من أين تؤكل الكتف؟ والعلم عند الحكومة، التي فاجأت الساحة قبل أيام بتقديم مشروع قانون للبرلمان لزيادة أجور ورواتب قياداتها في تناقض تام لما تنادي به من تقشف وربط الحزام وتخفيض الأجور، بالطبع هى كذلك: حكومة بألف وجه، "تضحك على نفسها "، تنادي بالشيء وتفعل ضده، تنسى هموم البلاد والعباد وورطة الاقتصاد والتضخم وأزمة الفقر والفقراء والغلاء والأسعار والبطالة وتراجع مؤشرات التصدير وتُفكر في "البشبشة لوزرائها"، خبراء وصفوا مشروع القانون الجديد بـ"التناقض في سياساتها"، وعلق مواطنون على الأمر، وقالوا: "البلد بلدهم".
كانت الحكومة قد تقدمت بمشروع قانون إلى البرلمان يطالب برفع رواتب ومعاشات رئيس مجلس الوزراء، ونوابه وأعضاء الحكومة من الوزراء والمحافظين، ونوابهم على أن يكون راتب رئيس الحكومة 42 ألف جنيه (الحد الأقصى للدخل طبقًا للقانون)، فيما يتقاضى نواب رئيس مجلس الوزراء والوزراء من أعضاء الحكومة 35 ألف جنيه شهريًا، فيما يتقاضى نواب الوزراء والمحافظين 30 ألف جنيه، أما بالنسبة للمعاشات فتستحق الفئات حسب القانون معاشًا بما يساوي 80% من إجمالي رواتبهم عند انتهاء شغل المنصب ويكون الانتفاع لمرة واحدة فقط.
المستفز أكثر ويلغي شعارات التقشف عند بعض الهيئات الحكومية الكبرى وبعض المؤسسات التشريعية، ما خرج عن البرلمان مؤخرًا، ويفيد أن البرلمان اشترى 3 سيارات مصفحة بـ 18 مليون جنيه، نص الخبر: "قال النائب طارق خليل عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، إن ميزانية وسائل الانتقال التابعة للبرلمان في الحساب الختامي من موازنة المجلس لعام 2015 /2016، بلغت 22 مليون جنيه.
وأوضح «خليل»، في مداخلة هاتفية لبرنامج فضائي شهير، أن البرلمان اشترى 3 سيارات بقيمة 18 مليون جنيه لم تكن مدرجة في الموازنة العامة للمجلس أثناء عرضها على النواب في بداية العام المالي، مؤكدًا أن القانون يمنح لجنة الخطة والموازنة الحق في اعتماد مبالغ إضافية.
وأضاف أنه تم تشكيل لجنة لبحث الموازنة العامة للمجلس، وأنه سيتم بحث مسألة شراء 3 عربات بقيمة 18 مليون جنيه، ومدى أهميتها، مردفًا: «لن ندعه يمر مرور الكرام، سنضعه تحت الفحص والتدقيق، ثم نعلن تقريرنا حول ما إذا كانت ضرورية أم لا»، وتابع: «سنبحث هل تم شراء هذه السيارات للرفاهية، أم لدواعٍ أمنية تمر بها البلاد».
كلام النائب خطر للغاية، ويفضح كذب التقشف ويكشف أن حنفية السفه الحكومي مستمرة في التسريب، في وقت يطالب فيه محدودي الدخل والفقراء بربط الحزام والمزيد من التقشف، في ظل أجور متدنية وارتفاع أسعار الدواء والغذاء والغاز بنسبة عالية مع ارتفاعات جنونية في أسعار الكهرباء بنسبة 20 إلى 40% خلال الشهر الحالي في إطار برنامج مدته 5 سنوات لإلغاء دعم الطاقة تدريجيًا في الطريق الآن لخفض دعم البنزين.
وفي السياق تشير إحصائيات للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء إلى أن 27.8% من السكان فى مصر فقراء ولا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من الغذاء وغير الغذاء، وهناك ما يصل إلى 12 مليون مواطن ينفقون 333 جنيهًا شهريًا فقط في وقت يصل فيه الحد الأدنى لآلاف المصريين إلى 1200 جنيه وهو مبلغ لا يتم تقليصه لخصم التأمين الصحي والتأمينات الاجتماعية.
