ومنذ العدد الأول الذى أصدره رفيق جبور من جريدة الحساب تبدت صعوبات جمة اتضحت فى صدور هذا العدد (أى العدد ١١ بالترقيم الأصلي) متأخرًا عن موعده ٣٦ ساعة، فلم تكن هناك مواد كافية، أو بالدقة اعترض إبراهيم الصيحى باعتباره المحرر المسئول على نشر بعض المقالات خوفًا من المسئولية بما أضطر رفيق جبور إلى جمع العدد ببنط «٢٤» بهدف شغل مساحات الصفحات بأقل عدد من المقالات.. وتعتذر الحساب لقرائها على الوجه التالى «تصدر جريدتنا الحساب صباح يوم الجمعة من كل أسبوع. وقد تأخر صدور هذا العدد إلى مساء السبت لأسباب قاهرة، وقد اضطررنا كذلك إلى حذف بعض المواد منه وصف أحرفه ببنط ٢٤ وهو بنط سنستبدله بأصغر منه كلما اتسع معنا المجال فى المستقبل. وسبب هذا المسائل التى ما كنا نود أن تحدث هو إصدارنا هذا العدد على عجل إذ لم يتفق على إصداره إلا مساء يوم الخميس فلم نشأ أن نؤخره إلى يوم الجمعة المقبل وسيرى القراء التحسين باديًا بوضوح فى جريدتهم فى كل عدد من الإعداد المقبلة. الإدارة» [الحساب ٦-٣-١٩٢٥] ولم نجد العدد الثانى ضمن المجموعة التى بين أيادينا ثم يأتى التفسير فنقرأ فى العدد الثالث «بعدما طبعنا الأول بدأت المشكلات وبدأت مضايقات البوليس وبينما كنا نطبع العدد الثانى صادره البوليس وهو على المطبعة ونقل أعداده إلى قسم الشرطة حيث عجز لديهم ثلاثة أيام ثم سلمت الأعداد إلى مدير الجريدة ومعظم الأعداد مقطعة فكانت الخسارة مزدوجة. فعسى أن وزارة الداخلية وما يتبعها من إدارات أن تكف عن معاكساتنا وتلتفت إلى سوانا لحظة نتمكن فى إثنائها من التنفس بحرية». أما العدد الثالث فقد تعذر صدوره لفترة فإذ كان موعد صدوره المفترض ٢٠ مارس فإنه لم يصدر إلا فى ١٠ ابريل. وقد يدهش القارئ الحالي.. من هذه العقبات ومن هذا الإصرار الدؤوب من جانب رفيق جبور. لكنه كان دومًا هكذا لا يمكن إيقافه عن تحقيق طموحاته. ولم يكن طموحه فى إصدار الحساب قاصرًا على إصدار جريدة ثورية يسارية تدافع عن العمال والفلاحين وإنما كان هدفه أيضًا أن تكون أداة تمكن كوادر الحزب من التحرك العلنى لأداء مهامهم الحزبية. فالشيخ شاكر عبد الحليم الذى كان مسئولًا عن نشاط الحزب فى الوجه البحرى استند فى تحركاته الواسعة عبر مدن وقرى الوجه البحرى إلى صفته كوكيل متجول لجريدة الحساب. وفى العدد ١٨ من الجريدة تقرأ «من إدارة الجريدة: انتدبت جريدة الحساب حضرة الأستاذ الشيح شاكر عبد الحليم وكيلًا متجولًا لها فى الوجه البحرى وهى ترجو العمال والنقابات وكل من له علاقة بها اعتماده فى كل الشئون الخاصة بها – الإدارة» وفى ذات العدد إعلان آخر يقول «وكيلنا فى الإسكندرية – تعلن إدارة الحساب أن وكيلها العام فى الإسكندرية هو حضرة الأديب أحمد فؤاد حشمت حماد وهى ترجو العمال والنقابات وكل من له علاقة معها فى الإسكندرية اعتماد حضرته فى كل أعمال الجريدة. وهكذا وفى ظل صعاب جمة ومماحكات أمنية شديدة الوطأة انطلق رفيق جبور بقطاره نحو هدفه متعدد الجوانب.. ولسنا أصحاب تعبير «القطار» ولكنه رفيق نفسه عندما كتب ناصحًا العمال والفلاحين «ليكن كل منكم كقطار ثورى يندفع ولا يتوقف إلا عند محطة الهدف الذى نسعى إليه» وقد كان رفيق ماكرًا فى تعامله مع صاحب جريدة الحساب.. فقد بدأ التعامل معه برفق وكتب له عدة مقالات فى ثلاثة أعداد سبقت استئجاره الجريدة. والمقال الأول نشر طبعًا دون توقيع وعنوانه «ما يشغلنا» [وقد كتبه قبل إستقالة سعد زغلول على أثر مقتل السردار] وجاء فيه «مالت المعارضة عندنا للبحث فى الشئون الخارجية وتصوير ضعف سعد فى محادثاته مع بريطانيا بعد أن قرر دولته الرجوع لنظرية السعى لاستقلال مصر فى داخل مصر «التى هى نظريتنا» فعلت الأصوات من أجل إهمال السياسة الخارجية مؤقتًا. ونحن لا نلوم معارضًا على معارضته فللجميع آراؤهم ونحن نطرب للمعارضة فى حدود المصلحة البريئة ونحميها مادامت شريفة لا يدنسها غرض ولا يشوبها سوء نية» ويمضى المقال الذى يدافع عن موقف سعد زغلول لكن ينتقده أيضًا فيقول ملمحًا إلى حملة سعد زغلول ضد الحزب وضد إتحاد عماله فيقول «لقد عارضنا سعدًا فى تصرفاته يوم أن أفتتح جهاده فى داخلية البلاد بما أفتتحه، وقلنا له ساعتها خير لك أن توحد شمل قومك وتعرف متى يومك، وعارضنا الوفد على سكوته أمام حوادث السودان والتزامه الصمت، فليس الصمت فى مثل هذه الظروف لغة الأمة. ولقد عارضنا ومازلنا نعارض فى كل عمل لا يتفق مع المصلحة التى عاهدنا النفس على احترامها والفناء فيها، ولكننا لا نرى من المصلحة أن نقابل سعدًا بألفاظ السخرية والتشفى على مسمع من العدو الرابض فى منزلنا بما يضر بقضيتنا فذلك ما يريده عدونا» [الحساب -١١-١١-١٩٢٤]. وتمضى المقالات على ذات النمط لكن ثمة تعليق قصير وموجز وموجع لرفيق جبور فى عدد الحساب ٢٣-١٢-١٩٢٤ يقول «قامت اليوم حرب بين صحف الوفد وصحف المعارضة حول الزيارات الخفية التى كثر التحدث عنها. فصحف المعارضة تقول أن الوفد أرسل خفية للورد اللنبى على أن يعود الوفد للحكم بشرط أن يسلم البضاعة.. وصحف الوفد تقول أن الدستوريين هم الذين تحالفوا مع بقايا الحزب الوطنى على تسليم البضاعة نكاية فى الوفد. وسواء صحت الدعوة الأولى أو الثانية فالبضاعة ستسلم. ولهذا لا نجد من نهنئة إلا فخامة اللورد» وبعد مثل هذه المقالات أصبحت جريدة الحساب وصاحبها فى متناول يد رفيق جبور.. لينطلق بها كما ينطلق قطار ثورى يعرف طريقه.
ونواصل.