أعتقد أن جميع المؤشرات والتكهنات فى عالم السياسة تؤكد أن الرئيس
الأمريكى الجديد، دونالد ترامب لن يكمل فترته الرئاسية الأولى بأى حال من الأحوال،
وأنه سيتم اغتياله ربما بسبب جرأته غير الطبيعية وتعامله مع كل القضايا بأسلوب غير
مألوف، مقارنة برؤساء أمريكا السابقين، ومن الصعب التنبؤ بما سيحدثه ترامب فى
العالم من هزات، خصوصًا فى ظل عدائه للديمقراطية وازدرائه لحقوق الإنسان، وخصومته
للفلسطينيين ومراهناته السياسية على روسيا فى مواجهة الصين.
فهناك تحديات عاجلة سوف يواجهها ترامب قياسًا بالمواقف التى طرحها
خلال حملته الانتخابية، من بينها العلاقات مع الصين، والملف النووى الإيرانى،
والعلاقة مع أوروبا وحلف الأطلسى، وشكل العلاقة المستقبلية مع روسيا، وعلى ترامب
أن يقرر أولوياته، هل هى المضى فى المواجهة مع روسيا؟، أم التحالف معها للقضاء على
الإرهاب العابر للحدود؟، وفى كلتا الحالتين ستكون سوريا ميدان الاختبار لاحتمالات
المواجهة، أو التعاون بين ترامب و بوتين وما استجد من مواقف صعبة بين الكرملين
والبيت الأبيض على ضوء أزمتى أوكرانيا وسوريا، ناهيك عن أطروحاته الاستفزازية فيما
يخص القضية الفلسطينية والصراع «العربى - الإسرائيلى»، وما تمثله وعوده بنقل
السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى مدينة القدس، من خروج على القانون الدولى
والشرعية الدولية واستهانة بمشاعر العرب والمسلمين.
ربما أيضا يتساءل البعض عن إصدار موقف أمريكى جديد، والذى يزعم أن المستوطنات
لا تشكل عقبة أمام السلام، بالإضافة إلى مستوطنات جديدة أخرى، ولكن ما يهمنا هو
التقارب الأمريكى المصرى المتوقع فى عهد ترامب الذى يعد الرئيس الخامس والأربعين
للولايات المتحدة، وسياسته تجاه منطقة الشرق الأوسط عمومًا، والعالم العربى على
وجه الخصوص، وطبيعة العلاقات التى ستديرها أمريكا ترامب مع الدول المحورية فى
المنطقة وفى مقدمتها مصر، خاصة أن العلاقات بين مصر وأمريكا هى علاقات استراتيجية
مستمرة، وينتظر الجميع موقف ترامب من بعض القضايا المصرية الداخلية مثل جماعة
«الإخوان المحظورة»، ومدى إمكانية تشريع داخل الكونجرس بشأن تصنيف «الإخوان»،
كجماعة إرهابية يمثل الشغل الشاغل للقاهرة، فى هذا الشأن ويعد هذا الأمر محددا
حاكما لجعل العلاقات مع إدارة ترامب أكثر دفئًا مما كانت عليه فى عهد إدارة باراك
أوباما.
كما أن القاهرة تريد استثمار علاقة التآلف بين الرئيس السيسى ونظيره
الأمريكى دونالد ترامب، ومن ثم ترجمتها فى صورة سياسات تصب فى صالح البلدين، ولا
بد من تطوير آليات التعاون والشراكة المصرية الأمريكية وإعادة هيكلتها بعد ما
أصابها التعطل خلال السنوات الأخيرة، ربما قد تدفع إدارة ترامب باتجاه إنشاء «ناتو
عربى»، تلعب فيه مصر دورًا محوريًا، كما قد تطلب واشنطن تدخلًا عسكريًا مصريًا
بشكل ما فى ليبيا، وهذه جميعها ملفات شائكة متوقعة ربما لا بد من اتخاذ قرار حاسم
بشأنها.
وعودة إلى الوراء قليلًا لنرى أنه بعد أن فتح الرئيس الراحل السادات شراكة مع واشنطن، وهى لم تتوقف عن محاولات التغلغل فى الداخل المصرى، ثم موقف أوباما من التحالف المعلن مع جماعة «الإخوان»، التى نبذها الشعب، وحاولت الولايات المتحدة فى عهد أوباما توظيف علاقاتها مع «تنظيم الإخوان»، لتحقيق أهدافها فى المنطقة، وبدا أن الإخوان من ممارساتهم فى الحكم راغبون فى لعب هذا الدور مقابل السماح لهم بالتمكين فى مصر وغيرها من البلدان العربية، والدور المصرى فى مواجهة الإرهاب والاستقرار فى المنطقة ولا يمكن تعويضه أو اختزاله، كما أن هذه العلاقات بين البلدين قد انحسرت بشكل أساسى فى التنسيق والتعاون الأمنى، ومكافحة ما يسمى بالإرهاب، والجماعات المتشددة مثل «تنظيم الدولة»، فيما ظلت العلاقات باردة على الصعيدين السياسى والاقتصادى، كما أثنى ترامب على الجهود التى يبذلها الرئيس المصرى فى حربه على الإرهاب، بينما على الجانب الآخر كانت المرشحة المنافسة هيلارى كلينتون تحمل انتقادات لمصر لاسيما فيما يتعلق بملف الحريات وحقوق الإنسان، كما يرفض ترامب التفريق بين الإخوان المسلمين وبقية الحركات الأصولية المتطرفة ويعتبرها جميعًا خطرًا يجب استئصاله، وهو فى هذا يضع الإخوان المسلمين فى نفس مرتبة العداء مع «تنظيم الدولة الإسلامية»، ومن المتوقع أن يؤدى التقارب الواضح بين مصر وأمريكا فيما يتعلق بالموقف من مكافحة خطر الجماعات المتشددة، كأولوية أساسية لدى الرجلين، إلى تعزيز التعاون والتنسيق العسكرى والاستخباراتى والأمنى بين البلدين فى هذا المجال، كما أنه قد ينعكس على تعزيز حجم المساعدات والمعونات العسكرية التى تقدمها الولايات المتحدة للجيش المصرى لمساعدته فى حربه الصعبة التى يخوضها ضد الجماعات المسلحة التابعة لتنظيم الدولة فى سيناء، وبالنسبة للأزمة السورية يتبنى ترامب رؤية تقوم على التصفية والقضاء على خطر تنظيم الدولة، والتنظيمات المتشددة الأخرى القريبة منها مقدَّم على إسقاط نظام بشار الأسد أو رحيله، فترامب يعتبر أن تنظيم الدولة يشكِّل تهديدًا للمصالح الأمريكية أكبر بكثير من التهديد الذى يمثِّله الأسد فى الوقت الراهن، كما أنه لا يُخفى قلقه إزاء ما سيأتى بعد سقوط بشار، وقد أعرب عن تشكيكه بموضوع تدريب المعتدلين السوريين، وما إذا كان يمكن الوثوق بهم، كما يؤيد ترامب التفاوض مع نظام الأسد باعتباره جزءًا من الحل، ويرى أن إدارة أوباما هى السبب الرئيس فيما يحدث فى سوريا بسبب سياساتها الرامية لتغيير الأنظمة، نتمنى علاقات قوية ووثيقة بين الدولتين قائمة على الندية والتعاون المشترك وفتح آفاق الاستثمار وليس على التبعية وسياسة الاعتماد من الجانب المصرى بمفرده، كما قال أحمد المسلمانى: «مصر تستطيع».