والآن وقد ركب رفيق جبور قطار جريدة الحساب فقد قاده وبأقصى سرعة نحو الهدف، وفى أعداد محدودة قال كل ما يجب أن يقال، وكأنه كان يسابق تدابير الخصوم ضده وضد جريدته فأسرع بالقول والفعل. ونتأمل معا بعض ما كتب بالحساب.
ففى افتتاحية العدد الأول الصادر ٦-٣-١٩٢٥.. كتب : «لأجل الطبقة العاملة من الفلاحين وعمال أنشأنا هذه الصحيفة لأجل إسماع السلطات الحاكمة فى مصر وباقى الطبقات فى مصر صوت هذه الطبقة البائسة المظلومة أقدمنا على هذا العمل الشاق الذى طالما عجلت النفس إلى خوض أمواجه المتلاطمة فصدتها العقبات فأقدمت تارة بضع خطوات إلى الأمام وتراجعت طورا بضع خطوات حتى وصلت أخيرا إلى ما ترى أنها انتدبت فى هذه الحياة للقيام به. عمل إنسانى لا شك فى نفعه وأهميته وهو رفع صوت العمال عاليا لتسمعه الطبقات الأخرى والسلطات الحاكمة فتصغى إليه. وتعمل على إزالة ما يتردد «من شكاوى وعلى إجابة مطالبة العدالة».
وهكذا فإن رفيق جبور يقدم لنا فى صورة أدبية وواقعية كيف التحق بركب النضال العمالى يتقدم ثم يتردد ثم يحسم أمره. وبعد هذه المقدمة يمضى قائلاً «إن الطبقة العاملة فى مصر هى أكثر الطبقات عددا وأكثرها بؤسا وشقاء، وأقلها نصيبا من اعتناء الحكومة وإزالة المظالم عنها» وبعد أن يقدم صورا صارخة للفوارق الطبقية الظالمة يمضى قائلاً «وهكذا نرى أن الفرق بين طبقات الشعب المصرى كبير جدا فمن فلاح مسكين يملك من الأرض لا شيء ويعمل فى أرض سواه بما لا يسد له رمقا ولا يقيه من جوع أو برد إلى مالك غنى يحوز ألف فدان وأكثر، ومن ابن فلاح يعمل طوال يومه فى الحقل لقاء قرش أو قرش ونصف.. إلى موسر غنى يصرف بلا حساب ويرمى الجنيهات كيفما اتفق ومن عامل يكد ويكدح طوال اليوم مقابل قروش زهيدة إلى صاحب عمل لو طحن الذهب وعجنه بدل الدقيق خبزا إبريزا لما تمكن أن يأكل هو وآله وأقاربه وخدمه وحشمه ورفيقاته وسراريه عشر دخله اليومى». ثم وبعد أن يشرح التقسيم الطبقى والمهنى لأبناء الفئات الوسطى يقول «إن الطبقة العاملة فى مصر هى أكثر الطبقات عددا وهى أكثرها شقاء والفرق بينها وبين الطبقة الغنية كبيرا جدا كما سبق القول، ولهذا ولما رأينا أن الطبقة العاملة المصرية من فلاحين وعمال قد ضاعت حقوقها وغلبت على أمرها فلا نصير لها ولا مدافع عنها ورأينا أنها قد استيقظت من سباتها الطويل الذى دام أجيالاً، ذهبت تطالب بحقوقها وبنصيبها فى الحياة فانضم أبناء الفئة الواحدة من العمال إلى نقابة وانضمت عدة نقابات إلى اتحاد وألف بعض العمال هيئات وجمعيات تعاون وأنشأت لهم مدارس ليلية وصناديق توفير، ورأينا أن حركتهم غير منظمة التنظيم الكافى رغم الجهود الكبيرة التى يبذلها منظموهم. ولما رأينا ذلك كله وكنا ممن اندمج فى حركة العمال منذ تجدد نهضتهم إلى الآن وجاهدنا معهم ومشينا وإياهم درجة درجة فاختبرناهم واختبرونا فقد عزمنا على إصدار هذه الصحيفة السياسية الاقتصادية كل أسبوع مؤقتا لتسد الفراغ الذى أشرنا إليه ولتكن للعامل خير مرشد وخير سمير. ستخصص جريدتنا هذه لمجرد خدمة العمال ولتكون صوت العمال فلا يسمع من على صفحاتها صوت آخر، ولا تخدم هيئة غير هيئاتهم ولا شخصا غير أشخاصهم وأشخاص الذين يعطفون عليهم ويسعون فى منفعتهم وفى سبيل وصولهم إلى حقوقهم. ثم يختتم هذا المقال قائلاً «ولا نكثر فى هذا المقام من الوعود والعهود شأن أبناء الطبقات الأخرى الذين يقولون كثيرا ويعملون قليلاً أولا يعملون أبدا بل إننا سنشرح خطة عملنا باختصار وعلى طريقة العمال القول على قدر العمل أو القول القليل مع العمل الكثير وقد رأى من عرفونا فما مضى من العمال وسيرى من لم يعرفونا فيما بعد أننا من الذين يخلصون فى العمل ويفضلون أن تتكلم أعمالهم عنهم لا أن تتكلم أقلامهم وألسنتهم.
وبعد ذلك وفى العدد الثانى الذى تأخر عن موعده لمشكلات مع صاحب الجريدة يتحدث رفيق جبور متعجلاً عن الحزب كأداة للنضال العمالى ولتعبئة العمال والفلاحين فى تنظيم صفوفهم والنضال لتحقيق مطالبهم.
ويتخذ فى ذلك سبيلاً ماكرا وهو اختراع شخصية وهمية تكتب إليه رسالة تسأله عن الحزب الذى يؤسسه ودور هذا الحزب وعن لجنة الدفاع عن حقوق العمال والفلاحين ولماذا صودرت بياناتها.. وكاتب الرسالة المفترض اسمه محمد صديق عنتر.
فماذا قال عنتر؟ وبماذا رد عليه رفيق جبور؟ وهما شخص واحد.
ونواصل.