فجأة، ودون سابق إنذار، خرج علينا مجموعة من الشباب لا يزيد عددهم على عدد أصابع اليد الواحدة، يقودهم شاب أمين عام فى حزب من الأحزاب الهامشية التى لا وجود لها فى الشارع، وقد وقف وسط هؤلاء الشباب وألقى خطبة عصماء فى مدينة العريش، يتهم فيها الداخلية والجيش بأنهم يقتلون ويدمرون الأبرياء من غير ذنب، ثم أخذه الحماس عندما وجد الحاضرين يقومون بتصوير هذه الخطبة بأجهزة الموبايل، فقال: «لا بد من محاكمة وزير الداخلية» وزايد على ذلك بالمطالبة بإبعاء الجيش والشرطة عن مدينة العريش، واختتم كلامه بإصدار بيان باسم أبناء العريش.
هذا الأمر لا أدرى كيف مر مرور الكرام على الكثيرين منّا، لأن هذا الشاب بعد انتهائه من إلقاء هذه الخطبة «المغلوطة» كانت قناة الجزيرة وقنوات ومواقع جماعة الإخوان قد نشرتها وأذاعتها، وزادت على ذلك بادعائها: «أن أهالى العريش يتهمون أجهزة الأمن بقتل أولادهم» بل روجت كذبًا: «أن مَن يقوم بالعمليات الإرهابية ضد الأمن هم رجال الأمن أنفسهم».
لا أعرف لماذا لم يتم التحقيق مع هذا الخفى المحرض، هو ومن معه، لأننا لم نسمع لهم صوتًا طوال السنوات الماضية، عندما كانت الجماعات التكفيرية تنفذ عمليات الإرهاب الوحشية ضد أكمنة الجيش والشرطة، على كل الطرق المؤدية إلى العريش وباقى مدن شمال سيناء، وسقط العشرات من شهداء رجال الأمن، ورغم ذلك، لم نسمع منهم كلمة دعم واحدة للدولة، أو حتى مهاجمة ورفض لأفعال الإرهاب والإرهابيين.
هذا الشخص وأمثاله، من مدعى الوطنية والكفاح، هم الذين يخلقون حالة من البلبلة داخل البلاد وخارجها، ولا يمكن أبدًا السكوت عليهم، بل يجب التحقيق معهم ومعرفة من وراءهم حتى لا تتكرر مثل هذه الأفعال خاصة بعد أن أصدرت قبائل سيناء بيانًا واضحًا وصريحًا يؤكدون فيه دعمهم الكامل للجيش والشرطة، وما يقومون به من أجل تطهير سيناء من الجماعات الإرهابية المتطرفة، ودحر الخونة والمرتزقة الذين يعيثون فى سيناء فسادًا. ولكن هل نكتفى ببيان شيوخ القبائل فقط؟! أكيد بالطبع لا. بل يجب أن تكون هناك لجنة حكومية تتابع على أرض الواقع ما حدث من هؤلاء المتجاوزين، ودراسة الأسباب التى دفعتهم لذلك، وإعلان الحقيقة أمام الرأى العام، حتى لا تعطى الفرصة لعملاء الخارج لاستغلال مثل هذه المواقف للمزايدة على مصر.
علينا ألا نتوقف عند هؤلاء وحدهم، بل هناك كثيرون ممن يحاولون هدم الدولة بنفس الطريقة «استراتيجية الكذب وتهييج الرأى العام»، مستغلين بعض الحوادث الفردية التى يمكن أن تحدث فى أى دولة للترويج لأفكارهم المسمومة عبر الإعلام، مصورين أنها حوادث مستمرة وممنهجة فى مصر، على غير الحقيقة.
الدولة القوية تحتاج لأن تضرب بيد من حديد على كل من يحاول هدم الدولة، وفى نفس الوقت عليها أن تكشف بشفافية الحقيقة أمام الشعب المصرى. مصر أكبر من أى حوادث فردية قد تحدث، وأكبر من أى عمليات إرهابية، إن مصر قادمة لا محالة، آجلًا أم عاجلًا، وهذا الأمر يخيف الكثيرين ممن يريدون هدم الدولة، وما زالوا يحاولون بكل الطرق الإيقاع بهذا الوطن، مستغلين فى ذلك حوادث استثنائية قد تشهد مثلها أقوى بلاد العالم وأكثرها تقدمًا، ولا تستطيع التصدى لها أو منع وقوعها. مصر تحتاج منا الانتباه لكل صغيرة وكبيرة، وتحتاج أن نحرص على استقرارها وأمنها بوأد أى فتنة يمكن أن تحدث فى أى شبر من أرضها.
ومن أجل أن يتحقق هذا لا بد أن تقوم الدولة بمحاسبة ومحاكمة كل من تسول له نفسه الإيقاع أو الإضرار بهذا الوطن العظيم.