عاشوراء على وزن فاعولاء في اللغة، وهو
اليوم الموافق للعاشر من شهر الحرم أول شهور السنة الهجرية عند المسلمين، وهو من الأشهر
الحرم التي حرّم الله سبحانه القتال فيه قال تعالى: «إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ
اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأَرْضَ مِنْهَا
أربعةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وقَاتِلُوا
المُشْرِكِينَ كافّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كافّةً واعْلَمُوا أن اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ
(36)». والأشهر الحرم هي «ذو القعدة وذو الحجة والمحرم
ورجب وعندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في العام الثالث عشر من بعثته
صلى الله عليه وسلم وجد أن اليهود يصومون في هذا اليوم وهو العاشر من شهر المحرم وعندما
سأل عن سبب ذلك قالوا له أن اليهود يصومون هذا اليوم شكرا لله على أنه نجى موسى عليه
السلام ومن معه من بني إسرائيل من فرعون وجيشه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم نحن
أولى بموسى منهم، وصام هذا اليوم، وقال عليه السلام: "لو أحياني الله سبحانه للعام
التالي لأصومنَّ تاسوعاء وعاشوراء" مخالفة لليهود بأن يزيد عليهم يوما لأن من
سنته صلى الله عليه وسلم مخالفة أهل الضلال والكفر؛ لأن اليهود بدلوا شريعة موسى عليه
السلام التي أنزلها الله عليه بشريعة من عند أنفسهم اخترعها لهم أحبار وعلماء اليهود،
كما أنهم انحرفوا عند صحيح الاعتقاد بقولهم «عزير بن الله» وسبهم السيدة مريم واتهامها
بالزنى، فكل هذا لم يأمر به موسى عليه السلام ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم قولته:
"نحن أولى بموسى منهم" لأننا على الصراط المستقيم التي جاء بها موسى من عند
ربه.
وقد ورد في القرآن في عدة سور الأخبار
بنجاة موسى عليه السلام من فرعون، ففي سورة الشعراء قال تعالى: «فَلَمَّا تَرَاءَى
الجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلاَّ أن مَعِيَ
رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إلى مُوسَى أن اضْرِب بِّعَصَاكَ البَحْرَ فَانفَلَقَ
فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ العَظِيمِ (63) وأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخرين (64)
وأَنجَيْنَا مُوسَى ومَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ (65)» (سورة الشعراء).
وهكذا استمر احتفال المسلمين على مدار
السبعين عاما بصوم يوم عاشوراء أو تاسوعاء وعاشوراء شكرا لله على نجاة سيدنا موسى عليه
وعلى نبينا أفضل السلام حتى وقعت فتنة الإمام الحسين بن على رضي الله عنهما حينما رفض
البيعة ليزيد بن معاوية؛ لأن معاوية بهذه البيعة لابنه حول حكومة المسلمين من خلافة
راشدة إلى مُلكا عضودا.
والحسين هو ابن الإمام على والحسين هو
ابن الإمام على بن أبي طالب رضي الله عنهما وأمه هي فاطمة بنت النبي محمد صلى الله
عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه وأخيه الحسن حبا شديدًا، وهو الذي أسماهما
(الحسن والحسين)، وكان الحسين رضي الله عنه شديد الشبه بجده النبي محمد صلى الله
عليه وسلم في كل شيء، وهناك أحاديث عدة عن النبي (صل الله عليه وسلم) تبين حبه لهما
منها «حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينًا».
ورفض الحسين البيعة ليزيد وعزم على قتال
يزيد مفضلًا ذلك عن ذل البيعة القهرية التي أخذها معاوية بن أبي سفيان لابنه عندما
أخرج وجهاء المسلمين من أهل المدينة وقال لهم: إني كنت أخطب فيكم فيقوم إلى القائم
منكم فيكذبني على رءوس الناس فأحمل ذلك وأصفح، وإني قائم بمقالة.. فأقسم بالله لئن
رد على أحدكم كلمة في مقامي هذا، لا ترجع عليه كلمة غيرها حتى يسبقها السيف إلى رأسه،
ثم أمر بأن يقف على رأس كل منهم رجلان ومع كل منهما سيف وقال لرئيس حرسه.
إن ذهب رجل منهم يرد عليه كلمة بتصديق
أو تكذيب فليضرباه بسيفيهما- ثم خرج إلى المسجد ووقف عند المنبر وقال لمن في المسجد
هؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم لا يبرم أمر دونهم ولا يقضى إلا على مشورتهم، وإنهم
قد رضوا وبايعوا يزيد فبايعوه على اسم الله فبايع الناس وهكذا تمت البيعة ليزيد.
