فى بعض الأسابيع الماضية كرست كثيرًا من الوقت لقراءة كثير من فكر وقصص الكتاب التى أغنت ثقافة أهل العلم، ولفتت نظرى صفحات كرسها الكاتب والزميل مصطفى بكرى لموضوعات حول سعودية جزيرتي تيران وصنافير.. وأسهم فى إعطاء الجهد والمكان والأدلة على صدق أحداث التاريخ التى تحدت أسلوب القصص والحواديت!! التى تفضل سهولة تفسير أحداث التاريخ، فمثلا حينما نقول مصرية جزيرتى تيران وصنافير ونعتمد على قبول الرأى العام «لسهولة تفسير أحداث التاريخ وحينئذ سنكون فى أمس الحاجة إلى موضوعية كاتب مثل مصطفى بكرى الذى سيفضل الموضوعية على سهولة تفسير أحداث التاريخ، ويفضل إعطاء تيران وصنافير هدية لمصر إرضاء للقارئ البسيط..».
وأذكر فى مرحلة اختلف واختلط فيها الأداء والأفكار أن اجتمعت وجهات النظر على أن الوفاق على أن تيران وصنافير جزر سعودية هو حل يرضى واقع التاريخ.
وصدق النظرة التاريخية، وبجانب ذلك حينما ننظر إلى طريقة وأسلوب الأستاذ مصطفى بكرى فى الانحياز الذى يرضى الموضوعية التاريخية، ولنترك بجانبنا هؤلاء الذين يريدون أن يرضوا لغة الهواء..!! وإرضاء الرأى العام بقبوله تيران وصنافير مثلا كجزر مصرية.
وأعلم جيدا أن الرأى العام المصرى يفضل دائما تملكه لجزيرتى صنافير وتيران، وحينما تشاء الموضوعية التاريخية لمصطفى بكرى أن يعطى أفضلية اختياره بأن يعطى اختياره التاريخى بإعطاء الجزيرتين إلى المملكة العربية السعودية، وأن يدير ظهره إلى لغة الديماجوجية بإعطاء الأفضلية إلى أعطائها لمصر.
حينما ننظر إلى النظرة الوطنية العامة، فنجد أن الاختيار التلقائى للأستاذ مصطفى بكرى هو إعطاء الأفضلية إلى الوطن، ولكن بين الاختيار السياسى الوطنى والاختيار الموضوعى فإن أمانة الاختيار هى فى الاتجاه نحو الموضوعية.
وكثير من الذين يعطون لأنفسهم حق الاختيار يقولون كلمة الحق بأن مصطفى بكرى اختار الحقيقة.
وكم من الصفحات كتبت فى هذا الموضوع الكثير مع انحياز كامل إلى فكرة اعتبار أن هذه الجزر مصرية، ودافع الكثير عن نفس الفكرة، وكأنهم يدافعون عن عزة وكرامة مصر، وليس دفاعا عن الحق، فإذا كان الحق ومكانه سعوديا فلننحاز إليه جميعًا.
وكم من رجال الفكر المحترمين الذين انحازوا من البداية إلى فكرة أن هذه الجزر سعودية وليست مصرية، مثل الكاتب والمفكر الأمين كمال أبو المجد، وهو فى نفس الوقت رجل قانون له مكانته.
وإذا كان الاختيار مبنيا على أساس انحياز وطنى وليس أمانة فكرية فسيكون الحل سهلا مثل الشعارات، وأن يطالب كل من يريد أن يكون وطنيا ظاهريا أن يكتفى بانحيازه للشعارات.
ونذكر كيف أن المشكلة وقعت فى توقيت كان يمكن أن يثير الشك، فقد حدث فى وقت زيارة عاهل المملكة إلى مصر واختياره بأن تمتد يد العطاء إلى الشقيقة، وهنا حدث ووقع الشك بأن العطاء كان له توقيت، وكأنه ثمن لهدية عبارة عن جزيرتين.
وكما هى العادة وتقاليد البشر دائما حينما يلتبس الشك بأن هناك نية عطاء أقرب إلى شراء الذمم.
وثارت وقتها نقاشات وخلافات، بل وتبادلت الاتهامات التى تمت خلالها إدانة الضمائر والشك فى أمانة إدارة الحكم، وكان من الغريب أن تغلب وقتها لغة الثرثرة واللعب بالألفاظ، ونسى الجميع الالتزام بأمانة الفكر... ودخل الجميع فى لعبة خطرة، وهى استعمال مناورات شيطانية تضر بالمصالح العليا للوطن وإثارة حملات تشكيك هدامة.. ونسى أغلبية المواطنين أن هناك قيادة لهذا الوطن آمنت بحبها له وأولوية ولائها به، وأن قيادة هذا الوطن كانت وستظل أمينة على عهدها بالحفاظ على مصالح الوطن العليا... كم كان من السهل على الأستاذ والزميل مصطفى بكرى أن يختار لغة الشعارات السهلة، ويسير وراء من يطالبون بإعطاء هذه الجزر إلى مصر، وأن ننسى شرعية ملكيتها للملكة السعودية... لم أفهم كيف أن الكثيرين نسوا أن عقلاء هذه الأمة، وعلى رأسهم نخبة من علماء القانون الدولى الدكتور أحمد القشيرى الذين اكتشفوا من البداية أن الجزيرتين هما من حق المملكة العربية السعودية، وحينما نقول اسم أحمد القشيرى، فنحن هنا نشير إلى صورة مشرفة من أبناء مصر الذين أخلصوا لها على مدى عمرهم... وكم أسعدنى أن أكون زميل دراسة فى فرنسا للصديق أحمد القشيرى، وأن أكون شاهدا على علمه وأمانة فكره، فضلا عن تفوقه وتميزه.
وهل لى أن أذكر بكل الاحترام والإجلال العزيز الأستاذ الدكتور فؤاد رياض الذى أعطى شهادة مماثلة للدكتور أحمد القشيرى على سعودية هذه الجزر... والدكتور فؤاد رياض هو من أساتذة بل عمداء معهد القانون الدولى الخاص، ومن المشرف لأساتذة مصر الذين تخصصوا فى القانون الدولى الخاص أن يكون معظمهم من أساتذة وعمداء تخطوا زملاءهم الأساتذة العرب الذين تفوقوا على الجميع، والتفوق المصرى أيضا كان باختيار جزء كبير منهم كقضاة بمحكمة العدل الدولية.
من حقنا جميعا أن نفخر بزملائنا من أساتذة وعمداء وقضاة المحاكم الدولية.