عندما انتُخب دونالد ترامب رئيسًا، شعرتُ بأن ذلك هو أكثر شيء طيشًا وتهورَا قام به بلدى على مدى سنوات عمرى. لكنى، وعلى غرار كثير من الأمريكيين، لم أفقد الأمل وقلتُ فى نفسى إنه سينضج ويتطور، وسيحيط نفسه بمستشارين جيدين، وإن البلاد قد تستفيد من صدمة أسلوب تفكير جديد، وإنه سيتخلى عن بعض آرائه المتطرفة لا محالة.
لكن الآن، وفى وقت بات فيه ترامب رئيسًا لأمريكا بعد أداء القسم، أجدنى أكثر خوفًا على بلدى من أى وقت مضى فى حياتى، وذلك لأسباب عديدة، لكن بالخصوص بسبب التغريدات الاندفاعية الصبيانية التى انخرط فيها الرئيس الجديد خلال فترته الانتقالية. إنها تغريدات توحى بقلة النضج اللازم للمنصب الذى فاز به، وبشخص تشتتُ انتباهَه الأشياءُ البراقة، مما قد يخلق اضطرابات ومشاكل لحكومته ويقسّم البلاد. وأخشى أن نكون على وشك إجهاد وحدتنا ومؤسساتنا على نحو لم نشهده منذ حرب فيتنام.
إن المرء حين يكون زعيمًا تكون لديه فرصة واحدة فقط لترك انطباع ثانٍ لدى الناس، والحال أنه من المقلق كيف أضاع ترامب تلك الفرصة.
أجل، يدعونا ترامب مرة أخرى خلال خطاب تنصيبه إلى «معالجة جروح الانقسام». لكن بالنظر إلى كل خرجاته الرقمية، فإن تلك الكلمات تبدو عديمة المعنى، وذلك لأنه أفرغها من كل قوة عاطفية بسبب تغريداته السامة ورفضه جلب ولو ديمقراطى واحد إلى حكومته.
والواقع أن ترامب ليس أولَ شخص يُنتخب رئيسًا وتتعرض شرعيته للطعن. فقد قاد هو نفسُه الهجوم على شرعية أوباما. لكنه، وأكثر من أى رئيس منذ ريتشارد نيكسون، أثبت أنه لا يستطيع إدارة الخد الآخر لمنتقديه وتحويل المشكّكين إلى حلفاء. وفى عصر يتطلب زعامة كبيرة، فإن ترامب يتصرف اليوم على نحو آخر.
تخيّلوا معى لو أن ترامب، وبدلًا من أن يصف الممثلة ميريل ستريب بأنها «واحدة من أكثر ممثلات هوليود نيلًا لتقدير غير مستحق»، بعد أن اغتنمت كلمتها خلال حفل جوائز جولدن جلوب للتنديد بسخريته من صحفى معاق، أرسل تغريدةً يقول فيها: «ميريل ستريب، يا أفضل ممثلة على الإطلاق. إن الأشياء السيئة تحدث أثناء الحملات الانتخابية. وحتى أنا أشعر بندم. لكن تابعينى، سأجعلك فخورة برئاستى».
تخيلوا معى لو أنه فى ليلة رأس السنة، وبدلًا من أن يكتب على حسابه الخاص على تويتر: «سنة سعيدة للجميع، بمن فى ذلك لأعدائى الكثيرين الذين خسروا خسارة نكراء لدرجة أنهم لم يعودوا يعرفون ما يفعلون»، لو أنه أرسل بدلًا من ذلك تغريدة يقول فيها: «سنة سعيدة لكل الأمريكيين، وخاصة لهيلارى كلينتون وأنصارها الذين خاضوا حملة كبيرة. لنجعل جميعًا من ٢٠١٧ سنة رائعة لكل الأمريكيين. مودتي!».
إنها الشهامة. وقد كان ذلك ليخلق سيلًا من المشاعر الجيدة التى تجعل حل كل المشاكل الكبيرة أسهل. ثم إن ذلك لم يكن سيكلّف ترامب أى شيء.
لقد سبق أن أشرتُ إلى أن «أينفيكتوس» هو أحد أفلامى المفضلة. يحكى كيف سعى نيلسون مانديلا إلى بناء الثقة مع البيض عندما أصبح رئيسًا لجنوب إفريقيا. فبعد وقت قصير على تسلمه السلطة، أراد مستشاروه تغيير اسم وألوان منتخب البلاد الشهير لرياضة الرجبى، فريق الـ«سبرينغبوكس» الأبيض بالكامل تقريبًا، إلى شيء يعكس الهوية الإفريقية السوداء. لكن مانديلا رفض، وأخبر مستشاريه السود بأن السبيل لجعل البيض يشعرون بأنهم فى وطنهم داخل جنوب إفريقيا يقودها السود ليس استئصال رموزهم العزيزة على قلوبهم. وقال: «ينبغى أن نفاجئهم بسماحتنا وقدرتنا على ضبط أنفسنا». إن معظم الأمريكيين طيبون ويتوقون للشعور بأنهم متحدون. وكثيرون ممن صوتوا ضد ترامب كانوا سيغيّرون رأيهم فيه لو أنه فاجأهم بسماحته وكياسته.
الترجمة نقلًا عن «الاتحاد» الإماراتية