظلهم الذرا
وإن المتتبع لجهود الأزهر في هذا العقد، يدرك أنه منذ عقود مضت لم نشهد تحركًا للأزهر الشريف يليق بمكانته كما هو الآن في عهد شيخه الأكبر فضيلة مولانا الإمام المجدد صاحب السيرة الطيبة العطرة والسريرة النقية والعالم الرباني أحمد الطيب، فالإمام الأكبر شخصية علمية، واسعة الخبرة، عميقة الثقافة، منفتحة على العصر ودارسة الفكر الإنساني ومحيطة بتياراته، لا سيما وأن الإمام أستاذ للعقيدة والفلسفة، فالدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، من العلماء الفضلاء ومن المفكرين المستنيرين ومن العاملين المخلصين في سبيل نشر الفكر الإسلامي الصحيح المبرأ من الغرض والهوى والغلوّ والتشدّد، ومن يجلس إليه ويجالسه أو يقرأ كتبه أو يستمع إليه يدرك وسطيته في أفكاره وآرائه، وسلوكه وممارساته، ويدرك حكمته في إدارته للأزمات لا سيما التي عصفت - ولا تزال - بمصر، بل وبالعالم الإسلامي كله، وفي مساعيه المتتالية في الداخل لجمع كل الأطراف حول مائدة الحوار تحت قبة الأزهر، وفي الخارج في مشارق الأرض ومغاربها، لنشر حقائق الدين والردّ على أباطيل دعاة التطرف والإرهاب الذين يتاجرون باسم الدين، خصوصًا في هذه المرحلة التي ينشط فيها تجار المشروعات الطائفية المقيتة التي تضعف في الأمة مناعتها وقدرتها على المواجهة، وتمزّق وحدتها.
وفي عهد الشيخ الإمام شهد الأزهر الشريف انطلاقة علمية وثقافية تتمثل في تطوير المناهج وكيفية التعامل معها سواء كان على مستوى المعاهد أو الجامعة أوالبحث العلمي، كما تتمثل في الإنطلاقة القوية في إقامة المجالس العلمية والثقافية في أروقة الجامع الأزهر الشريف، التي تشهد زخمًا علميًا وثقافيًا واسعًا وإقبالًا غير مسبوق في عهد سبق على المجالس العلمية التي تنطلق لتدريس كتب التراث وتفهيمها وتسليط الضوء على ما يصلح لزماننا وما لا يصلح؛ ليخرج جيل عالم بكتب الأقدمين واصطلاحاتهم، حتى لا تتجاذبه الأهواء ويقع فريسة في أيدي التيارات المتطرفة فكريًا وثقافيًا ودينيًا وأخلاقيًا.
كما شهد الأزهر الشريف في عهد مولانا الإمام المجدد أحمد الطيب، تطورًا ملحوظًا في الرد على الشبهات والوقوف كحائط صد ضد التكفير والتكفريين، بإنشاء مرصد الأزهر باللغات الأجنبية، الذي يقوم برصد الشبهات وأصحابها ثم ينطلق محللا مفندا لها بالحجة والبيان.
كما شهد الأزهر الشريف في هذه الآونة، انطلاقًا واسعًا لقوافل السلام في ربوع مصر وشرق الأرض وغربها، لتعميق السلام ومحاربة الفكر المتطرف، وتعليم الناس رسالة الأزهر -رسالة الإسلام- أن ديننا هو دين الأخلاق، وأن في نفوس أفرادنا من الصفات والمزايا ما يرفعنا إلى مصاف الأمم العظيمة، نتخلق بها ونورثها للناس ولآبنائنا من بعدنا.
ويقوم الأزهر الشريف بفضل الله تعالى ومنه لهدم الأفكار الهدامة للمجتمعات برصدها والتشابك معها وتحليلها وتفنيدها، ليقف صائحا:
ها قد نجح الأزهر الشريف بصد أخطار عظيمة جسيمة، وها نحن قد قمنا بواجبنا.
ولا بد من تكاتف جميع المعنيين بذلك مع الأزهر الشريف، حتى نكون يدًا واحدة على من سوانا.
ولذلك، فإن من أول الواجبات على دول العالم الإسلامي وقياداته وعلمائه ومؤسساته الثقافية والتربوية والإعلامية، دعم جهود الأزهر الشريف ومساندة رسالته السمحة، ليبقى دائمًا حصنًا منيعًا من حصون الأمة الإسلامية، يصد عن دينها وهويتها وسلامة كيانها من آراء المبطلين ودسائس الكائدين، وينشر رسالة الإسلام السمحة في ربوع الأرض تهدي وتنير العقول والنفوس إلى ما فيه الخير والصلاح، ونأمل من الله أن يزداد دور الأزهر الإصلاحي، وأن يكون له الريادة دائمًا وأبدًا.
وفي الأخير نقول: ماذا قدم المنتقدون دائمًا سوى التنظير والكلام الذي لا يغني من الحق شيئًا.
فلتنطلق ألسنة وأقلام الناقدين بما شاءت، ولتتسع لها صدور المنتقدين ما استطاعت، فإن الأزهر الشريف وعلى رأسه شيخه الإمام المجدد أحمد الطيب، يتمتع بقبول النقد البنّاء، لأنه هو من يعلم معنى حرية النظر والتفكير.
فعلى كل أزهري حر شريف أن يدافع وينافح عن المؤسسة التي إليها ينتمي، وأن لا يتوارى خجلًا أو خوفًا، فمن كان الله معه فمن عليه؟
وأن يكون جريء الرأي، يصدع بالحق، ويحطم الأغلال، ولا يبالي على مَن يقع معولُه.
وإلا فهو من النفاق أقرب، وعن الحقيقة والصواب والشرف أبعد.
وهنا كلمة أوجهها لمحبي الأزهر الشريف وشيخه:
تأكدوا-معشر الأحباب-أن هؤلاء المنتقدين للأزهر الشريف لا مشروع لهم ولا إنجازات إلا في محدودات معدودات، ولذلك لن تجدوا منهم إلا التخويفات والتحرزات والاختزالات والانعزالات والتأوهات.....
وقانا الله شر التلبيس والتبخيس..
وأعاذنا من إبليس ومن جنود إبليس ...
حفظ الله مصر والأزهر الشريف وشيخه والعاملين في خدمته وجميع علمائه المخلصين ومن أراد الخير له.