الجمعة 01 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

تقارير وتحقيقات

"الطوب الأحمر" يأكل الرقعة الزراعية في أسيوط.. استمرار مسلسل تجريف الأراضي الزراعية والمواجهة حفنة محاضر.. و"الصُناع": بناء القمائن في فترات الإجازة للهروب من المساءلة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فقد مصر منذ قيام ثورة 25 يناير 2011م، مئات الآلاف من الأفدنة من أجود الأراضي الزراعية في معظم قري محافظة أسيوط بالبناء والتجريف بقصد استغلال تربتها وخرط الأرض في عدد من الصناعات، كالدخول بصناعة ودق الطوب الأحمر، وذلك ليس هو النموذج الوحيد لإهدار الأراضي الزراعية بالمحافظة وإنما مايزال مسلسل تجريف الأراضي الزراعية مستمر كثانى أبرز الأخطار التى تواجه المحافظة، فبالرغم من تجريم تجريف الأراضي الزراعية أو نقل أتربتها بالقانون 116 لسنة 1983 م، ورغم تحريم وتجريم التعامل مع الطوب الأحمر المصنع من طمي الأراضي الزراعية بقرار وزير الزراعة 11/8/1985 م، وبصدور الأمر العسكري رقم 1 لسنة 1996 م، إلا أنه في أسيوط لايزال المجرفين للأراضي الزراعية والمصنعون للطوب الأحمر من تربة الأراضي الزراعية تحت سمع وبصر الأجهزة المعنية، ولا يستطيع أحد بأسيوط أن ينكر ذلك لأنه واضح كالشمس ولا يحتاج إثبات في معظم القري التابعة لمحافظة أسيوط. 
"البوابة" تلقي بهذا التحقيق كطوبة في بحيرة الخمول الراكدة لعل الساكن يتحرك.
مراحل تصنيع "الطوب الأحمر":
يقول "محمد فرح عبدالظاهر" أحد العمال المهرة لدق الطوب بقرية السوالم البحرية بأبنوب، أولا: يخلط الطمي بالتبن والهزازة والماء ويظل لمدة يومين حتى يتعفن، ثم يضرب بالأيدي والأرجل حتى يكون متماسكًا، بعدها ينقل الطين إلى مكان مستوى ومرشوش بالتبن أو بالهزازة ليكون صالحًا لضرب الطوب عليه، وبواسطة قالب خشبي يمسح الطوب بكف الضارب المبللة بالماء دائما ويصنع القالب الخشبي طوبة في حجم 8×18 سنتيمتر بمعدل طوبة كل 10 ثواني، ويمكن للعامل الماهر ضرب 2000 طوبة في اليوم، وبعد أكثر من 5 أيام يقلب الطوب ليجف بالشمس والهواء، ثم يرص "خلف خلاف" على هيئة قمير أو قمينة فالقمير يحتوي على عيون لإدخال البوص أو الحطب على الوضع القديم، ويتم حاليًا رصها وخلطها بالمازويت لأنه أسرع ومريح، ويرص على هيئة مستطيل ارتفاعه يصل إلى 3 أمتار، والقمينة على هيئة مكعب وفي الغالب تحرق بالمازوت الأسود بدلا من البوص حاليًا وتضم حوالي 10 آلاف طوبة.
الأدوات المستعملة والأسعار:
 وكل هذه المراحل غير مكلفة ولا تحتاج إلا لأدوات بسيطة كالفأس والبرش والقالب الخشبي والحلة أو البراويطة، ثم بعد ذلك تأتي مرحلة إشعال النار في القمينة لمدة كافية تصل إلى 24 ساعة حتى يحترق الطوب ويكون جاهزًا للبيع والبناء، وينقل في مقطورات الجرارات الزراعية لبيعه بــ450 جنيهًا للألف طوبة الواحدة، وتنقل الألفين طوبة بالجرار بتكلفة 750 جنيهًا فأكثر.

قضية خطيرة:
يقول "يوسف صدقي بقطر" من بني رافع التابعة لمركز منفلوط: إن العشرات من قمائن الطوب الأحمر تظهر بصورة متزايدة خاصة في نهاية كل موسم زراعي حتى يظن الناظر من بعيد أن الدخان المنبعث نتيجة حرق مخلفات الزروع والحصاد، وإذا ضربنا عدد 20 قمينة في 30 ألف طوبة تكون النتيجة 600 ألف طوبة في خلال شهور قليلة، وكلها على حساب تجريف الأراضي الزراعية عن طريق التجريف البطيء المتدرج، حيث تزال طبقة 5 سم من سطح الطبقة في كل مرة. 
ويقول "أبو سليمان عبد الرحمن شهاب " قرية طعمة التابعة للبداري: يتم حرق الطوب الأحمر غالبًا في نهاية الأسبوع لضمان البعد عن الرقابة أي أواخر يوم الخميس، ومما يعكر صفونا هذا الدخان الكثيف السام الناتج عن عمليات الحرق سواء بالمازوت أو بالبوص، مما يتسبب في تعرضنا لأمراض الجهاز التنفسي وخاصة عند ضعيفي المناعة كالأطفال والمرضى وكبار السن، وكذلك تتعرض حيواناتنا ومواشينا للنفوق والموت وتشويه واجهات المباني والمنازل.
ويضيف "رفعت سنوسي محمد" قرية ببلاو ــ ديروط: نحن نعاني من أدخنة قمائن حرق الطوب الأحمر، خاصة نهاية كل أسبوع، حيث يقوم محترفو حرق وبيع الطوب بإقامة القمائن لحرقها في أيام الأربعاء والخميس والجمعة، وفي مناطق بعيدة عن أعين مجلس المدينة أو الحي، ويكتسبون من وراء ذلك مكاسب هائلة على حساب راحة الآخرين وفقدان الأراضي الزراعية ذات الجودة العالية وكذلك تلوث البيئة.


