انطلقت الثلاثاء ١٧ يناير فى سويسرا أعمال المنتدى الاقتصادى العالمى دافوس فى نسخته الـ«٤٧» بمشاركة نحو ثلاثة آلاف مسئول سياسى واقتصادى ليبحثوا أهم القضايا العالمية، وينعقد المنتدى هذا العام تحت عنوان «زعامة دقيقة ومسئولة» ما بين ١٧ و٢٠ يناير، ويبحث المشاركون خلال جلسات المؤتمر التى يتجاوز عددها ٤٠٠، موضوعات اقتصادية واجتماعية، كتعزيز التعاون العالمى، وإحياء النمو الاقتصادى، والتطور السريع فى المجتمعات.
ومع تجمع صناع القرار وعدد من أثرى أثرياء العالم فى المنتدى الاقتصادى العالمى السنوى فى دافوس، أشار تقرير أوكسفام إلى أن التفاوت فى الثروات أصبح أكثر اتساعا من ذى قبل، ثمانية رجال فقط تعادل ثرواتهم ما يملكه النصف الأفقر من سكان العالم، هذه خلاصة تقرير مؤسسة الإغاثة العالمية «أوكسفام»، مطالبة فى الوقت نفسه بالعمل على تقليص دخل أولئك الذين يتصدرون القائمة، مع وجود بيانات من الصين والهند تشير إلى أن النصف الأكثر فقرًا من سكان العالم يمتلكون أقل مما كان مقدرًا سابقًا.
وقالت «أوكسفام»، التى وصفت الفجوة بأنها «فاحشة»، إنه إذا كانت البيانات الجديدة متاحة، فإنها كانت ستوضح أنه فى ٢٠١٦ كان مجموع ما يمتلكه تسعة أشخاص يعادل ما يمتلكه ٣.٦ مليار شخص، يشكلون النصف الأفقر من البشرية، وليس ٦٢ شخصًا كما أشارت التقديرات حينئذ.
وطبقا لأحدث الحسابات، فإنه فى ٢٠١٠ على سبيل المقارنة، كانت الأصول المجمعة لأغنى ٤٣ شخصا تساوى ثروة أفقر ٥٠ بالمائة من سكان الأرض. وألقى تقرير المخاطر العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادى العالمى الأسبوع الماضى الضوء على القضية وما تثيره من أسباب القلق، وقال «ماكس لاوسون»، رئيس قسم السياسات فى أوكسفام، «توجد سبل مختلفة لإدارة الرأسمالية قد تكون أكثر فائدة بكثير لأغلبية الناس».
لقد أدت قوى العولمة المفترسة إلى تزايد حجم كأس البؤس بين من يملكون ومن لا يملكون بصورة لم يعد معها فى الإمكان تقليص تلك الفجوة المتزايدة، و أعتقد أنه خلال عام أو عامين على الأكثر، سوف تخرج أوكسفام بتقرير تنشره على مستوى العالم يفيد أن هناك شخصًا واحدًا أو شخصين على الأكثر يمتلكان أكثر مما يمتلكه ٣.٦ مليار من فقراء العالم.
فتقارير التنمية الإنسانية الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، تكشف عن اتساع حجم كأس البؤس، التى يشرب منها فقراء العالم المرار يتزايد بصورة خطيرة، فمنذ قرنين فقط كانت الفجوة ضيقة للغاية وتكاد تكون منعدمة حيث بلغت عام ١٨٢٠ نسبة ١ إلى ٣، وبلغت النسبة عام ١٩١٣ نسبة ١ إلى ١١ وذلك على أثر الثورة الصناعية لترتفع النسبة من بعدها إلى ١ إلى ٣٥ وذلك مع بداية الثورة المعلوماتية، وتفاقمت الفجوة بفعل العولمة عام ١٩٧٣ لتصل النسبة إلى ١ إلى ٤٤ لتتسع الفجوة بصورة لا يمكن معها التفكير فى احتمالات تقليلها عام ١٩٩٢ لتصل النسبة ١ إلى ٧٣، ويكون حصاد هذه الفجوة بين الأغنياء و الفقراء فى العالم هو امتلاك ٨ أشخاص فقط أكثر من نصف ثروات فقراء العالم. فتقرير التجارة والتنمية الذى أصدرته منظمة «أونكتاد»، يشير إلى وجود أدلة متزايدة على أن التفاوت أصبح ملمحًا ثابتًا للاقتصاد العالمى، وبدلًا من المساعدة على دمج الشعوب، تزيد أنشطة العولمة والشركات عابرة القومية الهوة بينها، وتنذر بمخاطر تهدد بمستقبل العالم.
لقد لاحظ عالم الاقتصاد الأمريكى البارز «جوزيف ستجليز»، أن صندوق النقد الدولى قد تقدم بإرشادات فى مجال السياسة الاقتصادية فى السنوات الأخيرة قلصت بلا شك النمو الاقتصادى التراكمى و الرفاه لمئات الملايين من البشر؛ فقد أسهمت سياسات صندوق النقد الدولى فى اقتصاديات الاتحاد السوفيتى السابق فى واحدة من أسوأ الكوارث الاقتصادية فى تاريخ العالم فى التسعينيات، حيث فقدت روسيا أكثر من نصف دخلها القومى. و فى روسيا و البرازيل عام ١٩٩٨ انهارت فى النهاية السياسات التى كان صندوق النقد الدولى يدعمها، مسببة ضررًا اقتصاديًا كارثيًا.
إن «المحافظين الجديد»، فى الإمبراطورية الأمريكية ليسوا الوحيدين فى السعى وراء تعزيز الهيمنة الأمريكية على العالم، وقد اتضحت الحقيقة تمامًا فى الخطاب «السيادى»، الذى سبق وصول جورج دبليو بوش إلى السلطة فى أواخر عام ٢٠٠٠، وتصر الولايات المتحدة فى حقها المنفرد فى اختيار القوانين الدولية والمعاهدات التى تخدم مصالحها، والتى تعزز العولمة الاقتصادية، ومن ثم مصالح الشركات الأمريكية. هؤلاء «السياديون الجدد»، من بينهم ليبراليون أمثال السياسى الأمريكى مايكل إيجناتيف الذى قال «إن كونى إمبرياليًا يعنى فرض نظام على العالم بشكل يخدم المصالح الأمريكية». من المؤكد أن المبررات المطروحة للتفاوت الرهيب والهيمنة الاقتصادية الموجودة على الساحة منذ فترة زمنية طويلة، وخاصة منذ اندلاع «الثورة المضادة»، على اقتصاديات التنمية خلال الثمانينيات من القرن العشرين مع صعود نجم مارجريت تاتشر، ورونالد ريجان فى الغرب، وأصبح بعث مثل هذا الخطاب الإمبريالى الأمريكى أكثر طنينًا فى السنوات الأخيرة، مع تداول متبجح عن إعادة تشكيل الإمبراطورية الأمريكية، وخاصة مع بعث الاهتمام بما يعرف باسم «الدارونية الاجتماعية»، و«الدول الفاشلة».