فى أكثر من مناسبة أتعرض لهذا السؤال: لماذا تستمر الأحداث بسيناء؟ لماذا لم تستطع الدولة القضاء على جماعة بيت المقدس، التى أطلقت على نفسها (ولاية سيناء) حتى الآن؟
قبل أن أجيب، دعونى أؤكد لكم، أن الجيل الجديد، من الجماعات المسلحة، هو محلى الطابع، إلا أنه يفكر بطريقة عالمية، والتنظيمات الحالية التى ينضمون لها، هى إقليمية الطابع، لها رأس فى مكان وذيول فى أخرى، لذا فإن جماعة بيت المقدس، بحثت لها عن الكفيل الإقليمي، وبايعت تنظيم داعش، بيعة مشهورة، صورت بالصوت والصورة، وإرهاب هذه الجماعة فى مصر مرتبط ارتباطًا كاملًا وتامًا بما يجرى مع رأس التنظيم، ومصر وحدها لن تستطيع القضاء على الإرهاب الذى يواجهها، دون أن تحل هذه المشكلة بشكل كامل إقليميًا، بل ودوليًا، خاصة أن هناك من يوظف هذه الجماعات ويستخدمها.
نعود إلى سيناء، التنظيم يحاول بكل ما يملك إرهاب الأهالى، ويجبرهم على عدم التعاون مع القوات، ولذا فإنه يقوم بذبح المواطنين نهارًا، وفى الأسواق العامة برفح والعريش، لكن الأهالى يتعاونون وبكل جدية مع الجيش، لكنهم يرفضون التعاون مع الشرطة مطلقًا، لأنهم يعتقدون أنها مخترقة، ويستدلون بالقبض على أربعة أمناء شرطة كانوا هم من يبلغون التنظيم، عن تحركات القوات، لذا فإن عدم التعاون هذا ساهم بلا شك فى استمرار التنظيم.
مما لا شك فيه، أن عمليات التجنيد مستمرة، وبفاعلية كبرى، ليس فقط فى سيناء، بل فى محافظات الدلتا والوادى، ورغم ذلك فإن التنظيم وفق رأيى لا يزيد بأى حال من الأحوال عن ٣٠٠ عنصر فقط، لكن هذا بالمنطق العسكرى، فهو عدد كبير جدًا، لأن كل مجموعة وخلية لا تزيد على ١٢ فردًا، وبهذا فنحن أمام حوالى ٢٥ مجموعة مسلحة، وهذا صعب جدًا أما قوات نظامية، تواجه حرب عصابات، فى طبيعة أرض، وشعب بدوى، وحركة تكفيرية عنيفة.
لاحظوا أن أفرادًا من هذا التنظيم، كانوا يعملون فى تجارة الأنفاق الرائجة والرابحة، أو تجارة الأسلحة والمخدرات، والحصار الذى تعرضوا له، دفعهم للاستماتة، للدفاع عن مصالحهم المادية، بالتعاون مع بعض المطلوبين أمنيا، ونجاح داعش المهم، هو كيف أنه استطاع تحويل مصالح هؤلاء، وإقناع هذه العناصر أن يكونوا أفرادًا (استثنائيين)، وانتحاريين أحيانًا، وبعضًا من هؤلاء، لقد كان بعضًا من هؤلاء الجوعى، أو المهمشين، أو تجار الأسلحة والمخدرات، ليس لهم قيمة، فحولهم التنظيم إلى رؤساء، وأمراء، يتحكمون فى مصائر الناس، فيقتلون هذا، أو يعفون عنه، فتمسكوا بالتنظيم، واستماتوا فى الدفاع عن كفيلهم الذى جعلهم فى المجتمع السيناوى لا مثيل لهم.
لقد حاول تنظيم بيت المقدس بسيناء استنساخ نموذج مصغر لتنظيم داعش الأم، وحاول السيطرة المكانية، وكان يحاول دائمًا دعائيًا أن يصور عناصره وهم يقدمون بعض المساعدات للسكان، أو يوفرون بعض المواد الغذائية، بحيث يشيرون إلى أن هناك رضا مجتمعيا سيناويا لهم، فى ذات الوقت الذى كانوا يجبرون فيه بعض الأهالى على التأكيد على غياب الدولة، وغياب أمنها وتنميتها.
