كان قرار إغلاق خليج العقبة عام ١٩٦٧ أحد أسباب نشوب حرب الخامس من يونيه، ولو افترضنا – جدلا - أن ما حدث كان قرارا سعوديا فإن الحرب كانت ستكون آنذاك بين السعودية وإسرائيل ومن هنا سيطرة مصر على الجزيرتين جنبت دخول السعودية هذه الحرب ودفعت مصر الثمن عن إرادة واقتناع بدورها القومى رغم أن مصر تجرعت فى هذه الحرب مرارة الهزيمة وانتقلت سيطرة الجزيرتين لإسرائيل حتى حرب أكتوبر ١٩٧٣ وتوقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام ١٩٧٩ بعد ذلك لتعود الجزيرتان مرة أخرى تحت السيطرة والسيادة المصرية!
وهكذا أثبتت الوقائع والأحداث التاريخية أن من مصلحة المملكة العربية السعودية أن تظل الجزيرتان تحت السيادة المصرية ويصبح الأمن القومى السعودى فى وضع الاستقرار كلما أحكمت مصر قبضتها على الجزيرتين لا سيما أن الممر الملاحى من جانب الأراضى السعودية لا يصلح للملاحة لأنه ملىء بالشعاب المرجانية ويظل الممر المسمى (إنتربرايز) من جهة مصر الوحيد الصالح لعبور السفن بعرض لا يتجاوز الميل ونصف الميل من نحو ثلاثة أميال فى عرض البحر تفصل بين الأراضى المصرية والأراضى السعودية، وتمثل المياه الإقليمية للدولتين مناصفة ولذلك كان اقتراحا حكيما إنشاء جسر يربط بين الجانبين فى هذه المنطقة قيل إنه سيسمى جسر «الملك سلمان»، لكن لم يكن الاقتراح - فيما يبدو- على هوى إسرائيل ومن يدعمها وأطراف إقليمية أخرى فتمت إثارة قضية الجزيرتين لنسف التقارب المصرى السعودى! ونقول إنه لو كان قرار الجزيرتين بيد الجانب السعودى فإننا نصبح أمام أحد ثلاثة سيناريوهات:
■ الأول انتزاع حقوق السيادة من مصر واستبدالها بسيادة سعودية، معنى ذلك أن على حكومة المملكة تحمل مسئولية مواجهة إسرائيل بكل ما تحمله كلمة مواجهة من تبعات سياسية واقتصادية وعسكرية، وهو أمر سيكون شديد الوطأة على الشعب السعودى هذه الأيام، خاصة أن هناك انشغالا سعوديا فى الصراع اليمنى – اليمنى جنوبا وفى الوضع السورى شمالا وبتهديدات إيرانية شرقا، فضلا عن أزمة اقتصادية هى الأولى من نوعها فى تاريخ المملكة.
■ السيناريو الثانى تأجير الجزيرتين لطرف ثالث وليكن الولايات المتحدة لإدارتهما بالوكالة عن الحكومة السعودية لتجنب المواجهة مع إسرائيل وهو سيناريو لن تقبله مصر لعدة أسباب من بينها أن الولايات المتحدة ستدير الجزيرتين لصالح إسرائيل وعلى حساب السعودية، وهو أمر لا أعتقد قبوله سعوديا وسيضر حتما بمصلحة الشعب السعودى!.
■ السيناريو الثالث أن يظل الوضع على ما هو عليه بمعنى استمرار السيادة المصرية على الجزيرتين بشكل يراعى مصلحة الدولتين الجارتين وهو السيناريو الأقرب لمصلحة البلدين المشتركة، ويحقق ضرورات الأمن القومى المصرى والسعودى فى آن واحد ثم يجنب المملكة مواجهات هى فى غنى عنها حتى تتفرغ لحل مشكلات أخرى عالقة فيها باليمن وسوريا وبحث كيفية التعاطى مع الأطماع الإقليمية الإيرانية فى منطقة الخليج!.
نافلة القول إذا كان السيناريو الأخير هو الأكثر واقعية للحفاظ على الأمن القومى للبلدين الشقيقين، فإنه يضع الجانبين أمام حقيقة واضحة أن الخلاف بينهما هو لصالح إسرائيل وغيرها من أطراف استمرار قوتها فى المزيد من الضعف والتفكك العربى، وبناء عليه تضخيم مشكلة الجزيرتين أمر لا يجب على الجانب المصرى الانجرار إليه، لا سيما أن القضاء المصرى الشامخ قد حسم مصرية الجزيرتين ومن ثم فإن ترويج دون وعى اتهام التنازل عن الأرض لا يتسق والواقع، فلا يوجد مصرى واحد بعد ثورة ٣٠ يونيو يجرؤ على اتخاذ هذه الخطوة لأن من واجه قوى الظلاميين لا يمكن أن يفرط فى حبة رمل من تراب هذا الوطن.