الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

تقارير وتحقيقات

39 عامًا على احتجاجات "كيلو اللحمة بقى بجنيه".. "السادات" أطلق عليها "انتفاضة الحرامية".. والقرارات الاقتصادية القاسية كانت وراء تأجيج الموقف.. وأبرز هتافاتها "يا ساكنين القصور الفقرا عايشين في قبور"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحل اليوم الذكرى الـ 39 لانتفاضة الشعب المصرى اعتراضًا على القرارت الاقتصادية التى اتخذتها الحكومة فى هذا التوقيت، والتى تسببت فى غليان واحتقان الشارع والذى انتفض رافضأ تلك القرارات التى تسببت فى موجهة الغلاء، والتى أطلق عليها السادات " انتفاضة الحرمية".
بدأت شوارع مصر صباح 18  يناير 1977، محتقنة وغاضبة، رغم أن شيئا لم يحدث بعد، كرد فعل على القرارات الاقتصادية التى أعلنها عبد المنعم القيسوني، نائب رئيس الوزراء ورئيس المجموعة الاقتصادية، أمام مجلس الشعب، مساء 17 يناير، والتي حملت الغالبية العظمى من المصريين أعباء مالية كبيرة، لم يتحرك أحد حتى صباح هذا اليوم، لكن هناك مؤشرات كثيرة تؤكد أن شيئا ما كبيرا سوف يحدث بعد قليل، بل وسيظل يوم 18 و19 يناير من الأيام الخالدة في الذاكرة المصرية. 
وترجع أصل الحكاية أمام مجلس الشعب في 17 يناير 1977 وقف عبد المنعم القيسوني، نائب رئيس الوزراء ورئيس المجموعة الاقتصادية، يعلن عن مجموعة من القرارات الاقتصادية المفاجئة، من بينها رفع الدعم عن مجموعة من السلع الأساسية، حيث ارتفعت أسعار الخبز بمقدار 50% والسكر 25% والشاى 35% وكذلك الأرز والزيت والبنزين و25 سلعة أخرى نشرتها الجرائد في صباح اليوم التالي. وهو ما أصاب غالبية الشعب المصري بصدمة، خاصة أن خطاب التكليف لحكومة ممدوح سالم في أبريل 1975 كان ينص بشكل واضح على أن مهمة تلك الحكومة، تثبيت الأسعار ورفع المعاناة عن الشعب، ومقاومة الفساد، بالإضافة إلى التصريحات التي كانت تتناقلها الصحف على لسان الرئيس السادات وأفراد حكومته بأنه قد حان وقت تحسين الأحوال المعيشية للمصريين، و"قرب قدوم الرخاء"، وهو ما لم يحدث على مدار سنتين، وانتهى بتلك القرارات الصادمة.
وارجع النظام وقتها تلك القرارت إلى محاولة إنقاذ الاقتصاد المصري، خاصة بعدما أرسل صندوق النقد الدولي مذكرة للحكومة المصرية، يطلب فيها بشكل مباشر رفع أو تخفيض الدعم على بعض السلع، كشرط لإقراض مصر 200 مليون جنيه، وبناء على هذه المذكرة اجتمع مجلس الوزراء أكثر من مرة بحثًا عن طريق لتنفيذ مطالب صندوق النقد.
وقال القيسوني وقتها: "إن "المركب تميل الآن من الناحية الاقتصادية ويمكن أن تغرق ولا مفر من اتخاذ القرار برفع الدعم"، غير أن وزير الداخلية وقتها اللواء سيد فهمي رفض هذا القرار وقال إنها ستؤثر على الوضع الأمني، غير أن القيسوني تمكن من إقناع السادات، خاصة بعدما أخبره بأن الدول العربية قررت عدم دفع أي مساعدات لمصر إلا بعد استشارة خبراء من البنك الدولي، فانحاز السادات لقرارات القيسوني، ووافق على رفع الدعم عن السلع". 
بداية الأحداث عند الثامنة صباح 18 يناير بدأت التحركات العمالية فى عدد من المواقع وبالتحديد بين عمال شركة حديد حلوان وطلاب هندسة عين شمس. تلك التحركات التي بدت وكأنها منظمة تجمع حولها عمال حلوان وطلاب جامعة عين شمس، وبشكل عفوي قرروا التوجه إلى وسط القاهرة، غير أن الأمن كان في انتظارهم، وتمكن من تفرقتهم مستخدما القوة، وتفرقت المظاهرة، وتحولت إلى مجموعات صغيرة حاولت الهرب في الأحياء الشعبية إلا أنهم استمروا في الهتاف رفضًا للقرارات الاقتصادية الجديدة، مما دفع عددا كبيرا من سكان المناطق الشعبية إلى الانضمام إليهم، وعند الظهيرة تحركت تلك المجموعات بشكل عفوي نحو أقسام الشرطة في السيدة زينب والأزبكية والموسكي والدرب الأحمر وغيرها من أقسام الشرطة، وفي هذا اليوم جرت محاولة لاقتحام مديرية أمن القاهرة في باب الخلق، وزادت الاحتجاجات وتحولت عند المساء إلى أحداث عنف استمرت لليوم التالي 19 يناير. 