فى المقابل، فإن الجيش لديه إحداثيات ومعلومات تامة ومتكاملة عن أفراد التنظيم، وأسمائهم، والأماكن التى يتجمعون فيها، واستطاع الفترة المؤخرة، أن يخترق هذا التنظيم، الذى قام بعملية تجنيد واسعة، ضمت أطفالًا ونساء، هم من يقومون بزرع العبوات الناسفة، لكن الجيش على سبيل المثال، ترك منطقة (الجميعى) كل هذه الفترة، رغم أنهم يعلمون أن بها قيادة التنظيم، ويعلمون أن بها سجن أقامه عناصره للتحقيق مع الأهالى، لكى يعرفوا من يتعاونون مع الجيش، لكنهم يحجمون على استهدافهم، هل تعرفون لماذا؟! حرصًا على الأهالى الذين يعيش بينهم الإرهابيون بالنهار، ويتحولون لقتلة بالليل، وكل ذلك ومشايخ القبائل، فى حيرة من أمرهم، فالدولة ولها كل الحق، ترفض ترخيص الأسلحة لهم للقضاء على التنظيم، وهم يصرون، مما حيدهم، وجعلهم يراقبون الموقف وما يحدث وحسب.
هل تذكرون السيارة التى كانت مليئة بالمتفجرات، وتم القبض على سائقها من قبل قوات الجيش، كيف مرت من غرب القناة إلى شرقها؟! ألا يدل ذلك على أن هناك متآمرين، قبضوا أمولًا نظير تمريرهم تلك الأسلحة المتقدمة، من ليبيا وحتى شرق القناة، وأن عشرات السيارات مرت دون الوصول إليها؟!!
وأوضح الرجل، أن هناك مناطق محدودة ينتشر بها التنظيم، وهى الشيخ زويد ورفح، وبعض مناطق العريش، مستغربًا من عدم وجودهم فى مناطق أخرى يسهل فيها اصطياد القوات، مما يؤكد أنهم يريدون الفوضى فى هذا الشريط الحدودى فقط، وهذا هو ما يخدم إسرائيل، ويضع علامات، وأسئلة كثيرة عما يجرى.
كل هذا من وجهة نظرى كان مجموعة من الصور الدعائية فقط، لأنه لم يكن لها قدرة فى الحقيقة على التوسع، وظل التنظيم طوال الثلاث سنوات الماضية، يتحرك فى مساحة سيناوية مقدارها ٣ بالمائة فقط، ولم يستطع مطلقًا إقامة أى نظام، أو محاكم شرعية مثل نظيرتها فى سوريا على سبيل المثال، بل كل ما حصل أنه فقط، استغل الهشاشة المجتمعية فى سيناء من أجل ضم عناصر جديدة، بسبب الإحباطات التنموية فى هذه المنطقة، وحاول إرساء سيادة مزعومة، لكنه اتضح فيما بعد أنه كان يستخدم الأنفاق، والضغط على الأهالى، ورعب القتل والذبح للمتعاونين مع الجيش، ورغم هذا فشل فى كل ما خطط له.
فى النهاية لا تقلقوا، فبرأيى أن أهم نقطة تشير إلى فشل التنظيم الآن ومستقبليًا، هى أنه كان يتموضع فى ٣ بالمائة فقط من مساحة سيناء، ولم ينجح مطلقًا فى الانتقال إلى أى مساحات أخرى، حتى إن فرعه بالوادى انشغل ببيعة البغدادى بعيدًا عن التنظيم السيناوى، ولعبت الأمور الفكرية دورها فى البون الشاسع بين التنظيمين، حتى تلقى ضربات موجعة، أوقفت عمليًا كل ما كان يخطط له.
ورغم ما صرح به زعيم التنظيم، أبوهاجر الشامى، فإنه لا تنظيم يستطيع ابتلاع مصر، فبحجمها الكبير تبلع كل التنظيمات والجماعات، وخارطة بيت المقدس أصبحت معروفة الآن، وهذا دليل كافٍ على تراجع قدراته واختراقه، وفرار الزعيم الحقيقى للتنظيم أبوالزبير سلامة حتى الآن، ليس دليلًا على استمرار التنظيم بنفس قدراته، بل إننى أرى أن العام المقبل سيكون حاسمًا فى القضاء على القوة الأساسية له، وإن كان ذلك ليس بشكل نهائى.