وعاش معاوية أربع سنوات بعد أخذ البيعة
لابنه ثم مات والحسين بن علي يرفض بيعة يزيد هذه، ويرفض الضيم والجور، ودارت الأيام
حتى أخذ أهل العراق والكوفة البيعة للحسين بأن يخرج إليهم ليقاتلوا معه يزيد بن معاوية،
فتجهز للخروج وأخذ أهله معه وحاول ابن عباس رضي الله عنهما إثناؤه عن الخروج إلى أهل
العراق والكوفة ولكنه رفض، وقال له بن عباس فيما قاله لقد خانوا أبوك وخانوا أخوك ولكن
استمر في السير إلى أهل نصرته بالعراق والكوفة وفي الطريق التقى بالشاعر المشهور الفرزدق،
وعندما سأله عن أحوال أهل العراق قال له الفرزدق قولته المشهورة «قلوبهم معك وسيوفهم
عليك».
وقد وقف الحر بن يزيد من أنصار الحسين
رضي الله عنه قائلًا لأهل الكوفة: «يا أهل الكوفة لأمكم الهبل والعبر أدعوتموه حتى
إذا أتاكم أسلمتموه».
ثم التقى الجيشان وقاتل الحسين على قلة
من معه قتالًا شديدًا، فكان جيش يزيد بقيادة (عمر بن سعد) قرابة أربعة آلاف والحسين
ومن معه اثنين وسبعون فقط واستشهد أصحاب الحسين واحدا تلو الآخر بين يديه مدافعين عن
أهل بيت النبوة، وكان أول من قتل من أهل الحسين رضي الله عنهما الابن الأكبر علي بن
الحسين ثم ابن أخيه الحسن وهو القاسم بن الحسن، وهكذا قتل أبناء الحسن والحسين على
رغم من طفولتهم بلا رحمة وبلا شفقة، واستمر القتال والحسين بن علي يفرق الجيش عن اليمين
وعن الشمال حتى أتاه رجلًا من قبيلة كندة اسمه مالك بن النسير، فضرب رأس الحسين بالسيف
فأصابه، ونزف الحسين حتى أصابه العطش فأقترب من المياه فرماه حصين بن تميم بسهم فوقع
في فمه، واستمر يقاتل حتى تكاثرت عليه السهام والرماح من كل جانب حتى حمل عليه رجل
يدعى «سنان بن أنس النخعي» فطعنه بالرمح فخرجت روحه الكريمة إلى بارئها، وهنا قال شمر
بن ذي الجوشن لخولي بن يزيد الأصبحي: اجتز رأسه إلا أن خولي تهيب الموقف فأبعده شمر
بن ذي الجوشن، واجتز هو رأس الحسين بن علي رضي الله عنهما، وقد وجد في جسده عليه السلام
ثلاثا وثلاثين طعنة وثلاثين ضربة سيف. وكان مقتله رضي الله عنه في يوم الجمعة يوم عاشوراء
من شهر المحرم سنة 61 هجرية.
ومنذ ذلك التاريخ وهذه الواقعة وبدأت الأمة
الإسلامية في الانشقاق الغير شرعي، فإن الفرقة ليست من الدين، فالدين لا يفرق ولكنه
يجمع، قال تعالى «أن الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ
فِي شَيْءٍ» سورة الأنعام.
وانقسم المسلمون إلى سنة وشيعة، الشيعة
يتهمون السنة بقتل الحسين، وهذا من الجهل فإن الله تعالى يقول «ولا تزر وازرة وزر
أخرى» فكيف يقتل يزيد بن معاوية وطغمته الفاسدة الحسين بن علي رضي الله عنه، وكل علماء
وفقهاء أهل السنة على مدار الزمن والعصور يلعنون يزيد ويلقبونه بالفاجر، ويفضلون الحسين
على ملأ الأرض من يزيد ومن معه، ويعظمون أهل بيت النبوة، بل إن أهل الحسين رضي الله
عنهما لم يأمنوا على أنفسهم وسط أهل العراق الذين تشيعوا للحسين ولم يأمنوا على أنفسهم
إلا في مصر وأهل السنة وعاشوا مع أهلها آمنين على أنفسهم وأموالهم واطمأنوا لأهلها
حتى إنهم لم يغادروها ودفنوا في أرضها، فكل مقابر أهل بيت النبوة في مصر وليس في غيرها
أكثر منها، ففي مصر دفنت السيدة زينب رضي الله عنها وزين العابدين بن الحسين والسيدة
عائشة والسيدة نفيسة وعشرات من قبور أهل البيت فلا يعقل أن يُتهم أهل السنة بالعداوة
لأهل البيت، فهذا لا يقوله إلا جاهل ثم إن أهل السنة والجماعة أهل حق، فقد قتل الحسين
قرابة سنة 53هـ وأهل السنة يعظمون ما عظمه النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان النبي
صلى الله عليه وسلم يعظم من شأن أبي بكر وعمر وعثمان، والسيرة النبوية تشهد بذلك على
مدار الأيام التي عاشها النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، ومن أجل ذلك يعظم أهل