لم تكن الاحتجاجات فى القاهرة وحدها وإنما وصلت إلى الإسكندرية أيضا بتحرك عمال شركة الترسانة البحرية في منطقة المكس بالإسكندرية. ووصلت المظاهرات حتى أسوان، حيث كان هناك السادات يستعد لاستقبال المارشال تيتو، رئيس يوغسلافيا، وجاء في كتاب "مقاتل من الصحراء" أن السادات لم يكن يعرف طبيعة ما يحدث في القاهرة والمحافظات، وكان مشغولا في حوار صحفي مع صحفية لبنانية، في شرفة استراحته المطلة على خزان أسوان القديم، وفجأة شاهد عمودا من الدخان يرتفع، فسأل: ما هذا؟ فقالت له الصحفية اللبنانية: ربما كانت المظاهرات في القاهرة قد وصلت إلى هنا.. فسألها مندهشًا: إيه مظاهرات؟.
وفوجئ السادات بمحافظ أسوان، يدخل عليه فى خوف، ويطالبه بسرعة مغادرة الاستراحة، لأن المظاهرات على الطريق المؤدي إليها وأن الأمن يحاول السيطرة لكن هناك خطرا محتملا إذا تمكنت الجماهير من الوصول إلى الاستراحة، سارع السادات بمغادرة الاستراحة، وغادر إلى القاهرة. 
الهتافات باتت ترج شوارع القاهرة وعددا من المحافظات، والملاحظ وقتها أن غالبية تلك الهتافات كانت ذات طبيعة يسارية وناصرية "يا ساكنين القصور الفقرا عايشين في قبور"، و"سيد مرعى يا سيد بيه كيلو اللحمة بقى بجنيه" و"عبد الناصر ياما قال خللوا بالكم م العمال" إلى جانب عدد من الهتافات التي اتخذت شكلا إسلاميا مثل "لا إله إلا الله السادات عدو الله"، و"يا حاكمنا في عابدين فين الحق وفين الدين" غير أن كل الوثائق التي تحدثت عن انتفاضة 18 و19 يناير لم تذكر أن التيار الإسلامي كان له دور في تلك التحركات، وأن تلك الهتافات شعبية وليست إسلامية، بل ويؤكد الكاتب الصحفي محمود عبد الشكور، في كتابه الحديث "كنت صبيا في السبعينيات" أن تلك الوقائع أثبتت للسادات أنه شخصيا قد يسقط في أي وقت، لذا كان قراره بأن يطلق الحرية للتيار الإسلامي في محاولة للسيطرة على التيارين الناصري واليساري. السادات مرعوب أدرك السادات أن المظاهرات بداية ثورة حقيقية عليه، وأنه إن لم يتحرك فورًا فستكتب نهايته، بل إن هناك عددا من المراجع أكد أن السادات وضع خطة هروبه من البلاد إذا وصلت المظاهرات إلى بيته في الجيزة، وتقول تلك المصادر إن السادات وصل من أسوان إلى بيته في الجيزة، وكان قد تحول إلى ثكنة عسكرية، إذ كانت المنطقة التي بها المنزل على كورنيش النيل محاطة بعدد من الدبابات.
وكانت هناك طائرة هليكوبتر في المكان المخصص لها على الكورنيش في مواجهة المنزل، بينما كانت طائرة السادات بوينج 707 مستعدة للإقلاع في مطار "أبو صوير" وكانت وجهته إلى طهران أو إلى أمريكا عن طريق السودان. ويستوعب الصدمة ويحاول التهدئة عند مساء يوم 18 يناير عاد السادات إلى القاهرة، غير أنه قبل أن يصل كان قد اتخذ قراره بالعدول عن القرار، واتصل برئيس الوزراء ممدوح سالم، يطالبه فيه بالإعلان عن التراجع عن القرارات.
