انفجارات هنا، وتبادل إطلاق النار هناك، صراخ وعويل، دماء تسيل على حبات أرض الفيروز، معلنة سقوط شهيد جديد على يد الإرهاب الأسود، الذي اختطف الرائد أيمن عبد الحميد كتات، من قوة الدفعة 43 فنية عسكرية بشمال سيناء، من زوجته التي لم يمض على عقد قرانهما، عام، لتصعد روحه الشريفة، دون أن ترى طفله الرضيع "آسر"، الذي جاء إلى الدنيا منذ شهر ونصف، ليمنحه القدر لقب "يتيمًا"، ليلازمه طيلة حياته.
مع شروق شمس يوم 28 يناير، تستيقظ الأم على صوت رضيعها، في سيناريو يومي متكرر، لتبدأ في إعداد ملابسه وإطعامه، ثم وصلة من اللعب، يقطعها "جرس" الهاتف، لتخطو "سلمى"، ببطئ لتجيب وتشعر بانقباض في الصدر، وتكاد تسمع صوت دقات قلبها، وكأنه يحدثها بأن الأمور ليست على ما يرام.
وفجأة تسمع جملة تهوي بها: "شدي حيلك.. الرائد أيمن استشهد"، كلمات تنزل على مسامع الزوجة كالصاعقة، تستمر معها في موضعها دون أن تتحرك قيد أنملة، تحاول استيعاب الحدث الجلل متمنية أن يكون كابوسًا قد تستفيق منه، لتتجه أنظارها نحو طفلها الرضيع ولسان حالها يقول: "بقيت يتيم من غير ما تشوف بابا"، وكانت تجهل حينها أن عينيه المغطاة بالدموع، ما هي إلا إشارة لإحساس الرضيع باستشهاد أبيه، التي اعتادت أمه الحديث عنه كثيرًا، ولم يره.
تحرص صاحبة الـ 25 عامًا يوميًا على مطالعة الأخبار، خاصةً التي تتعلق بالأوضاع بشبه جزيرة سيناء، والمواجهات المسلحة بين قوات الجيش والعناصر المسلحة، وتخطف أنظارها عبر شريط الأخبار نبأ عاجل عن استشهاد ضابط، لكنها لم تتوقع أن تتعرض لهذا السيناريو.
376 كيلو متر قطعتها السيارة، التي استغرقت نحو 4 ساعات، لاستلام جثمان الزوج، التي تم إيداعه بإحدى مستشفيات السويس، يمر شريط الذكريات سريعًا لخمس أعوام مضت وترد في ذهنا تواريخ تحفظها عن ظهر قلب أمام أعين الزوجة المكلومة، ما بين ابتسامة ترتسم على شفاهها مع اللقاء الأول الذي جمعهما في 18 مارس 2013، وخطبتهما في 27 فبراير 2014، ثم عقد قرانهما في 27 فبراير عام 2016 ثم تحقق حلمهما الأكبر بأن رُزق بـ"آسر" في 7 ديسمبر الماضي، بعد أقل من عام لزواجهما.
الفرحة التي لم تدم سوى شهرين، ليأتي 28 يناير 2017، لينهى سعادة عائلها بأكملها للأبد، ويعتصر قلب الزوجة على فراق زوجها، ابن الثلاثين عامًا الذي كان محبًا للحياة، يفكر دائمًا في كيفية إسعادها عند قضاء إجازته القصيرة، محاولًا إخفاء حزنه على زملائه الذين اغتالتهم يد الإرهاب، والخطط المستقبلية لمحاربة العناصر التكفيرية، لتتذكر جملته الشهيرة "خايف أموت وأسيبك.. هتعملي إيه إنت وآسر من غيري".
وقبل الوصول إلى السويس، تنظر سلمى من نافذة السيارة لتتذكر ما كان يقوله لها الشهيد حول ما يواجه أبطال القوات المسلحة بمنطقة "جبل الحلال"، بشمال سيناء، وما كان يقوله أيضًا عن منطقة القسيمة، التي شهدت آخر فصل في كتاب حياته، ليصل إلى محطته الأخيرة، ويوارى جسده الثرى بمقابر العائلة بمنطقة العمود، عقب أداء صلاة الجنازة بعد صلاة ظهر اليوم الأحد، بمسجد سيدي جابر.
يُشار إلى أن القوات المسلحة واصلت مداهمة وتمشيط وملاحقة العناصر التكفيرية، وتدمير البؤر الإرهابية بشمال سيناء، ما أسفر عن تصفية 20 تكفيريًا، وضبط 36 آخرين بسيناء.
كما أسفرت أعمال المواجهات عن استشهاد ضابطين، وجنديين، من أبطال القوات المسلحة، نتيجة انفجار عبوة ناسفة، على أحد محاور التحرك، منهم الشهيد الرائد أيمن كتات.