البدائل هي الحل:
يقول المهندس حسانين عبدالغفور حمزاوي، مدير إدارة هندسية بحي غرب أسيوط سابقا: أول تفكير في إنتاج بدائل للطوب الأحمر كان مع بداية إنشاء السد العالي وأول قرار وزاري من المهندس "حسب الله الكفراوي" وزير الإسكان الأسبق، الذي يقضي بإيقاف وتصنيع الطوب الأحمر بدءًا من 11/8/1985 م، ولا يمكن حل مشكلة تجريف الأراضي الزراعية وإنتاج الطوب الأحمر إلا بتوفير بدائل له تتمثل في الطوب الأسمنتي والحوائط الخرسانية أو الجبسية والطوب الجيري والطوب الطفلي، ويتميز هذا الأخير عن الطوب الأحمر في انتظام مقاساته وقوة تحمله التي تزيد على 5 أمثال الطوب الأحمر، حيث تصل إلى 1000 كيلو جرام لكل 10 سنتيمترات مربع وقلة وزنه النسبي والقدرة على العزل الحراري والصوتي، وارتفاع مقاومته للرطوبة والتوفير في أعمال البياض الداخلي والخارجي والمونة، وينبغي العمل لجذب الاستثمار في إقامة مصانع للطوب الطفلي في أسيوط.
واستكمل.. لكن مع الأسف نظرًا لعدم وجود بدائل أرخص من الطوب الأحمر فعن عملية تصنيع وتداول واستخدام الطوب الأحمر ما زالت مستمرة، حيث يباع الألف طوبة حمراء بـ450 جنيهًا أما الطوب الطفلي بــ550 جنيهًا، والأسمنتي بــ700 جنيه، وكان قبل أغسطس من عام 1985 م استهلاك أسيوط من الطوب الأحمر يزيد على 25 مليون طوبة سنويًا تقريبًا، واليوم نعتقد أنه قد زادت هذه الكمية في إنتاج الطوب الأحمر للضعف.

جريمة يعاقب عليها القانون:
يقول الدكتور محمد أحمد بكر، مدرس القانون الخاص بكلية الشريعة والقانون بأسيوط: ورد النص على حذر تجريف الأراضي الزراعية، وذلك في المادة 150 من القانون الزراعي رقم 116 لسنة 1983 م والمعدل بالقانون 2 لسنة 1985 م، حيث نصت على "يحظر تجريف الأراضي الزراعية أو نقل التربة لاستعماله في غير الأغراض الزراعية"، وقصد بالتجريف وفقا لنص المادة إزالة أي جزء من الطبقة السطحية أيًّا كان عمق أو مساحة هذه الطبقة، وبناءً عليه فقضت محكمة النقض بتجريم أي تجريف إذ لم يكن لتحسين الأراضي أو المحافظة عليه.
ونصت المادة 154 من القانون الجنائي علي تقرير الحبس والغرامة من 10 آلاف إلى 50 ألفًا عن كل فدان تم تجريفه كعقوبة أصيلة، وهناك عقوبات تكميلية مثل مصادرة الأتربة والمعدات وإنهاء عقد الإيجار ووقف الأعمال المخالفة وإعادة الحال إلى ما كان عليه، وقد تم تشديد العقوبة بالأمر رقم "1 لسنة 1996م" الصادر من نائب الحاكم العسكري، حيث زاد الحبس من سنتين كحد أدنى إلى 5 سنوات كحد أقصى، ولا يجوز لوزير الزراعة العودة إلى ما كان عليه الحال كطريق إداري، وإنما تكون إعادة الحال على نفقة المخالف، ومن مظاهر تشديد هذه العقوبة عدم جواز الحكم بوقف تنفيذها وتعدد العقوبة بتعدد الجنايات. 
وبمواجهة وكيل وزارة الزراعة بالتعديات بالبناء على الأراضى الزراعية وتجريف الأراضي في السنوات الأربع المنصرمة تطرق للأمر الأول. 
فيما أوضح مصطفى رشدى وكيل وزارة الزراعة سابق بأسيوط، أن جملة التعديات على الأراضى الزراعية بمحافظة أسيوط منذ يناير 2016م وحتى أكتوبر 2016م بلغ حوالى 30 ألفا و413 حالة تعدى بإجمالى مساحة 858 فدانًا، مشيرا إلى أن السبب فى هذه النسبة الكبيرة من التعديات يعود إلى انتشار الجهل وعدم الوعى بالأضرار الناتجة عن التعديات على الأراضى الزراعية، والتى بدورها تؤدى إلى انحسار الرقعة الزراعية وزوالها تدريجيا.
وفي النهاية وإذا كان الأمر كذلك فإن إنتاج الطوب الأحمر وتداوله يعد جريمة يعاقب عليها القانون لأنه استخدام للتربة الزراعية في غير الأغراض الزراعية، هذا بخلاف خطر البناء المستمر عليها بلا رادع وتصريحات براقة للمسئولين.