وفي المساء خرج عبد المنعم القيسوني، نائب ئيس الوزراء ورئيس المجموعة الاقتصادية على شاشات التليفزيون الرسمي ليعلن أنه تم التراجع عن القرارات، لكن المظاهرات لم تهدأ وتواصلت في اليوم التالي 19 يناير. فعقد السادات سلسلة من الاجتماعات في بيته، ضمت قيادات الأمن والمخابرات، وبدأ باتهام اليسار بالمسئولية عن تحريك تلك المظاهرات، وشبّه تلك المظاهرات بعملية استيلاء لينين على موسكو والوصول للسلطة في ثورة أكتوبر 1917. لاحظ السادات أن الأمر خرج من يد الشرطة، فأمر بالاستعانة بالقوات المسلحة لضبط الأمن في الشارع، غير أن الفريق عبد الغني الجمسي، وزير الحربية وقتها، كان رافضا لنزول الجيش، معتمدًا على أنه طلب من السادات بعد حرب أكتوبر أن لا يستخدم الجيش في أية عملية ضد الشعب مهما كانت الظروف، إلا أن السادات وعده بأن يتم التراجع عن القرارات، وألا تكون هناك أي صدامات بين قوات الجيش والشعب، معتمدًا على أن الجيش لديه احترام كبير بين المواطنين، وبالتالي ستكون مهمته سهلة في السيطرة على الشارع. الجيش يسيطر في صباح اليوم التالي 19 يناير.
تحركت المظاهرات من جديد، وكاليوم السابق بدأت من حلوان، حيث التجمعات العمالية، غير أنه وخلال وقت قصير جدا انضم إليهم الآلاف، وامتدت المظاهرات إلى غالبية أحياء القاهرة والجيزة، حيث انتشرت في حدائق القبة ووسط المدينة وروض الفرج والعتبة والسيدة زينب والدرب الأحمر والأزهر وإمبابة والجيزة والهرم وبولاق الدكرور والدقي. وامتدت المظاهرات إلى خارج القاهرة الكبرى، وتظاهر المئات في الإسكندرية والسويس والمنصورة وتطور الاحتجاج في هذا اليوم بمحاولات قطع الطرق والسكك الحديدية. ومع اشتعال الموقف أعلنت الحكومة رسميا قرارًا بإلغاء رفع الأسعار، وأعلن السادات الأحكام العرفية، وفرض حظر التجوال، وانتشر أفراد الجيش ومدرعاته في شوارع القاهرة والمحافظات، مع إعلانات متكررة في الإذاعة والتليفزيون بأن الرئيس السادات ألغى قرارات رفع الأسعار، وتمكن الجيش بالفعل من السيطرة على الوضع، وكانت آخر مظاهرة في حي زينهم بالقاهرة في التاسعة مساء يوم 19 يناير.
وأعطى وزير الداخلية أوامره بفض المظاهرات والسيطرة على الشارع، وبدأت الصحف في مهاجمة الأحداث، معتمدة على تحليل الرئيس السادات بأن اليسار هم من قاموا بتحريك الجماهير لتلك المظاهرات، وسماها السادات "انتفاضة حرامية" وهو نفس المسمى الذي استخدمه مصطفى أمين رئيس تحرير جريدة "الأخبار" وقتها. ونشرت جريدة "الأهرام" فى 22 يناير، عنوانا فى صدر صفحتها الأولى جاء نصه "ضبط وثائق الخطة الكاملة لحرق القاهرة مع أعضاء التنظيم الشيوعي السري"، وبدأ السادات يلاحظ الخطر الذي قد يناله من نمو التيار اليساري، فعمل على تحجيمه سواء بالتضييق عليه، أو بفتح المجال أمام الجماعات الإسلامية لضربه والسيطرة عليه، بل هناك من يؤكد أن تلك المظاهرات كانت السبب الرئيسي في أن يطلق السادات يد الجماعات الإسلامية في الجامعات. في تلك الأحداث تم القبض، والتحقيق مع قرابة 1270 شخصا، ووجهت لهم تهم التجمهر والشغب، ومحاولة قلب نظام الحكم، وأحيلوا إلى المحكمة لكن هنا كانت المفاجأة. براءة المتهمين واتهام النظام بالمسئولية حملت القضية المتهم فيها المقبوضُ عليهم رقم 100 لسنة 1977.
وحكمت المحكمة برئاسة القاضي حكيم منير صليب، ببراءة المتهمين، وكانت حيثيات الحكم تشير بشكل واضح إلى أن النظام هو المتسبب الرئيسى فيما حدث، وفندت الحيثيات ما قدمته النيابة العامة في قرار الاتهام والتي من بينها تقديمها تحريات مغلوطة وعارية من الصحة، والاعتماد على مجلات وكتب كأدلة على ثبوت التهم وأثبتت المحكمة أخطاء فادحة فى كشوف أسماء المتهمين، ومن بينها أسماء لمتوفين ومهاجرين، وركزت الحيثيات على مسألة "الشاهد الطائر" وهي لعقيد مباحث شهد على الأحداث فى أكثر من منطقة فى نفس الوقت.