رجب طيب أردوغان أصبح رئيس الجمهورية التركية سنة ٢٠١٤ والسلطات بيدى رئيس الوزراء. الأسبوع الماضى أقرّ البرلمان التركى تعديلات دستورية أساسية ستجعل أردوغان سلطانا حتى سنة ٢٠٢٩ (إذا عاش وعشنا).
حزب العدالة والتنمية جاء إلى الحكم سنة ٢٠٠٢، والاقتصاد التركى خطا خطوات مهمة، بل إنه زاد مئة فى المئة، ما مكـّن أردوغان وحزبه من الفوز بثلاثة انتخابات برلمانية متتالية، وهو بقى رئيسا للوزراء منذ ٢٠٠٣، أو طيلة المدة التى يسمح بها الدستور، ثم أصبح رئيسا للجمهورية وعمل لقلب النظام السياسى فى تركيا إلى نظام رئاسي.
قرار غالبية فى البرلمان، بعد «حلش شعر» والترامى بآنية الزهر، لا يكفي، بل لا بد أن يكون هناك استفتاء، يُرجح أن يجرى فى (مايو) للموافقة على التعديلات الدستورية. أردوغان يتوقع موافقة الشعب على التعديلات، وأنا أتوقع ذلك فللرئيس وحزبه شعبية عالية، خصوصا فى الأناضول.
التعديلات تعطى الرئيس السلطة للسيطرة على الموازنة وتعيين كبار القضاة، وإلغاء منصب رئيس الوزراء مع الاستمرار فى رئاسة حزب العدالة والتنمية. ما يفعله أردوغان، خارج نصوص الدستور الحالية التى ستعدَّل، هو إنهاء كل معارضة لحكمه فمحاولة الانقلاب الفاشل فى (يوليو) الماضى أعطته فرصة لطرد كبار ضباط الجيش الذين يشك فى ولائهم له، ومئات القضاة والمدعين العامين، بل أيضا رؤساء جامعات وأساتذة. وهو لا يزال يطالب بستة مسئولين أتراك لجأوا إلى اليونان.
كنت يوما أعتقد أننى من نوع ما قال الخليفة عمر بن الخطاب وبعده الإمام على بن أبى طالب: لست بخبّ (مخادع) والخب لا يخدعني. أعترف اليوم بأننى خُدِعتُ برجب طيب أردوغان، فقد كانت بدايته طيبة، وهو أقام علاقات وثيقة مع دول عربية، وانتصر للفلسطينيين. أدركت بعد سنوات أنه انتصر للإسلاميين الفلسطينيين وليس لهم جميعا. كنت حدثته فى الشارقة، وسمعت منه ما يرضى ويطمئن، إلا أنه تغير، وأصبح يسعى إلى نظام حكم حزب واحد، هو حزبه الدينيّ القاعدة، على حساب كل حزب آخر.
حرب أردوغان على الأكراد مستمرة، وأنا أنتصر لهم فى كل بلد يضم أكرادا فى الشرق الأوسط، فهم ظلموا قديما واليوم. حزب العمال الكردستانى رد على الإجراءات ضد الأكراد، من البرلمان التركى إلى مدنهم وقراهم فى شرق البلاد، بعمليات إرهابية أدينها، من دون أن أعفى أردوغان من المشاركة فى المسئولية عنها فهو كان يجب أن يقدِّر أن المسلحين من الأكراد سيرتدون عليه.
الأكراد غائبون عن مؤتمر آستانة فى كازاخستان لحل الأزمة السورية المستمرة. هم من مكونات المجتمع السورى وغيابهم اعتداء على حقوقهم. المؤتمر تقوده روسيا، وتركيا حليفتها فى دعوة أطراف لا تهدد النظام فى دمشق. إيران طرف آخر إلا أن روسيا وتركيا هما الحليفان الأساسيان، ولكل منهما أهدافه وليس بينها نصرة الشعب السوري. روسيا وتركيا وإيران اتفقت على فرض وقف إطلاق نار جزئى وآلية للتنفيذ. أرى أن النجاح صعب.
هم سينجحون إذا اتفقوا على القضاء على الإرهاب، من داعش والنصرة وفلول القاعدة وغيرها، قضاء مبرم لا قيام بعده. إلا أنهم لا يفعلون وإنما يحمون مصالحهم ويسندون النظام ضد أعدائه.
فى غضون ذلك، تركيا بعيدة من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى بُعد كوريا الشمالية عنه، فالأوروبيون الآن يهمهم إغلاق منافذ الحدود بين الجزء الأوروبى من تركيا وبلدان الاتحاد لمنع تدفق اللاجئين. أردوغان يعتقد أنه يستطيع أن يصمد وينتصر. إذا فعل فسيكون ذلك على حساب الشعب التركي.
نقلا عن «الحياة» اللندنية