في ظل الأوضاع الاقتصادية السائدة، يكون من السهولة بمكان عرض وكتابة المقالات التي تنتقد وتفند كافة مظاهر الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وفيما سبق تناولت العديد من المقالات التي ترصد الأزمات التي يعاني منها المجتمع المصري، فما بين خطوات طموحة ومشروعات طويلة الأجل ترسم ملامح لمصر المستقبل وبين المشكلات التي يعانيها المواطن من ارتفاع الأسعار وأزمات الدواء والسكر والدولار وقرض صندوق النقد ورفع الدعم عن مصادر الطاقة المنتجات البترولية والكهرباء، يجب أن نتفق أن الازمات الاقتصادية شأنها شأن الأزمات السياسية، إذا حدثت وتفاقمت تعرض لها الجميع، وتصبح موضوعاً للنقاشات الخاصة والعامة ويكون لكل مواطن رأيه النابع عن تجربته الشخصية.
وأياً كان هذا الرأي يجب أن يكون موضع احترام وتقدير القيادة السياسية مهما تدنت الخلفية الثقافية والمعرفية لقائله، لأنه نابع من معاناة شخصية، كان للقيادة السياسية دور فيها بصورة أو أخرى، ومع قناعاتنا التامة أن أولى خطوات التقدم تتمثل في المعرفة والتشخيص العلمي للمشكلات فإن الكتابات في هذا الشأن متعددة ومتنوعة سواء كانت نتاج فكر متخصص أو نتاج قراءة موضوعية لمظاهر الحياة الاقتصادية.
هنا وتحت هذا العنوان الرئيسي "هكذا تقدموا" سنقدم للقارئ بعض الرؤي الفكرية لكيفية تحقيق التقدم الاقتصادي وعرض التجارب المختلفة لدول العالم سواء كانت تجارب دول في عصور غابرة أو تجارب دول تتربع اليوم على عرش الاقتصاد العالمي.
البداية ستكون مع العلامة إبن خلدون مؤسس على الاجتماع، ولن نعرض كل ما جاء به في النواحي الاقتصادية ولكننا سنكتفى بالإشارة إلى قضيتين هامتين يراهما إبن خلدون ضروريتنا لتحقيق التقدم الاقتصادي للأمم.
القضية الأولى هي "العدل" فيقول إبن خلدون {العدل تُحْفظ به العمارة فالظُّلم يخلُّ بحفظها، فعليْنا أن ننزع الظلم عن النَّاس؛ كي لا تخْرب الأمصار وتكسد أسواق العمران، وتقفر الديار} والعدل هنا هو الاساس لتحقيق التقدم فلن تجد مجتمع متقدم لا يتساوي فيه الجميع امام القانون، إن العدل يقتضى أن تأخذ العدالة الناجزة مجراها، فكل تأخير في تحقيق العدالة سيؤثر سلباً على الاقتصاد، هنا تكون القضايا المطروحة امام القضاء منذ سنوات أحد اسباب ازمتنا الاقتصادية فلا قصاص يتم ولا حقوق تُرد، إن أردنا حقاً تحقيق ظفرة اقتصادية يجب أن نرسى العدل في المجتمع المصري.
القضية الثانية وهي قضية لا تقل أهمية عن تحقيق العدل وتتمثل في تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، فنجد أن ابن خلدون يأخذ موقفًا متشدِّدًا من تدخُّل الدَّولة في الحياة الاقتِصاديَّة، خاصَّة في حالة الظُّلم والإفْساد والاحتِكار، والاحتكار، نص عليه إبن خلدون صراحة بقولة: "احتكار الزرع لتحيُّن أوقات الغلاء مشؤوم، وإنَّه يعود على فائدته (ويعني المحتكر) بالتَّلف والخسران" وبالتالي فلا يمكن تحقيق تقدم اقتصادي إلا من خلال القضاء على كافة مظاهر الاحتكار بما في ذالك احتكار البيع أو احتكار الشراء إياً كانت قوة ونفوذ هذا المحتكر. لذا فلا عجب أن نجد كل دول العالم المتقدم تحارب الاحتكار، إن خلق والحفاظ على مناخ يتسم بالمنافسة من شأنه أن يزيد من فرص تقدم الأمم، وتلك هي مهمة الحكومة في النشاط الاقتصادي بتوفير المناخ الذي يجعل من يعمل.. يعمل ومن يريد أن يمر.. يمر كما طالب آدم سميث مؤسس علم الاقتصاد.
اقتباس
"علينا إعمال العقل في الخبر"