منذ أن بدأتُ الكتابة الصحفية الدورية قبل قرابة الخمسة عشر عامًا، كان لدى قناعة راسخة، تتأكد مع كل يوم جديد، وكل عملية إرهابية جديدة، مؤداها أن (التأسلم السياسي) هو رحم الإرهاب الأول، لا فرق فى ذلك بين التأسلم السنى والتأسلم الشيعى، وأننا لن نقضى على الإرهاب إلا بالقضاء على المتأسلمين المؤدلجين السياسيين.
ويبدو أن هذه القناعة هى ذاتها قناعة الرئيس الأمريكى الجديد «دونالد ترامب»، الذى صرح بها علنًا فى خطاب القسم، حيث رسم فيه إستراتيجيته خلال سنوات حكمه، فوعد أنه سيجتث الإرهاب المتأسلم من الأرض، وهذا يعنى أنه سيجتث بالضرورة ثقافة ودعاة التأسلم السياسى.
الإرهاب هو مرض فكرى تدميرى عضال، اتخذ من دين الإسلام مطية لاستقطاب بسطاء المسلمين، شيبًا وشبابًا، مثلما أن المخدرات هى الأخرى مرض اجتماعى وأخلاقى تدميرى، اتخذ من شغف الإنسان بالمال مطية لاستقطاب المروجين له، أمريكا حاصرت المخدرات، ووجهت لها ضربات قاصمة، عندما طالبت كولومبيا وبعض دول أمريكا الجنوبية بما سمته السلطات الأمريكية (تسليم المطلوبين) لمحاكمتهم فى أمريكا، وفى تقديرى أن مروجى المخدرات مثل دعاة الإرهاب المتأسلم، ولن يتمكن هذا الرئيس الأمريكى الشجاع من القضاء على الإرهاب إلا إذا تعامل مع دعاة وناشرى هذه الآفة الفكرية بذات الطريقة التى عاملوا بها منتجى المخدرات، ولن يجد الأمريكيون أى صعوبة فى حصر وتحديد دعاة الإرهاب، فى كل البلاد الإسلامية، الذين يسمونه زورًا وبهتانًا وتضليلًا (الجهاد)، فالدعوات إلى ما يُسمونه الجهاد كانوا يدونونها ويوقعونها وينشرونها بأسمائهم الصريحة، وموجودة تلك فى الإنترنت؛ وكانوا آنذاك من البجاحة وبقَدر كبير من الغباء، مع قصور فى قراءة المستقبل، لا يُبالون فى نشرها والترويج لها، يدعون فيها شباب المسلمين إلى ما يسمونه الجهاد، وهو فى الحقيقة دعوة إلى الإرهاب؛ فالجهاد الشرعى فى الفقه الإسلامى الموروث لا يمكن أن تنعقد له راية إلا إذا كان مصدر الدعوة إليه هو الحاكم المُبايع شرعًا، وبصفة حصرية وليس أى أحد.
ويبدو أن كبير دعاة التأسلم السياسى المدعو «يوسف القرضاوى» شعر مؤخرًا بأن نهاية أيديولوجيته المتأسلمة المسيسة قاب قوسين أو أدنى، ولكى يستبق السقوط، والتملص من المسئولية، أعلن فى لقاء تليفزيونى معه فى قناة (الجزيرة)، أن (علمانية أردوغان) يجب أن يستفاد منها، رغم أن جماعة الإخوان كانوا يعتبرون أن العلمانية توازى الكفر بالله؛ وغنى عن القول إن (التأسلم) السياسى و(العلمانية) نقيضان لا يلتقيان، لأن العلمانية تدعو بكل وضوح إلى تحييد الأديان، بما فيها الإسلام، فكيف يدعو للقضاء على أساس جماعته، لولا أنه أحس بحبل المشنقة بدأ يلتف حول رقبته!
وأنا ممن استبشروا خيرًا بسقوط «هيلارى كلينتون»، النسخة المشوهة والأنثوية من «أوباما» المتردد الرعديد، وانتصار «دونالد ترامب» الذى يبدو أنه سيكون البطل التاريخى للقضاء على جذور الإرهاب، من خلال القضاء على (المصنع) الثقافى الذى ينتجه، وهو (التأسلم السياسي)
نقلا عن الجزيرة