لم تأت قبلات وأحضان الرئيس الإخوانى محمد مرسى والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد من فراغ، بل كانت تحمل ولعًا إخوانيًّا حقيقيًّا بالتجربة الإيرانية، وتقديرًا للدعم الإيراني المنتظم والمستمر لتنظيم الإخوان المسلمين في مواجهة الحكومات والأنظمة العربية المختلفة.
قبل ظهور الإخوان في السلطة عقب ما سُمى بالربيع العربي كانت إيران تقدم الدعم المادي والتأييد السياسي للقيادي الإخوانى حسن الترابي في السودان، ولحركة حماس في غزة، وللجماعة الإسلامية في الجزائر؛ بغرض نشر أفكارها ضمن مشروعها الإقليمي القائم على فكرة تصدير الثورة، لتمهيد الطريق نحو إقامة حكومة عالمية بقيادة إيران، وتعزيز حكومات شعبية مستقلة إسلامية في دول أخرى من العالم على الطراز الإيراني لمساندة ايران.
ويتلاقى الإخوان مع إيران "الخميني" في كثير من الأفكار أبرزها قبول حكم الأجنبي للدول القومية، فحديث المرشد مهدى عاكف عن حق الماليزي في رئاسة مصر يتطابق مع المادة 11 من الدستور الإيراني، وتنص على أن الإمام أو مرشد الثورة يمكن أن يكون أجنبيًّا، والإمام هنا يجسد مصلحة المسلمين، ويرتبط الأمر بالتفسير الإيراني لما هو الحُكْم الإسلامي.
بدأت إيران عقب انتهاء الحرب الإيرانية في التوجه نحو دعم الأنظمة الإسلامية في الدول العربية، وكانت السودان في ذلك التوقيت تتجه نحو هذا النمط من الحكم تحت قيادة الإخوانى حسن الترابي، وساندته في الاستيلاء على السلطة؛ لأنه يخدم الإيديولوجية الإيرانية في تمددها نحو الدول العربية وأفريقيا، وظهر ذلك خلال زيارة الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني للسودان عام 1991 ولقائه بعمر البشير والترابي، وتم خلالها الاتفاق على إقامة تعاون عسكري، وافتتاح مركز ثقافي إيراني، وإصدار مجلات وصحف ناطقة بالعربية بإدارة سودانية، وتمويل وتوجيه إيراني، وحصلت السودان على أسلحة بقيمة 300 مليون دولار من إيران خلال قتالها ضد الجنوب.
وبعد تأسيس حماس- الذراع العسكرية للإخوان في فلسطين- بثلاث سنوات بدأ التلاقي بينها وإيران، وحضر القيادي الحمساوي خليل القوقا، المُبْعَد من غزة عام 1988، المؤتمر الأول لدعم الانتفاضة الفلسطينية بطهران عام 1990، ثم تطورت العلاقة في العام التالي في المؤتمر الثاني لدعم الانتفاضة، حين طلب وفد حركة حماس من القيادة الإيرانية وجود تمثيل رسمي للحركة في طهران، وهو ما تم بالفعل بافتتاح مكتب، وتعيين القيادي المُبْعَد عماد العلمي ممثلًا لحماس في إيران.
وتعمقت العلاقات بزيارة زعيم ومؤسس حركة حماس أحمد ياسين لإيران خلال جولة عربية وإسلامية، بعد الإفراج عنه من سجون الاحتلال بصفقة مع الأردن، عقب محاولة فاشلة لاغتيال رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل عام 1998.
وبعد فوز حماس بالانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006 أعلنت إيران عن دعم مالي بمئات ملايين الدولارات، وتلقت الحركة دعمًا عسكريًّا وأسلحة مختلفة يُعتقد أنها وصلت بوسائل التهريب من البحر وعبر سيناء، وظهرت في القطاع لأول مرة صواريخ قادرة على الوصول إلى عمق إسرائيل، وبحسب تقديرات متعددة تجاوزت فاتورة الدعم الإيراني المادي لحركة "حماس" 250 مليون دولار سنويًّا، كما شهدت الأراضي الإيرانية والسورية تدريبات عسكرية، خاصة لعناصر من المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها كتائب القسام.
كما ارتبطت علاقة إيران بالجماعات المسلحة في الجزائر خلال ما أطلق عليه العشرية السوداء أو محاولة الإسلاميين السيطرة على الحكم في الجزائر، وقام الحرس الثوري الإيراني بتدريب المسلحين الجزائريين، عبر شبكات تابعة لها في أفغانستان وباكستان وسوريا ولبنان، حاولت من خلالها إيران السيطرة على هذه التنظيمات وتوجيهها لخدمة المشروع الإيراني.
وتتحدث تقارير وشهادات عن تَشَيُّع بعض قادة الحركات الإسلامية المسلحة في الجزائر مثل أمير إحدى هذه الجماعات ويُدعى "محفوظ طاجين"، وكان محفوظ بحسب روايات مقربين قد سافر إلى لبنان عام 1991 للمشاركة مع مجموعة كبيرة من الجزائريين قرروا "الجهاد" ضد القوات الأمريكية خلال حرب الخليج، وقابل فتحي الشقاقي زعيم "الجهاد الإسلامي" الفلسطيني، وتعرف عبره على القيادات الإيرانية.
وكشف سيد غزالي رئيس الحكومة الجزائرية الأسبق أن وزير الخارجية الإيراني في التسعينيات علي ولايتي٬ طلب منه شخصيًّا فتح المساجد للإيرانيين بالجزائر لممارسة طقوس الشيعة٬ وذلك في محاولة منه لغرس الفكر الشيعي لدى الجزائريين، وتوسعه إلى إفريقيا المسلمة.
وفى مصر حاولت إيران نشر مذهبها على فترات متباعدة، ودعمت أي تحرك من شأنه إثارة القلق في مصر، بما يشغلها في مشاكلها الداخلية، وتبتعد عن مساندة دول الخليج العربي، وكان الإخوان غير بعيدين عن ذلك، وهو ما ظهر بشكل جلي عقب ثورة المصريين على حكم الإخوان عام 2013، وظهور تصريحات للمرشد الأعلى تنتقد ثورة يونيو، وتدافع عن حكم الإخوان.
كما دعمت إيران قطر خلال صراعها الحدودي مع المملكة العربية السعودية، والتي اشتعلت عقب "حادثة الخفوس"، وهي معركة عسكرية وقعت بين دولة قطر والمملكة العربية السعودية عام 1992، انتهت المعركة بمقتل ضابط سعودي وجنديين قطريين، وسيطرة السعودية على تلك المنطقة، وذلك لرغبة منها فى مد جسور التواصل مع قطر على حساب السعودية.
كل المحاور السابقة والتي تدل على محاولات إيران المستمرة لزرع القلق والتوتر في الدول العربية، ونشر فكرة الدولة الإسلامية، تقودنا لفهم خلفيات التقارب بين الإخوان وإيران عقب وصولهم للحكم، وأن المسألة لن تختلف في ظل الصراع الجاري حاليًّا، والذى تحاول خلاله إيران مد نفوذها الإقليمي على الخليج، وأن موقف الإخوان في هذا الصراع سيكون محايدًا على خلاف ما يحاولون تصويره في معركة سوريا، فالولع الإخوانى بإيران ممتد ومرتبط باستمرار حكم الملالى؛ لأنهم النموذج الملهم الذى يطمح الإخوان للوصول إليه يومًا ما.