السنة الخلفاء الراشدين أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، ولو كانوا ملعونين ومكروهين من النبي
صلى الله عليه وسلم كما يدعي الفجرة الكاذبون من بعض المذاهب الشيعية فكيف يرفض الصحابة
رضوان الله عليهم أجمعين وفيهم الأمام علي رضي الله عنه وابن عباس رضي الله عنهما بدفن
أبو بكر وعمر بجوار النبي صلى الله عليه وسلم في مقبرة واحدة، أليس هذا أكبر دليل على
كذب وفجور من يذهب إلى سبهما وإلى لعنهما؟
نبرأ إلى الله مما يقولون في صحابة النبي
صلى الله عليه وسلم وللحقيقة إنني قد التقيت بإحدى علماء الشيعة الكبار في لبنان الشقيق
ويدعى (سيد نوري) وهو من أصل إيراني، وسألته عن سب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وكيف
يصدق ذلك مع إجماع الصحابة رضوان الله عليهم بدفنيهما بجوار النبي صلى الله عليه
وسلم بمن فيهم الإمام علي وفاطمة ابنته صلى الله عليه وسلم، فقال لي: إن الشيعة لديهم
فرق ضالة عن صحيح المذهب، كما أن السنة بها فرق ضالة عن صحيح المذهب السني كبعض غلاة
الصوفية وقال لي: ومن الفرق الشيعية الضالة التي تسب عائشة أم المؤمنين والصحابة فرقة
تسمى (الشيعة الشيرازية)- فقلت له ما يهمني هو الدراسة في مدينة «قم» فهل يتم هناك
تدريس مصحف فاطمة وسب الصحابة رضوان الله عليهم، فأجاب بالنفي القاطع وقال: المعتمد
في جامعة «قم» هو مصحف السعودية طبعة «الملك فهد»؛ لأن طباعة المصحف في إيران يحدث
بها أحيانا أخطاء، ولذلك فالمعتمد في الدراسات عندنا هو مصحف «الملك فهد، أما بالنسبة
لسب عائشة والصحابة رضوان الله عليهم فلا يوجد في الدراسات ذلك، وقد قام الكثير من
أهل السنة والجماعة بالدراسة في قم أو بالزيارة وشاهدوا المناهج الدراسية التي يتم
تدريسها، ولكن يوجد ما تقوله لدى طوائف شيعية فاسدة أو منحرفة، قلت له ما يهمني هو
الدراسة في مدينة «قم» لا يكون فيها تلك الضلالات.
وكان مقصدي بأن الولايات المتحدة
الأمريكية وإسرائيل وأتباعهم اعتمدوا الحرب الطائفية بين السنة والشيعة للتخلص من قوة
العرب، واستنفاذ أموالهم في شراء السلاح وهدم القوة الإيرانية الصاعدة عن طريق إشعال
حرب «داحس والغرباء» المهلكة للاثنين السنة والشيعة، وسوف تقوم الجماعات الضالة من
أهل السنة والجماعة وكذلك الجماعات الضالة من الشيعة بإزكاء هذه الحرب بدعوى الحرب
ذد الشيعة أو العكس الحرب ضد السنة، وسوف تجد هذه الدعوة أنصارا كثيرة لها، وخاصة مع
توفير تمويل مادي عال وقوة إعلامية فتاكة تسحر الألباب، فسوف يجد المسلمون سنة وشيعة
أنفسهم مدفوعون لحرب فرضت عليهم بخدعة أمريكية، وعندما تتوقف هذه الحرب تكون قد أتت
على الأخضر واليابس من أهل السنة ومن أهل الشيعة على حدٍ سواء، حرب تهلك بها أمريكا
القوة الشيعية الصاعدة وتستنزف فيها أموالًا طائلة، وكذلك تهلك أهل السنة والجماعة،
ولا مانع أن تقوم أمريكا بدعوة مجلس الأمن للانعقاد ولحل المشكلات والحروب بين السنة
والشيعة وترعى هي مؤتمرات الصلح بعد أن تكون أهلكتنا وأهلكت أوطاننا، والنموذج السوري
أمامكم زعموا أنها حرب بين السنة والعلويين، وتم تدمير الدولة السورية وتمزيق أهلها
وخراب ديارها ثم تقوم أمريكا بالدعوة لمؤتمر جينيف 2 وهو المؤتمر المقدر له صناعة السلام
مع أمريكا.
وهكذا علينا كسنة وشيعة أن نقف لهذا المخطط
الأمريكي الإجرامي الذي يسعى لأهلاك الشيعة وأهل السنة على حدٍ سواء، ويكفي بجوار سوريا
أن نتعظ بما فعلته أمريكا بالعراق وتمزيق أهلها بإشعال نار الفتنة الطائفية بين السنة
والشيعة، فأمريكا ومن معها من منظمات إرهابية تسعى لحرب بالوكالة لمنطقتنا العربية،
ومن هذا إعادة رسم حدودها ونهب ثوراتها والحيلولة دون تقدمها الصناعي والعلمي، وهناك
منظمات يتم استخدامها لإذكاء هذه الفتنة القذرة منها جيش بدر الشيعي بالعراق، وجيش
النصرة السني بالعراق وسوريا، فاحذروا كل الحذر، واتحدوا يا عقلاء السنة ويا عقلاء
الشيعة.