هنا يقول الدكتور صلاح هاشم، أستاذ التخطيط والتنمية بجامعة الفيوم ورئيس الاتحاد المصري لسياسات التنمية الاجتماعية، إن سياسات الدولة متناقضة، خاصة أنها تدعو الشعب للتقشف، لافتًا إلى وجود صور كثيرة للتناقض وليس فقط ما يتعلق بمسألة رواتب الحكومة أو سيارات النواب الأخيرة وتابع: "على سبيل المثال لا الحصر نجد بعض رؤساء الجامعات يصل راتبهم من 100 إلى 150 ألف جنيه ونجد داخل الوزارات المختلفة مَن يملك أكثر من سيارة لصاحب المنصب الواحد، هذا بجانب الاحتفالات التي تكلف الدولة الملايين من الجنيهات والسفريات الخاصة بالوظائف القيادية".
وأضاف: لست ضد الحكومة في مطالباتها بزيادة الرواتب ولكن ضد تخصيص ميزان الرفاهية والسعة في العيش لحساب فئة بعينها على حساب عامة الشعب الذي يعاني حاليًا من ارتفاع الأسعار بنسبة تصل إلى 48% في وقت لم تزد فيه رواتب تلك الطائفة المطحونة بعد، قائلًا: لماذا يعتقد هؤلاء أن مَن يملك صوتًا عاليًا هو الأولى بالحصول على الخدمة في حين يستمر المواطن بالمعاناة، لافتًا إلى أن كل هذه الظواهر الاستهلاكية أدت لتراجع مصر 20 مرتبة على مؤشر الفساد بعدما كانت قد وصلت إلى المرتبة الـ 88 خلال عام 2015 فأصبحنا الآن في المرتبة 108، مشددًا على ضرورة إنهاء تلك السياسات الاستفزازية التي تتبناها الحكومة والتي ربما تؤدي لتذمر قطاعات كبيرة، على حد وصفه.
وأضاف الدكتور أحمد مهران، رئيس مركز القاهرة للدراسات القانونية والسياسية، أن تلك التصرفات تتعارض تمامًا مع سياسة التقشف التي طالبت وتطالب بها الحكومة.
ولفت مهران، إلى أن المواطن المصري هو مَن يكافح الآن من أجل مصر، فهو مَن يدفع ضريبة القيمة المضافة ويدفع ضريبة زيادات أسعار السلع الأساسية مثل الزيت والسكر والخدمات مثل البنزين والكهرباء هذا بجانب أن المصريين هم مَن يتبرعون لـتحيا مصر، مطالبًا بالنزول إلى مستشفيات الصحة ورؤية تدني القطاع الصحي بحجة نقص التمويل، قائلًا: "الناس مش لاقية تاكل".
وشدد الدكتور عماد مهنا، خبير التخطيط الاستراتيجي، على حاجة البلاد في إطار تلك الأوضاع الاقتصادية الخطيرة أن تضع حدًا حقيقيًا "أدنى وأقصى" للأجور يضمن عدالة توزيعها بين الكادحين من الشعب المصري وبين الفئات الأخرى التي تعمل داخل الدولة المصرية، مستنكرًا عدم تطبيق الحد الأقصى للأجور داخل عدد من المناصب القيادية فى بعض القطاعات مثل السفراء.
وأضاف مهنا، أن هناك ضرورة مُلحة لإعادة هيكلة القطاع الإداري بالدولة، قائلًا: "القطاع الإداري يهدر المليارات على الدولة سنويًا"، لافتا إلى أنه بجانب إعادة إيجاد سبل عدالة التوزيع، نحتاج أيضًا إلى تخفيض عدد الوزارات من 34 وزارة إلى 22 فقط، فهناك وزارات يمكن دمجها مع أخرى بدلًا من وجودها الذي يكلف على الدولة تلك المبالغ المادية الطائلة.
الشارع من جانبه قابل قانون الحكومة الجديد بالاستنكار، وقال أمجد حسين "موظف درجة تانية بوزارة النقل" ساخرًا: "عاوز أقولك إيه.. ده استفزاز"، وتابع: "نحن نتقشف وهم يرفهون.. كبّر دماغك.. البلد بلدهم".